التكاليف غير الظاهرة لتأسيس شركة ناشئة في دولة الإمارات
إن ارتفاع تكاليف التأسيس يهدد الشركات الناشئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويثني كثيراً من الراغبين في خوض غمار ريادة الأعمال عن إقامة أي مشروعات تجارية جديدة.
ورغم وجود منافع جمة تعود على المشروعات التجارية عند إدارتها من داخل دولة الإمارات، كالاستفادة من عدم وجود ضرائب على الدخل ومن السرعة الفائقة للاتصال بشبكة الإنترنت ومن العمالة المتعددة اللغات، فإن عوامل الجذب هذه لا تكاد تعني شيئاً إذا كانت الشركة المحتملة لا تستطيع تحمل نفقات التأسيس.
تقول جوي عجلوني، الشريك المؤسس لشركة "فتشر" لخدمات التوصيل في دبي التي حصلت على تمويل قدره 52 مليون دولار أمريكي وفقاً لموقع كرونشباس: "تتمثل أكبر صعوبة في المال. فالتكلفة باهظة للغاية. وسواء أكانت الشركة هي آي بي إم أو أمازون أو شركة ناشئة صغيرة، فالأمر سيان في التأسيس. قارن ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن أن تحصل فيها على علامة تجارية عبر الإنترنت بمائتي دولار فقط، ويمكنك أن تبدأ عملك التجاري مباشرةً من جراج بيتكم.".
وتشير تصنيفات مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية الصادرة عن البنك الدولي إلى أن دولة الإمارات تأتي في المرتبة الخامسة والعشرين على مستوى العالم من حيث تأسيس المشروعات التجارية. وينوه المؤشر إلى أن الحد الأدنى لتكلفة إنشاء مشروع تجاري محلي في دبي يبلغ 34340 درهماً إماراتياً (9350 دولاراً تقريباً)، ويتطلب دفع مجموعة كبيرة من الرسوم. وتشمل هذه الرسوم 15000 درهم إماراتي للحصول على ترخيص تجاري عام، بالإضافة إلى دفع رسوم قدرها 10000 درهم إماراتي إلى بلدية دبي، و3000 درهم إماراتي إلى وزارة الاقتصاد، و1200 درهم إماراتي إلى غرفة التجارة.
ليس هذا كل شيء، فهناك مصروفات أخرى منها استئجار مساحة مكتبية –وهو شرط ضروري للحصول على جميع تراخيص المنطقة الحرة، التي تكون أرخص بوجه عام من التراخيص الخارجية– ورسوم تأشيرات استقدام الموظفين.
وجاء في التقرير الصادر بتكليف من جوجل لعام 2019والذي اشتركت في كتابته منصة ومضة وشركة "أو سي أند سي استراتيجي كونسالتنتس" أن "بعض الشركات الناشئة تحتاج إلى مبلغ يصل إلى 25000 دولار أمريكي". ويضيف التقرير أن "تكاليف تأسيس الشركات التكنولوجية الناشئة وتشغيلها خلال العام الأول من بين أعلى التكاليف على مستوى العالم، رغم طبيعة الضرائب المنخفضة التي تعني أن التكاليف المستمرة أقل منها في أماكن أخرى".
شركة «بوينت تشيك آوت» هي بوابة سداد عبر الإنترنت تسمح للمستهلكين باستخدام نقاط الولاء التي حصلوا عليها وأميال رحلاتهم الجوية في شراء البضائع عبر الإنترنت، ويشارك فيها تجار من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذه الشركة، التي أسسها في العام الماضي بشار صالح وطارق غبار، استطاعت مؤخراً أن تحصل على تمويل قدره 600000 دولار أمريكي، ولديها أكثر من 1000 تاجر مسجل.
يقول طارق غبار: "رغم أنني على معرفة جيدة بإجراءات تأسيس الشركات، لا تزال تلك الإجراءات محبطة للغاية. وتكمن الصعوبة في تعقُّد الشروط، وتعقُّد إجراءات تقديم الطلبات، بالإضافة إلى الرسوم التي يجب دفعها. ورغم أن القواعد والإجراءات واضحة، فإنها لا تزال مربكة".
وتعد شركة "بوينت تشيك آوت" عضواً في منصة "in5"، وهي حاضنة للشركات الناشئة في دبي، ويمكنها من خلال هذه المنصة أن تدفع رسوماً مخفضة. وقد دفعت 14000 درهم إماراتي للحصول على ترخيص تجاري وإيجار مساحة مكتبية مشتركة لمدة 12 شهراً، و11000 درهم إماراتي كرسوم تأشيرات وإيداعات للمؤسسَيْن، و5000 درهم إماراتي كتأمين طبي، وهو شرط ضروري آخر لبدء العمل التجاري. وبلغ إجمالي تكاليف تأسيس شركة "بوينت تشيك آوت" 30000 درهم إماراتي، وهو مبلغ أقل من تكاليف التأسيس المعتادة التي تبلغ 46255 درهماً إماراتياً وفقاً لما جاء في تقرير جوجل.
ويتمثل أحد العوائق الأخرى في أن الحد الأدنى للمساحة المكتبية التي يجب على الشركة استئجارها يتوقف على عدد الموظفين، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء الموظفون سوف يعملون داخل المكتب أو خارجه. ويجب أيضاً أن يُدفَع الإيجار لمدة سنة مقدماً.
يقول سوديبت شاه، وهو شريك في تأسيس شركة «ديجيتال أوف ثينجز» التي تتخذ من دبي مقراً لها وتُعتبر أول مختبر لتجارب المستخدمين في الشرق الأوسط: "لقد حالفنا الحظ بأن حصلنا بالفعل على تمويل قبل تأسيس الشركة. ولكن لو افترضنا أنك تبدأ مشروعاً في مجال التجارة الإلكترونية من الصفر، وليس لديك مستثمرون أجانب ولا تحتاج إليهم بالضرورة، فسوف تكون تكاليف هذا المشروع باهظة.
فإذا كنتُ خريجاً جديداً في دولة الإمارات وأرغب في إنشاء شركة، فسوف تحول التكلفة بيني وبين ذلك. ورغم أنه يجري حالياً القيام بالكثير، وتوجد مبادرات كثيرة قيد المناقشة، فإن القواعد الحالية مثبطة لرواد الأعمال الشباب – وهو ما يمثل فرصة ضائعة."
وليست التكلفة هي العقبة الوحيدة التي يواجهها رواد الأعمال المحتملين، بل يعد الوقت عقبة كؤوداً أخرى.
ومضى سوديبت شاه يقول: "توجد سلسلة من الإجراءات يجب عليك اتباعها، وكل إجراء منها يتوقف على إجراء آخر. ومن ثمَّ، فقد تحصل على رخصتك التجارية المؤقتة، لكنها لا تصبح نهائية حتى تستأجر مساحتك المكتبية".
وترى شركة "ديجيتال أوف ثينجز" أن الأمر يستغرق ستة أشهر بدءاً من الرغبة في إطلاق العمل التجاري حتى بدء التشغيل الفعلي، ولذلك استمر شاه في العمل بدوام كامل حتى أصبحت شركته جاهزة للعمل.
يقول شاه: "كان فتح حساب بنكي أمراً في غاية الصعوبة لنا، وكان ذلك سبباً آخر في تأخير بلغت مدته ستة أشهر". وأضاف أن "المشروعات التجارية الصغيرة تسهم بجزء كبير في إجمالي الناتج المحلي في دولة الإمارات، ولذلك يُحبذ أن تقدم البنوك منتجات مخصصة للشركات الناشئة وللمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فقد كان فتح حساب بنكي أمراً معرقلاً لنا".
وواجهت أيضاً شركة الاستشارات الرقمية "ويلث فيس" المُسجَّلة في سوق أبوظبي العالمي، ولا تزال قيد التأسيس، صعوباتٍ هائلة في فتح حساب بنكي.
وقد صرح يعقوب نسيبه، وهو شريك في تأسيس شركة ويلث فيس التي ستبدأ في تقديم خدماتها قبل نهاية عام 2019، قائلاً "حتى اللحظة التي تغيرت فيها القواعد منذ أسابيع قلائل، كان سوق أبو ظبي العالمي يعاملنا كما لو كانت شركتنا شركة مالية عالمية تفتتح مكتباً جديداً – لقد بدت الهيئة التنظيمية متشككة بشدة في المستشارين الرقميين، ولذلك فرضت علينا اشتراطات غاية في الصرامة. وعلى الرغم من أنني أتفهم قدر العناية الواجبة المطلوبة لاعتماد شركة ما (في دولة الإمارات)، فإن ذلك لا يزال يستغرق عدة أشهر، ثم لا تحصل في النهاية إلا على اعتماد مبدئي."
ويوصي تقرير جوجل بأن تستحدث دولة الإمارات رخصة ابتكار تكنولوجي ذات غرض عام للشركات الناشئة التي لا تزال في طور التجريب من أجل الوصول إلى الصيغة النهائية لنموذجها التجاري، فتغيير الرخصة يكبد الشركة تكاليف إضافية. كما أوصى التقرير بإعفاء الشركات الوليدة من شرط استئجار مساحة مكتبية.
وتحتاج الشركات التكنولوجية الناشئة إلى وجود اتصال عالي الجودة، وهو ما يتوفر بكثرة في دولة الإمارات، إلا أنه غالي الثمن. إذ يتكلف النطاق الترددي الجوال 22.30 دولار لكل 500 ميجابايت في الإمارات المتحدة، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف سعر الباقة نفسها في دول مثل بريطانيا والصين، ويقارب أربعة أضعاف سعرها في إيرلندا وكوريا الجنوبية. كما أن تكاليف النطاق الترددي الثابت تُعد أيضاً من بين أعلى التكاليف على مستوى العالم، إذ تبلغ 55.40 دولاراً. ُقارن ذلك بمبلغ 16.80 دولار أمريكي في تركيا، و12.60 دولار أمريكي في بريطانيا، و33.20 دولار أمريكي في سنغافورة.
والحظر الذي تفرضه دولة الإمارات على تطبيقات الاتصالات الصوتية غير المرخصة على الإنترنت، مثل سكايب، يضيف تكاليف لا تتكبدها الشركات الناشئة في أماكن أخرى. وفي الوقت ذاته، فإن تكلفة اسم النطاق العام «.ae» هي 44.99 دولار أمريكي، بينما نفس اسم النطاق «.com» لا يتكلف سوى 10.99 دولار أمريكي فقط.
تقول جوي عجلوني مؤسسة شركة «فتشر»: "إن الوضع فيما يخص التكلفة العالية لبدء عمل تجاري قد تحسن قليلاً لكنه لم يتحسن بشكل كبير على مدى السنوات القليلة الماضية، (وذلك على الرغم من أنهم) يرغبون في التحسين، ويعلمون أنه لا بد من القيام بشيء حيال ذلك". وأضافت: "لا يوجد تواصل بين الأشخاص الذين يمكنهم إحداث تغيير وبين أصحاب المشروعات الذين يكابدون تلك العقبات ويدركون ما ينبغي تغييره، لكن لدى إيمان عميق بأننا سوف نصل. وكل ما أرجوه هو أن نصل بسرعة أكبر".
إن اعتماد الإمارات العربية المتحدة على الدخل القادم من الرسوم بدلاً من الضرائب يسبب مشكلات للشركات الناشئة. تقول جوي عجلوني: "في الغرب، لا تدفع الشركات الناشئة ضرائب حتى تبدأ تلك الشركات في جني أرباح، لكن في الخليج يتعين عليك أن تدفع رسوماً هائلة مقدماً، سواء كان عملك التجاري يحقق أي أرباح أم لا". ومضت تقول: "إن تكلفة مباشرة عمل تجاري مرهقة. ورسوم التأسيس معرقلة، فعدد سكان أمريكا يبلغ 300 مليون شخص، ومن ثمَّ فبمجرد تأسيس أي شركة، يكون لديك سوق هائل تتعامل معه. ولكنك في دبي تدفع رسوماً ضخمة للغاية للوصول إلى سوق لا يتعدى حجمه مليوني شخص فقط، ثم يتعين عليك أن تدفع رسوماً مماثلة أو أعلى للدخول إلى دولة أخرى من دول الشرق الأوسط لديها أيضاً كثافة سكانية ضئيلة."
أضف إلى ذلك أن تكاليف تعيين موظف تبلغ 6000 درهم إماراتي تقريباً، وهي تكلفة تجعل الشركات أشد حذراً من فصل الموظفين ذوي الأداء المنخفض بسبب التكلفة الإضافية لتعيين بديل.
وأضاف العجلوني: "إنك تفكر 50 مرة قبل أن تفصل موظفاً، والاعتقاد السائد لدى الشركات الناشئة هو تجاوز الفشل بسرعة للوصول إلى النجاح، لكنك لا تستطيع أن تفعل ذلك في دولة الإمارات".
ويلقي سوديبت شاه، مؤسس شركة ديجيتال أوف ثينجز، الضوء على الصعوبات التي تواجهها الشركات الناشئة في دولة الإمارات عند إدارة تدفقها النقدي، لا سيما الفواتير التي تكون من شركة إلى أخرى والتي تستغرق غالباً فترة تصل إلى 60 يوماً لدفعها. بينما في أوروبا، يكون السداد عادة خلال 14-30 يوماً.
يقول شاه: "إن التدفق النقدي أمر شديد الأهمية. فإذا تمكنت البنوك من تقديم حلول مبتكرة، مثل تمويل الفواتير أو القروض قصيرة الأجل، فسيكون ذلك مفيداً حقاً. أما في الوقت الحالي، فإنك تعتمد فقط على أن يسدد لك العملاء في الموعد المحدد.