كيف تخلق ثقافة عمل جيدة
داون ميتكالف استشاري ثقافة بيئة العمل والعضو المنتدب لشركة PDSi MEA، وهي أيضًا مؤلفة كتاب "Managing the Matrix and The HardTalk Handbook"
ليس عليك البحث بعيدًا أو التحدث إلى العديد من الأشخاص كي تستمع إلى قصص مأساوية عن بيئات عملهم، لا سيما بيئات العمل في الشركات الناشئة. وهناك قصصًا قد تداولتها الأخبار بالفعل من شدة فظاعتها: مثل أخبار المؤسسات التي تشيع بها ثقافة النميمة، والأكاذيب، واضطهاد النساء، والعنصرية ويغلب عليها انعدام الكفاءة والتسييس. ولكن كيف يصل الحال إلى هذا؟ بالقطع لا يتعمد أحد خلق بيئة عمل تغلب عليها تلك الممارسات، من يدري؟ يبدو أن بعض أماكن العمل التي نسمع عنها تُدرك تمامًا ما يدور بها ولكنهم لا يشعرون بالسوء إلا عند افتضاح الأمر. لا أتمنى العمل في مثل تلك البيئات ولكن يبدو أن هناك بعض ممن يرغب في ذلك، فبيئة العمل هي نتاج السلوكيات التي نسمح بها فموافقتنا على بعض السلوكيات تجعلنا نؤسس لثقافة عمل تحدث فيها تلك التصرفات عن عمد.
وهناك ثلاث خطوات وخمسة عوامل مؤثرة تسهم في خلق ثقافة أي بيئة عمل. والأمر ليس شاقًا ولكنه قد يكون صعبًا بعض الشيء، فهو يتطلب الإجابة عن بعض الأسئلة الصعبة والقيام بأمور تُشعر معظم الأفراد بعدم الارتياح.
الخطوة الأولى: حدد ما تريده منذ البداية وتأكد من سير الوضع على هذا النحو
عليك أولًا معرفة ما تريده من بيئة العمل. حتى لو لم يكن في المؤسسة سواك أو كان هناك اثنين فقط. فثقافة بيئة العمل هي طريقة قيامنا بالأمور وتصرفنا حين لا يرانا أحد. ولكن سرعان ما تتغير الأمور مع نمو حجم الشركة، وبمجرد أن يصبح هناك ثلاثة أشخاص في المؤسسة، تزداد فرص تغير ثقافة بيئة العمل على نحو غير متوقع على الإطلاق. لذا عليك معرفة ما تريده وما لا تريده وأن تتأكد باستمرار من سير الأمور على النحو المتوقع لها.
الخطوة الثانية: كن واضحًا بشأن توقعاتك
الخطوة الثانية تتمثل في معرفة السلوكيات المقبولة وغير المقبولة لديك مع وضع مقياس متفق عليه للمكافآت والجزاءات والالتزام بتطبيقه بشكل واضح. وكذلك معرفة السلوكيات التي تساعدك في تحقيق أهدافك والسلوكيات التي ستقف عائقًا أمام ذلك. كن محددًا للغاية: فلا يكفي القول بأنك تريد الشفافية.
ولكن يمكنك عوضًا عن ذلك قول:
"سينتهي كل اجتماع يُعقد بين الإدارة العليا وقادة فرق العمل باتفاق لتحديد الشخص المنوط به الإفصاح عمّا دار داخل الاجتماع ولمن"
وكذلك، بدلًا من القول بأنك تُشجع ثقافة الإبداع في العمل، قل:
"لن يعقد أي اجتماع ما لم يتم إرسال جدول أعماله المقترح قبل 48 ساعة من انعقاده وسيكون على جميع المشاركين..."
ثم ثق في قدرة الموظفين لديك على إدارة أي حالات استثنائية واضحة، على سبيل المثال، وقعت كارثة بالعمل وعليهم عقد اجتماع بدون تحضير جدول أعمال. إذا كنت لا تثق في قدرة قادة الفرق وما فوقهم للقيام بذلك، فاعلم أن لديك مشكلات أكبر وعليك إلى الانتقال إلى الخطوة الثالثة.
3) استخدم عوامل التأثير
يقول أرسطو "أعطني رافعة طويلة وسأحرك العالم". وبالمثل، كي تُغير ثقافة العمل، استخدم كل ما لديك من أدوات للتأكيد على الرسالة التي تريد ترسيخها لدي الأفراد: "هذه هي الطريقة التي نقوم / لا نقوم بها بالأمور في العمل"، وساعد الآخرين على القيام بذلك. وأمعِن التفكير في جميع القرارات التي تتخذها؛ فكل قرار تتخذه يؤثر على ثقافة بيئة العمل. وهذا ما يجعل الأمر صعبًا، ليس لأنه لا يمكنك القيام بشيء ولكن لأن كل ما تقوم به يُوجه رسالة ما.
ولتسهيل الأمر، علينا التفكير في نقاط معينة أو في الأمور التي تقوم بها جميع المؤسسات وتؤثر بشكل كبير على بيئة العمل، ويُقصد بذلك عوامل التأثير. وقد اخترنا تلك العوامل لأنه ثبت بالتجربة أنها تحقق قدرًا كبيرًا من النجاح من حيث تأثير الرسالة واستدامتها ولكنها لا تحقق القدر نفسه فيما يتعلق بالتكلفة. وعوامل التأثير الخمسة هي:
<>·الأفراد الذين يعملون معك يعكسون قدرتك على اختيار الموظفين. وتتأثر صورة العلامة التجارية للمؤسسة تبعًا لذلك. كما أن تهيئة الموظفين الجدد للعمل تجعلهم يُدركون حجم الفجوة بين الأسباب التي دفعتهم إلى الانضمام إلى هذا العمل وبين الواقع. فكم من الوقت تخصصه لاتخاذ هذه الخطوة؟
<>·أيًا كان مركزك في التسلسل الهرمي بالمؤسسة، هناك بعض الإجراءات التي تنطبق عليك. فقد وضِعت العديد من الإجراءات في معظم المؤسسات بهدف القدرة على التعامل مع فكرة وجود شخص فاسد أو مصاب بجنون الارتياب. وإذا لم يستطع كل شخص في مؤسستك أن يشرح الأساس المنطقي وراء الإجراءات التي تُطبقها، فما جدواها؟
<>·يُصاب معظم كبار القادة بالفزع عند سماع آراء الأفراد في رؤية المؤسسة التي اجتهدوا في صياغتها مع كبار الموظفين الإداريين. وفي أفضل الأحوال يُنظر لهذه الرؤية على إنها وهماً أما في أسوأ الأحوال، يُنظر إليها على إنها تواطؤ للخداع. لذا، تأكد من انعكاس رؤية المؤسسة على أرض الواقع ومن قدرة جميع الأفراد على الإتيان بثلاثة أمثلة على الأقل على هذه الرؤية من واقع العمل.
<>·يجب معرفة من يجب ترقيته، ومن يجب فصله، ومن سيواصل التدريب والتطور للوصول إلى فريق الإدارة العليا - كل هذه الأمور تؤسس ثقافة بيئة العمل لديك. فهي تجعل الأفراد يُدركون طبيعة الكفاءات التي تُقدرها المؤسسة ومن الذي يمكن الاستغناء عنه.
• من يجب مكافئته ومن يجب معاقبته
يُعد هذا أكثر عوامل التأثير صعوبةً من العديد من النواحي لأنه ينطوي على قيام الأشخاص بأمور لا يشعرون بالرضا عنها وأن يكونوا عرضة للعقاب بسهولة شديدة. ولسوء الحظ، فإن أصعب عامل هو أكثرهم أهمية في نواح كثيرة لأن بدونه سوف تعود السلوكيات إلى المعتاد.
فالتدريب وحده لا يكفي. فلن تتمكن من تغيير ثقافة بيئة العمل عن طريق إخضاع الأفراد إلى التدريب فحسب (على الرغم من أن ذلك قد يكون جزءًا من عملية التغيير). ولكن يجب أن يشمل التغيير كافة الأمور والقرارات لإحداث تغيير كبير. لذلك فكر في الأمر من منظور العوامل المؤثرة.
قد يكون الأمر صعبًا وغير مريح في بعض الأحيان - وذلك لأن إدارة بيئة العمل تعني إدارة السلوك – أي سلوكياتنا وسلوكيات الآخرين- وهذا هو السبب في تقاضيك راتبًا أكبر! وتلعب الإدارة الوسطى دورًا بالغ الأهمية في خلق بيئة العمل وإدارتها أو كليهما، ولكن في ظل غياب الدعم الحقيقي من الإدارة العليا لن تتمكن من القيام بذلك. ومن ثم تقع المسؤولية على الجميع تجاه بيئة العمل التي يعملون بها وبإمكانهم إحداث تغيير.
لا يمكن لأي مؤسسة أن تشيع ثقافة "السعادة" في بيئة العمل بإعطاء الناس دروسًا في التأمل الواعي أو بتقديم حلقات اليوغا المجانية. فلن تتحقق السعادة إلا عندما يعمل الأفراد ضمن بيئة عمل تتضافر فيها جميع المواقف والتصرفات نحو نفس الاتجاه، وبالتالي يشعرون بالسعادة حيال "الطريقة التي تتم بها إدارة الأمور في العمل".