هل يمكن للشركات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ان تحدث تغييراً على المشهد الريادي؟
عمر الشريف مدير برامج الشركاء في ومضة
تحرص الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تحويل اقتصاداتها لمواجهة مشاكل لا تعد ولا تحصى، من ارتفاع معدلات البطالة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي. وقد حددت أغلبية هذه الحكومات الرؤى الاقتصادية التي تجعلها أقل اعتمادًا على النفط وقادرة على أن تخلق التحول من اقتصاد استهلاكي إلى اقتصاد منتج.
نبدأ بالدول المنتجة للنفط، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن السؤال الذي يطرحه معظم صانعي السياسات هو ما مدى استمرارية اقتصاد يعتمد على النفط، وما هي خيارات التنويع؟ أسئلة تطرح في وجه أرقام تأتينا من صندوق النقد الدولي تبين انخفاض النمو الاقتصادي للدول المصدرة للنفط من 0.6 في المائة إلى 0.4 في المائة في عام 2019.
من جهة أخرى تبرز اهمية معالجة التباطؤ في النمو الاقتصادي في الدول المستوردة للنفط مثل الأردن ولبنان حيث ترتفع المديونية، فمن المتوقع أن تنخفض معدلات النمو من 4.2 في المائة في عام 2018 إلى 3.6 في المائة في عام 2019. وعلى إثر الضغوط التي يمارسها البنك الدولي والدول المانحة لإصلاح وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، تتجه هذه الدول إلى التفكير في طرق أكثر ابتكاراً لتنمية الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة من شأنها أن تقلل من العجز وتخفض معدلات البطالة وتحد من هجرة الأدمغة الى الدول المجاورة الأخرى.
وعلى الرغم من اختلاف حجم التحديات الاقتصادية لكلا الطرفين، الا أن جميع الحكومات في المنطقة قد وجدت الحل في تعزيز مراكز ريادة الأعمال التي تدعم الشركات الناشئة المتزايدة وتوفر علاجًا سريعًا على ما يبدو، ليصبح الاقتصاد أكثر إبداعًا وإنتاجية وقادراً على حل مشكلة نسب البطالة المتزايدة ويساهم في تحفيز النمو الاقتصادي.
أصبح جذب الشركات الناشئة ورجال الأعمال الرياديين مهمة العديد من دول المنطقة، مع وجود العديد من الصناديق والمبادرات مثل "صندوق الواحة البحريني"، و"الصندوق الوطني" الكويتي، و"منشآت" /الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السعودية ، ومبادلة أبو ظبي منصة "هب 71 "، و منطقة 2071 التي تشرف عليها مؤسسة دبي للمستقبل، و تعميم بنك لبنان المركزي رقم 331. كما تتم معالجة الفجوات في التشريعات لاستيعاب نماذج الأعمال الجديدة وجذب مؤسسي الشركات الناشئة والمستثمرين الأجانب.
ولكن لكي يزدهر النظام البيئي، يجب أن تكون هناك مساهمة أساسية من القطاع الخاص حيث تنضم غالبية الشركات والمؤسسات القائمة في المنطقة إلى السباق بأسلحة من رؤوس أموال مشتركة مثل شبكة الاتصالات السعودية ومجموعة ماجد الفطيم في الإمارات العربية المتحدة، ومجموعة الطيار القابضة المعروفة حاليا بإسم سيرا في المملكة العربية السعودية.
لكن أغلب الشركات في الشرق الاوسط وشمال افريقيا مترددة في استكشاف المشهد الريادي، وخاصة مع الاقتصاد الناشئ تفضّل التركيز على تحقيق الاستقرار في أعمالها الأساسية وتنمية قنواتها والاستمرار في طرح السؤال "ماذا يوجد لدينا وكيف يمكننا تحسين أعمالنا؟".
وتواجه العديد من الصناعات ونماذج الأعمال تحولات كبيرة بسبب الرقمية والتغير العالمي في ديناميكيات المستهلك حيث تحتاج هذه الشركات إلى طرق جديدة ومرنة لخلق فرص عمل ودخول أسواق جديدة. وعلى الرغم من أن التعاون مع الشركات الناشئة هو أحد الحلول الأكثر وضوحًا للمشكلة، الا أن العديد من الشركات ما زالت مترددة.
بعض من هذا التردد له ما يبرره. هنالك العديد من مبادرات ريادة الأعمال التي تتطلب من الشركات مساهمة نقدية كبيرة للانضمام إلى البرامج التي ليست لها أهدافاً واضحة أو رؤى طويلة الأجل لتمكين الشركات من تطوير نماذج أعمالها. لذا، وعوضا عن ذلك، نجد ان تركيز الكثيرين منصب على الاحتفال بفكرة ريادة الأعمال فقط.
إذن كيف يمكن للشركات المساهمة بفعالية وهل يمكنها حقًا تغيير ديناميكيات السوق؟ أم أن العمل مع الشركات الناشئة يعامل ببساطة كعلاقات عامة واتقان موضعة العلامة التجارية؟
على المستوى العالمي، تم اختبار هذا النموذج وما زال تحت الاختبار من خلال أربعة اتجاهات شراكة رئيسية مستجدة أدت إلى العديد من قصص النجاح.
المشاركة في الابتكار
يمثل التطوير المشترك والابتكار في المنتجات إحدى الفرص التي يمكن للشركات الناشئة من خلالها مساعدة الشركات على إنشاء منتجات جديدة والتوسع في عروضها الحالية. تم اعتماد هذا النموذج من قبل شركة BMW عندما قررت تطوير سياراتها الكهربائية وأقاموا شراكات مع العديد من الشركات الناشئة لمساعدتها على تطوير التجربة بأكملها من مجموعة الطاقة الكهربائية الرئيسية، إلى إنشاء تطبيقات تساعد في التمييز بين تجارب المستخدمين.
الريادة الداخلية للمؤسسات
هذا نموذج لثقافة الشركات وريادة الأعمال حيث تسمح الشركات لموظفيها باستخدام مواردها لتطوير تقنيات ومنتجات جديدة يمكنهم الحصول عليها في نهاية المطاف. وتعد "جوجل" أحد أشهر الأمثلة على هذا النموذج حيث تسمح لموظفيها بالعمل في مشاريع فردية باستخدام موارد الشركة.
صناديق الاستثمار المؤسسي
تميل معظم الشركات في المنطقة إلى نموذج صناديق الاستثمار المؤسسي التي تمكّن الشركات من الاستثمار في الشركات الناشئة الأمر الذي يسمح لها بالتنويع والدخول في أسواق جديدة ونماذج أعمال قد لا تكون لديها القدرة أو الموارد على استكشافها بمفردها. إحدى قصص النجاح الإقليمية لهذا النهج هي استثمار شركة الاتصالات السعودية في Careem.
المسرعات
النهج الرابع هو مسرعات وحاضنات الشركات، على غرار نموذج مبادرة وايرا من شركة تلفونيكا في إسبانيا. يوجد في تلفونيكا أكثر من 10 مسرعات في العديد من الدول حول العالم مع مجموعة من الشركات الناشئة التي تقدر قيمتها بحوالي 900 مليون دولار. النموذج بسيط، لدى تلفونيكا البنية التحتية للاتصالات وتساعد الشركات الناشئة على بناء وتصميم منتجاتها اعتماداً على الشبكة الأساسية لـتلفونيكا. وهذا من شأنه ان يزيد من نسبة العملاء المحتملين لشبكة الشركة، ويخلق أيضًا نماذج أعمال جديدة ستمكنهم من النمو والتوسع لتشمل قطاعات وأسواق جديدة.
كما تقوم شركات أخرى بتجربة نماذج شريكة متخصصة تتضمن شراكتين أو أكثر من الشراكات المذكورة أعلاه، على أمل البدء في الشركات الناشئة أولاً والقدرة على تنمية أعمالها من خلال نماذج أعمال مبتكرة جديدة.
في هذا العصر الرقمي، بغض النظر عن القصة ونموذج الأعمال، من الضروري للشركات والقطاع الخاص أن يغيروا عقلياتهم وممارساتهم لاستيعاب التقنيات الجديدة، والتغيير السريع في سلوكيات المستهلكين وقنوات البيع والتسويق التي تم إدخالها حديثًا. وقد يكون التعاون مع الشركات الناشئة هو النهج الأكثر مرونة والأسرع طريقا لتحقيق كل هذا.