استخدام التكنولوجيا المالية لتحويل الأموال إلى الخارج
تُعتبر منطقة الخليج أكبر مصدر للتحويلات الخارجية في العالم وتسعى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية إلى أن تشق طريقها في هذا القطاع الذي يتسم بقدر فائق من التنافسية؛ بيد أن العوائق التنظيمية والعقبات المتزايدة لا تسمح للشركات غير التقليدية بالنجاح في المنطقة؛ فشركة بريتانز ترانسفيروايز "TransferWise"، التي أبصرت النور في عام 2011، وتُقدر قيمتها الآن بحوالي 4 مليارات دولار، تحول نحو 3 مليارات دولار في الشهر عبر الحدود، فهي تنهي التحويلات في وقت اسرع وبتكلفة أقل من البنوك التقليدية.
إلا أن اتباع نموذج مماثل في منطقة الخليج ليس بالأمر السهل، فقد أدت العوائق التنظيمية الى تأخير إطلاق شركة ناو موني "NOW Money" ، والتي يقع مقرها في دبي، الى أبريل/ نيسان 2019. يعمل تطبيقها كسوق لمكاتب الصرافة؛ فهو يمكّن العملاء من إيجاد أفضل الاسعار وإتمام عمليات تحويل الأموال من خلال المنصة بدلاً من زيارة مكاتب الصرافة. والمهم في الامر هو أن مكاتب الصرافة المشاركة هي التي تقوم بعمليات التحويل وليست شركة ناو موني.
قال المؤسس المشارك لشركة ناو موني، إيان ديلون: "لن يتم منحنا ترخيص للصرافة في هذه المنطقة؛ لذا، فقد عمدنا إلى تحويل منصتنا إلى نقطة مبيعات فريدة من نوعها مستغلين استقلاليتنا في بناء سوق ومشاركة العائدات مع مكاتب الصرافة التي نعمل معها" واستطرد قائلًا: " ففي كثير من الاحيان نقدم أسعاراً أفضل من تلك التي تحصل عليها عادة لأننا نجري عمليات تحويل بالجملة وننقل الوفورات إلى الزبون".
يتوقع السيد ديلون انضمام حوالي 4 إلى 6 من مكاتب الصرافة إلى السوق بحلول نهاية 2019، بينما تهدف الشركة الى إنضمام 100,000 عميل إلى منصتها خلال العامين المقبلين مع توسيع نطاق خدماتها الى باقي بلدان دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال السيد ديلون:" في الواقع، إننا لا نتنافس مع مكاتب الصرافة التقليدين، لأنك إذا كنت ترغب في إرسال الأموال من دولة الإمارات العربية المتحدة الى أي مكان في العالم فعليك القيام بذلك عبر مصرف أو مكتب صرافة، أما في الغرب يستطيع الوافدون الجدد إلى السوق أن يرسلوا الأموال بأنفسهم". وأضاف: " إذا كنت لاعباً جديداً في هذا المجال، فعليك أن تدخل في شراكة مع شركة قائمة بالفعل بدلاً من الدخول في منافسة حقيقية. فالبنوك ومكاتب الصرافة التي لا تتبنى الطرق الجديدة للعمل سيفوتها قطار التقدم".
وبتطبيقها الذي سيتوفر قريباً بلغات متعددة شاملة العربية، والأردية، والهندية، والتاغالوغية، تستهدف شركة ناو موني سوق العمال المهاجرين من ذوي الدخل المنخفض في بلدان دول مجلس التعاون الخليجي والذين سيظلون بخلاف ذلك خارج المنظومة المالية. لدى إستخدام التطبيق سيحصل العملاء على بطاقة المدين وسيتمكنون من خلال التطبيق سداد الفواتير وإعادة شحن رصيد الهاتف المحمول.
وصرح السيد ديلون: " نسعى لاجتذاب هؤلاء العمال إلى المنظومة المالية وإعطائهم حساباً خاصاً بهم بحيث يتمكنون من التسوق عبر الإنترنت، والعثور على أفضل الصفقات، وبناء تاريخ ائتماني. إننا نركز حالياً على عرضنا الأساسي، ونهدف الى التوسع في توفير الائتمان والتأمين خلال العام أو العامين القادمين".
وعادة ما يُشترط على المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة إستلام 5000 درهم في الشهر للتمكن من فتح حساب مصرفي محلي وبذلك يُستبعد مئات الآلاف من العاملين من المنظومة المصرفية. فبدلاً من ذلك، يتسلم هؤلاء العمال رواتبهم عن طريق بطاقة مسبقة الدفع تسمح بعملية سحب واحدة في الشهر دون رسوم. وبدلاً من جذب العمال مباشرة، تستهدف ناو موني أرباب الأعمال؛ حيث نجحت في تسجيل خمسة منهم بالفعل لتشمل حوالي 5000 عامل.
ورغم العوائق التشغيلية، الفرصة كبيرة أمام شركات مثل ناو موني؛ فوفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي، تعد دولة الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مصدر للتحويلات المالية الخارجية على الصعيد العالمي، وتشير تلك البيانات الى أن المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلوا 44.37 مليار دولار إلى الخارج في عام 2017، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المقدمة بمبلغ 67.96 مليار دولار. وجاءت المملكة العربية السعودية في المركز الثالث بتحويلات خارجية بلغت 36.12 مليار دولار، في حين حلت كل من الكويت بمبلغ 13.76 مليار دولار، وقطر بمبلغ 12.76 مليار دولار، وعُمان بمبلغ 9.82 مليار دولار في المراكز الـ 15 الأولى.
ويرى البنك الدولي أن تلك المبالغ الضخمة قد أوجدت منافسة شديدة في السوق. فعلى الصعيد العالمي تأتي السعودية والإمارات ضمن أرخص الأسواق لإرسال الأموال، إذ تتراوح رسوم إرسال مبلغ 735 درهم من الإمارات إلى الهند بين 2.4 الى 3.2 في المئة مقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 6.9 في المئة.
وقال جرانت لانيز، المدير التنفيذي للإيرادات لدى شركة موني جرام انترناشونال " MoneyGram International" التي تعمل فيما يربو على 200 إقليماً وتخدم 22,000 ثنائياً من "الممرات" مثل ذلك القائم بين دولة الإمارات العربية المتحدة والهند: " لقد تم إضفاء طابع التسليع على سوق الشرق الأوسط. إنها سوق تتسم بقدر عالٍ جداً من التنافسية؛ فالأسعار منخفضة مقارنة بالأسواق الأخرى في العالم؛ إلا أن هناك عدد كبير من الممرات المتجهة للخارج بفضل الاستثمارات الجارية في جميع أنحاء المنطقة وكذلك العدد الكبير من العمالة المهاجرة والمغتربة. وينبع هذا القدر الضخم من التنافسية من خلال التسعير داخل الممرات الجوهرية."
توفر شركات تحويل الأموال التقليدية خدمات التحويلات النقدية للعملاء الذين يزورون منافذها شخصياً، لكن بدأت تلك الشركات تتجاوب مع تهديدات التكنولوجيا المالية من خلال تقديم الخدمات الرقمية على نحو متزايد من خلال إقامة شراكات مع شركات شبيهة بموني جرام.
وأكمل لاينز حديثه قائلًا: " تشجع الجهات التنظيمية التكنولوجيا المالية؛ ويمكن للشركات تقديم خدمات بقدر عال جداً من التنافسية عبر موني جرام أو بصورة مباشرة، ويميل مقدمو تلك الخدمات إلى التركيز على عدد قليل من الممرات وإذا رغبوا في التوسع في عدد أكبر من الأسواق، فهم بحاجة إلى شريك مثل موني جرام الذي يملك شبكة دفع قائمة". تعتبر هذه النقطة هامة على وجه الخصوص مع إصرار الجهات التنظيمية في العديد من أسواق المقصد على أن يُمول الوكيل المتلقي بالمبلغ المُحول قبل السداد، وهذا تحد آخر متجذر في أولويات المستهلك.
ويرى السيد لاينز أنه "في حين أن التكنولوجيا المالية تتيح للمستهلك خيارات وخدمات مريحة إلا أنها لن تغير بالضرورة من سلوكيات الناس في كيفية تحويل الأموال وتوقيته".
أما شركة مينا باي" MenaPay" الناشئة والتي اتخذت من مدينة دبي مقراً لها، تتبع نهجاً مختلفاً للولوج إلى قطاع التحويلات النقدية، حيث تهدف الشركة إلى استبدال النقود بعملة مينا كاش" MenaCash" الرقمية، والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والقائمة على نظام البلوكشين. إذ يتمكن العميل من تعبئة محافظ مينا باي الخاصة به عن طريق الحوالة البرقية أو نقاط التعبئة المشاركة والموجودة في المتاجر الصغيرة، ومحال الصرافة، ومقاهي الإنترنت. تساوي عملة الميناكاش الواحدة دولاراً واحداً.
وبمجرد إضافة الميناكاش إلى محفظة شخص ما، يمكنه تحويل الأموال إلى حامل حساب ميناباي آخر في وقت أقل من 10 ثوان، ولا يوجد حد لمقدار الميناكاش الذي يمكن تحويله من مستخدم لآخر.
ورغم ذلك لا يستطيع العملاء الأفراد أن يحولوا عملة ميناكاش إلى عملات إلزامية في حين أن التجار سيتكبدون نسبة 7 في المائة عند القيام بذلك. نهدف شركة ميناباي أن تجعل من ميناكاش عملة رقمية مقبولة على نطاق واسع بحيث لن يحتاج المستخدم أو يرغب في استعادتها. وأقامت ميناكاش علاقة شراكة مع شركة تركية تمتلك 50,000 نقطة شحن في البلاد.
وفي هذا الخصوص تقول سيرا اكنيشي، مديرة العلامة التجارية "ميناباي": "نريد أن نحقق العالمية مثل فيزا وماستركارد ولكن سيستغرق الأمر وقتاً. نتعاون حالياً مع وسطاء ومواقع للتجارة الإلكترونية. نتطلع الى أن يقبل التجار ميناباي باعتبارها أحد حلول السداد". وفيما يخص التحويلات الخارجية تركز ميناباي حالياً على منطقة الخليج.
واستكملت السيدة أكينشي حديثها قائلة: " إننا نركز اهتمامنا الآن على بضع صفقات كبيرة وبعد ذلك سندخل بثقلنا الى الهند، وباكستان، وبعض البلدان الأسيوية حيث سنبرم صفقات مع محال لإعادة التعبئة لتكون أماكن بيع التجزئة التابعة لنا"