شركة سعودية تقدّم ما لم يقدّمه أي متجر بقالة إلكتروني آخر
كشفت دراسة أجرتها "ثنك ويذ جوجل" Think with Google عن أن جيل الألفية أكثر اهتماماً بصحته. إن إراد العيش لفترة أطول، فعليه بالتأكيد التمتع بصحة جيدة. وفي ضوء ذلك، أصبحوا مهتمين بتوسيع معرفتهم حول خيارات الأطعمة والوجبات التي يستهلكونها، الأمر الذي يؤثر كذلك على سلوكياتهم في التسوق. وإن بدأت تعكس التجارة الإلكترونية توجهاً متنامياً، فإن شراء الأطعمة الصحية ومواد البقالة عبر الإنترنت بدأ كذلك بالانتشار على صعيد عالمي، ليشمل دول الخليج وبشكل خاص المملكة العربية السعودية. ولكن كيف لدولة تشتهر بارتفاع معدلات السمنة أن تستفيد من هذا التوجه الصحي؟
يتمتْع قطاع توصيل مواد البقالة في المملكة بديناميكية عالية وتشتد فيه المنافسة. وفي عام 2016، قدرت شركة "بيفورت" Payfort قيمة هذا القطاع بما لا يقل عن 115 مليون دولار أميركي.
"تو دوور ستيب" Todoorstep، و"نعناع دايركت" Nana Direct، و"الدانوب" Danube، وقريب Careeb، هي بعض المنصات التي توفر خدمات التسوق الإلكتروني المريح في المملكة. وقد ساهم هذا النضج "النسبي" بدفع الجهات الفاعلة لتصبح أكثر تخصصاً وارتكازاً على الفئات، الأمر الذي أدى إلى إطلاق فرص جديدة في هذا القطاع.
وبحسب الدراسة التي أجرتها شركة "استراتيجي آند" Strategy & تحت عنوان الفرص في قطاع الغذاء في دول الخليج: استراتيجيات للنجاح "Opportunities in the GCC food landscape: Strategies for success"، في ظل ارتفاع الدخل، أصبح المستهلكون أكثر دقة، وبدأوا باستهلاك منتجات صحية أكثر. وكشفت الدراسة عن أن المنتجات الصحية وذات الجودة العالية أصبحت أكثر رواجاً، وتجذب عددًا أكبر من المستهلكين في منطقة الخليج وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية. كما لوحظ زيادة في شراء المنتجات ذات القيمة المضافة، إذ استعيض عن مسحوق الحليب بالحليب الطازج، وحلت العصائر والمشروبات الطبيعية مكان تلك المركزة.
أثرت مثل هذه التوجهات على سوق البقالة، وحفزت ظهور متاجر البقالة الإلكترونية المتخصصة التي تبيع الأطعمة الجاهزة والمنتجات الفاخرة. وبفضل زيادة في معدلات استخدام الأجهزة الذكية (حوالي 140 بالمئة) واستخدام الإنترنت (77 بالمئة)، يبدو أن السوق يضم الكثير من الفرص الواعدة.
"مزمز" السعودية للمنتجات الصحية والطازجة
أطلقت منصة البقالة الإلكترونية السعودية "مزمز" Mezmiz في يناير 2017، حيث أسسها كل من زياد عبدالعال ونيكولاس سافورد، وهما خبيرا استثمار سابقان لدى أرامكو السعودية. وبخلاف المتاجر الإلكترونية الاعتيادية، تختص "مزمز" ببيع المنتجات الصحية والطازجة.
وبما أنهما مقيمان في المنطقة، لاحظا بأنه ما من طريقة ميسرة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج بشكل عام للحصول على منتجات صحية بأسعار جيدة، ذلك إلى جانب ارتفاع معدلات السمنة وأمراض القلب في المنطقة. وقد أظهرت أرقام نشرتها منظمة الصحة العالمية أن حوالي 70 بالمئة من البالغين السعوديين يعانون من زيادة في الوزن، في حين تصل معدلات السمنة إلى 35 بالمئة. وترتبط مؤشرات ارتفاع الوزن هذه إلى جانب الخمول الجسدي الشديد (حوالي 59 بالمئة) بمعدلات الأمراض المزمنة المرتفعة وبشكل خاص السكري، الذي يصل إلى 14 بالمئة في المملكة. كما أن الخمول والخيارات المحدودة للأماكن التي تقدم أطعمة صحية، وقلة الخيارات الصحية في المتاجر الفعلية، وعدم توفر الوقت للتسوق بشكل عام، هي جميعها عوامل مؤثرة. بالإضافة إلى ذلك، أشار عبدالعال إلى أن أسعار هذه الأطعمة بقيت مرتفعة نتيجة عدم تطور سلاسل التوريد. ولمعالجة هذه المشكلة، توفر "مزمز" منتجات صحية بتكلفة معقولة، إلى جانب مواد تثقيفية حول سبل الاستخدام الأمثل، على مدونتها الخاصة.
وتتيح المنصة للمستهلكين إمكانية التسوق والاختيار من ما يزيد عن 75 فئة تتضمن المنتجات العضوية، والنباتية، والخالية من الجلوتين، وغيرها. ويمكنهم طلب ما يحتاجونه على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، ويتم توصيل طلباتهم إلى منازلهم.
وأوضح عبدالعال أن السعوديين أصبحوا أكثر إدراكاً لأهمية الغذاء الجيد، وقال: "نتوقع توسيع نطاق عملياتنا لتشمل المزيد من فئات البقالة بمجرد أن نحصل على حصة أكبر في السوق بما يساهم في تعزيز قاعدة عملائنا."
وعلى الرغم من أنه لم يفصح عن عدد العملاء، إلا أنه كشف عن نمو في حجم الطلبات بنسبة 275 بالمئة من الربع الثالث من عام 2017 وحتى الربع الرابع من العام ذاته. وتستهدف الشركة الناشئة أول ١٠ بالمئة من السعوديين المثقفين الذين يتمتعون وفقاً لعبدالعال بقوة شرائية عالية. وقال: "نهدف إلى استقطاب ١٠٠ ألف عميل ناشط مع حلول عام 2022، ونعتقد أن من السهل تحقيق ذلك نظراً لحجم السكان في أسواقنا."
تلبية احتياجات سوق متنامي
إلى جانب جهوزية السوق، ثمة مجموعة من العوامل التي دفعت المؤسسين إلى إنشاء مشروعهما في المملكة العربية السعودية. وأشار عبدالعال إلى أن السوق المتاحة لعرض خدمات الشركة تتضمن سوق تجزئة البقالة في دول الخليج والتي من المتوقع أن تصل إلى 700 مليار ريال سعودي (186 مليار دولار أميركي) مع حلول عام 2022، بما في ذلك متاجر البيع بالتجزئة التقليدية. أما بالنسبة إلى السوق التي يمكن لـ "مزمز" الاستحواذ عليها، فتتضمن سوق تجزئة المنتجات الصحية في دول الخليج والمتوقع أن تصل إلى 18 مليار دولار أميركي مع حلول عام 2022، وذلك يشمل متاجر التجزئة التقليدية. وقال عبدالعال: "نوفر الخدمات إلى هذه السوق من خلال منصات بيع التجزئة الإلكترونية، كما أننا الأوائل في هذا المجال. وبالنظر إلى التجارة الإلكترونية، تُعد دول الخليج الأسرع تطوراً في العالم. ومن المتوقع أن تشهد التجارة الإلكترونية في المنطقة نمواً هائلاً يصل إلى 44 مليار دولار أميركي مع حلول 2022. وستتصدر المملكة العربية السعودية هذا النمو (معدل نمو سنوي مركب قدره 43 بالمئة)، لتتفوق بذلك على الإمارات العربية المتحدة وتستحوذ على 48 بالمئة من السوق. وعلى مختلف الأصعدة، من المتوقع أن تصبح المملكة العربية السعودية وجهة رئيسية للشركات، وتعد "مزمز" الأولى في مجال بيع المنتجات الصحية عبر الإنترنت".
يتمثّل منافسو الشركة السعودية بمتاجر البقالة التقليدية التي بدأت بالفعلً باغتنام هذه الفرصة، مستفيدة من تواجدها الفعلي لتتوجه نحو التجارة الإلكترونية. وعلق عبدالعال على ذلك قائلا: "أهم ما سيميزنا هو العلاقة التي سنبنيها مع العملاء، إذ نسعى إلى كسب ثقتهم، وضمان تكرار العمل من خلال تزويدهم بمحتوى قيم عبر مدونتنا وقنوات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى الخدمات القيمة الأخرى التي نقدمها."
البحث عن التمويل
في حين لم يكشف عبدالعال عن مصدر التمويل للشركة، إلا أنه دعا مجموعة مختارة من المستثمرين للمشاركة في جولة مقداره 2 مليون دولار أميركي. وسيستخدم التمويل لتأسيس قسم للتسويق وتطوير تطبيق الأجهزة المتنقلة. وأشار: "لم نتلقى تمويلا خارجيًا حتى الآن، لكن الوقت قد حان".
وعندما سئل حول ما إذا حقق المشروع أرباحاً، لم يؤكد أو ينفي بصورة واضحة ولكنه علق قائلاً: "في مجال التجارة الإلكترونية، لا بد من المساومة بين سرعة النمو وتحقيق الأرباح. على المدى المتوسط، تركز مزمز على الاستحواذ على حصة في السوق، وتعزيز نمو المبيعات، والتوسع. وخلال هذه الفترة، سنعمل على ضبط نمونا وإدارة تكاليفنا بأكبر قدر ممكن، وسنسعى إلى توجيه العمل نحو تحقيق الأرباح في الوقت المناسب."
مواجهة التحديات
وعند التطرق إلى التحديات التي تتعرض لها الشركة، قال عبدالعال إنّها مشابهة لتلك التي تواجهها أي شركة سعودية ناشئة، والتي يمكن إيجازها في تأسيس الشركة الناشئة وإجراءات الترخيص الطويلة والبطيئة التي تتضمن الكثير من الإجراءات البيروقراطية، والتي من شأنها أن تكبد الشركات الناشئة نفقات تشغيلية أثناء انتظارها الحصول على الموافقة الحكومية للمضي قدماً. وعلاوة على ذلك، ثمة ندرة في أصحاب بعض الكفاءات المتخصصة، كما من الصعب استقطابهم من الأسواق الخارجية بسبب العقبات المرتبطة بالحصول على التأشيرات. ومن جهة أخرى، تؤدي سلاسل التوريد غير المتطورة والمعتمدة على الموزع في مجال السلع الصحية إلى فرض أسعار مرتفعة تتجاوز سعر التجزئة المقترح من الشركة المصنعة. بالإضافة إلى ذلك، لا تعمل شركات الخدمات اللوجستية في أيام الجمعة، ولا توفر خدمات سلسلة التبريد، كما يتم إبطاء أوقات التوصيل لأن الحكومة تمنع الشاحنات من القيادة على الطرق السريعة في الفترة ما بين 12 منتصف الليل وحتى الساعة 4 فجراً. وتعد ميزة "الدفع عند التسليم" ظاهرة إقليمية تتيح للزبائن رفض استلام الطلب عند وصوله. وعلق عبدالعال حول ذلك قائلاً: "يعود ذلك إلى قلة ثقة المستهلك في الدفع الإلكتروني، وقد يعزى أيضاً إلى عدم امتلاك الجميع بطاقات ائتمانية. ويعد إرجاع هذه الطلبات من أبرز التحديات التي تواجهها الشركة، حيث تضطر إلى شحن طلبات لا يتم قبولها من جانب الزبائن."
بدأت تتغير سلوكيات التسوق، ولا يقتصر دور خدمات البقالة الإلكترونية المتخصصة على توفير السهولة في التسوق فحسب، بل أيضًا الارتقاء بالجودة، موفرة خاصيتين أساسيتين يبحث عنهما المستهلكون في الوقت الحالي.