قمة 'رايز أب' تكشف عن نضج البيئة الريادية وجهوزيتها لاستيعاب رؤوس أموال أكبر
كانت "قمة رايز أب" التي انعقدت في القاهرة منذ بضعة أسابيع "هائلة". فقد استضاف الحرم الجامعي القديم في الجامعة الأميركية بالقاهرة رواد أعمال ومستثمرين وجهات معنية محلية وعالمية سعياً للتواصل الفعّال فيما بينهم، ومناقشة الفجوات والفرص المتاحة. وقد تمكّن الحضور، خلال الاستراحات المنظمّة بين حلقات النقاش وورش العمل المنعقدة في الحرم اليوناني وحديقة الجامعة ومنطقة إدوارد والنافورة وغيرها، من المناطق من قضاء بعض الوقت في التعرّف على مختلف الشركات الناشئة التي تعرض أعمالها على هامش القمة.
وتضمنت القمة التي استمرت لثلاثة أيام ثلاثة مسارات وهي رأس المال والإبداع والتكنولوجيا. كما شهدت القمة أيضاً ورش عمل وفعاليات مختلفة، بما فيها فعاليّة "ميكس أند منتور Mix N’ Mentor"، التي نظمها ومضة والتي انعقدت في اليوم الأول.
تخللت فعاليّة "ميكس أند منتور" أربع جلسات إرشادية، كل منها بقيادة مرشدين أو ثلاثة مرشدين، وتناولت مواضيع حول التحديات التي ناقشها رواد الأعمال. كما تطرّقت هذه الجلسات، وبشكلٍ رئيسي، إلى تحديات جمع الأموال لتطوير الشركة، في الوقت الذي تمثلت إحدى أبرز المشاكل الأساسية في غياب ثقافة اختبار المنتجات الجديدة المطروحة.
من جانبه، نصح الرئيس التنفيذي ومؤسس منصة "ماجنيت MAGNiTT" للتواصل بين الشركات الناشئة، فيليب بهوشي، مؤسس منصة "بليندري Blendery" للتعليم الإلكتروني، بالتوقف عن التفكير بكيفية جمع الأموال ومحاولة إثبات وجود طلب على الخدمة أولاً، فهذا ما يساعد الشركة الناشئة على تعزيز إمكانيات نموّها.
وقال له: "عليك إنشاء دورة تدريبية وهمية في البداية، والسعي لاستقطاب عميل واحد وتحديد مكانتك والبدء ببناء المنصة تدريجياً"، مشيراً إلى أهمية محافظة رواد الأعمال على بساطة الأمور وتصوير الدورات التدريبية الأولى بأنفسهم. وأضاف: "قم بتصوير أحد المعلمين باستخدام هاتفك المحمول إذا تطلب الأمر ذلك".
وكان الافتقار إلى التركيز من المشاكل الأخرى التي تمّ تحديدها خلال الجلسات. وفي هذا السياق، وجّه بهوشي حديثه للحضور مشيراً إلى الأهمية البالغة للتركيز على صناعة واحدة إذ من شأن ذلك تحقيق الكثير من الإيرادات، بدلاً من التركيز على صناعات مختلفة ذات مصادر دخل متعددة. وخلال حديثه مع مؤسس شركة "شيريكو Shareco"، التي تدرج تطبيقات الاقتصاد التشاركي، أكّد بهوشي مرّةً أخرى على أهمية إيجاد مكانة محددة في السوق. وتعليقاً على ذلك، قال: "عليك السعي لإيجاد صناعة واحدة تحظى بالكثير من تطبيقات الاقتصاد التشاركي. وعندما تكتشفها ووتميّز فيها، تنتقل إلى صناعة أخرى".
ينبغي على رواد الأعمال عدم الانتقال إلى مرحلة جمع الأموال إلا بعد اختبار نماذج الأعمال والإيرادات والتحقق من جدواها. ومع ذلك، يعدّ البحث عن المستثمر المناسب أمراً لا بدّ منه ويتطلّب عقد اجتماعات مع العديد منهم قبل اختيار الأنسب من بينهم، لا سيما إن كان ينطوي ذلك على اختيار مستثمر تقني أو صناعي. وبالنسبة لبهوشي، يتعيّن على رواد الأعمال اختيار المستثمر الذي من شأنه مساعدتهم في تحقيق الإيرادات. وبالتالي، يعدّ المستثمر الصناعي هو المستثمر الذي يؤدي أيضاً دور المورّد الذي قد يساعد رواد الأعمال في التمويل والإنتاج. "فإذا كان المستثمر الصناعي يعمل كذلك في توريد منتجات رائد الأعمال، فهو الأنسب في ذلك الحين، لكن ينبغي على رائد الأعمال الانتباه جيداً عند تحديد حصص الأسهم".
ما بعد جولات التمويل الأولى
كانت الأسهم وفهم متطلبات المستثمرين وتقييم الشركات كذلك من أكثر المواضيع البارزة التي تمّت مناقشتها خلال حلقات النقاش التي دارت حول رأس المال.
وقد تطرّقت حلقات النقاش هذه إلى التقييم والطريقة التي يتعيّن على الشركات الناشئة من خلالها تغيير هيكل إدارتها بعد الانتهاء من جولات التمويل الأولى.
فقد يتسبب التقييم العالي للشركة في الوقت الذي لا تزال فيه غير مستعدة لتحقيق هدفها المنشود في إضعاف موقف مؤسّسها، كلّما حاول البحث عن جولات تمويل أخرى.
وتعليقاً على ذلك، قال مؤسس شركة "فلخدمة Filkhedma" الناشئة المعنية بتقديم خدمات الإصلاح المنزلي، عمر رمضان: "إذا حصلت على تقييم عالٍ ولم تتمكّن من تحقيقه، فسيعتبر أدائك ضعيفاً".
وقد اتفق مع ذلك المشاركون في حلقة النقاش التي دارت حول "كيفية الحصول على تقييم أعلى للشركات والأعمال". كما حذروا رواد الأعمال من الإفراط أو التفريط في تقييم شركاتهم الناشئة. ومع ذلك، فإن انخفاض التقييم يجعل من الأصعب على رواد الأعمال إطلاق جولة تمويل أكبر في المستقبل.
وفي الإطار نفسه، علّق كريس نيومان، الشريك في مسرّعة الأعمال العالمية "500 ستارت أبس 500 Startups"، قائلاً: "يسعّر 100% من رواد الأعمال منتجاتهم بقيمة أقل، رغم علمهم بجميع الصعوبات والتحديات. ويرجع السبب في أهمية رفع السعر إلى أنه يخبرنا الكثير عن رائد الأعمال، ومن الصفات المهمة التي يجب أن يتحلى بها رائد الأعمال الرغبة في بذل الكثير من الجهد للحفاظ على استدامة أعماله، والمخاطرة من أجل ذلك ولو تطلّب الأمر خسارة بعض العملاء.
تناولت حلقات النقاش الاستثمارية المراحل التي تمر بها الشركة الناشئة بعد جولات التمويل الثانية والثالثة والرابعة. وهذا ما يشير إلى نضج البيئة الريادية في المنطقة. وقد اتفق المشاركون في حلقات النقاش على أنه يتعيّن على الشركات الناشئة في مراحلها التأسيسية التركيز على اختيار الفريق المناسب لتنفيذ رؤيتها، وحين تمتلك القوة الكافية لتوسيع نطاق أعمالها، عليها إطلاق جولة التمويل الأولى. وفي هذه المرحلة، يجب على رواد الأعمال التركيز على نمو الشركة ونموذج الأعمال وتفويض المزيد من المهام.
وفي هذا الصدد، قال خليل شديد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "ريزيرف آوت Reserveout" الناشئة المعنية بحجوزات المطاعم: "ينبغي توظيف فريق إدارة وسطى والتركيز على منتج واحد، دون السماح لطلبات العملاء والموظفين بتشتيت انتباهكم".
كما أكّد شديد على أن كلّ جولة تمويل تتطلّب مهارات مختلفة، في حين تظل بعض المهارات ثابتة في جميع الجولات. علاوةً على ذلك، فهو يرى أنه عند انتهاء جولة التمويل الأولى، لن يصبح بإمكان رواد الأعمال اختبار نماذج عائدات متعددة. فبمجرد إطلاق هذه الجولة، يجب التركيز على كسب المال وتحقيق الربح.
ومن جهته، قال المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة "ذا لاكشري كلوزيت The Luxury Closet" لتجارة الأزياء ومستلزمات الموضة، كونال كابور: "تتمثل وظيفة الرئيس التنفيذي في تأمين رؤوس الأموال وتطوير ثقافة الشركة واستقطاب الموظفين والعملاء والحفاظ عليهم. وعندما يتم إطلاق جولة تمويل، يتعيّن عليك تأمين ما يكفي من المال لمدّة 18 شهراً قبل إطلاق الجولة الثانية".
منصة لإطلاق الإعلانات
قدّمت قمة "رايز أب" أيضاً منبرًا لاستعراض أبرز الإعلانات والأخبار، وتخلّلها معرضًاللشركات الناشئة ذات الإمكانية الكبرى للنجاح (HIPOs). وضمت فقرات الإعلانات افتتاح شركة "سيدستارز Seedstars" مساحة عمل جماعية للتقنيات المالية في القاهرة في شهر يناير، وإعلان "دار نهضة مصر للنشر Nahdet Misr Publishing Group "عن إطلاق صندوق استثماري جديد معني بالتقنيات التعليمية باسم "إدفنشرز EdVentures"، وإطلاق العيادة القانونية، وهي مكان سيجمع بين رواد الأعمال والمحامين للحصول على المشورة القانونية، هذا بالإضافة إلى الإعلان عن تلقي تطبيق "إلفز Elves" جولة تمويل قيمتها مليوني دولار أميركي.
ومع وجود حوالي 9.5 مليون شخص يعيشون في القاهرة، وزيادة مساحات العمل المشتركة ومراكز تسريع الأعمال وظهور المزيد من قصص النجاح المحلية مثل شركة "إيفينتوس Eventtus"، التي تمكّنت مؤخراً من جمع مليوني دولار أميركي من صندوق الاستثمار المخاطر الجديد في مصر "الجبرا فينتشرز Algebra Ventures"، بات وضع الشركات الناشئة المصرية واعداً إن لم يكن تحولياً. وبفضل ديناميكية البيئة الريادية هذه، لم يعد على القاهرة البحث عن النجاح في أيّ سوق آخر. فهل ستنطلق قصة النجاح الجديدة من مصر؟