هكذا تعمل رائدة أعمال جزائرية على إعادة تدوير البلاستيك
ارتفع معدل البطالة في الجزائر إلى 10.5% ليطال نحو 27% من الذكور و20% من الإناث، وفقاً لأرقام "صندوق النقد الدولي" International Monetary Fund الصادرة في العام 2016.
وبسمة بلبجاوي، 33 عاماً، التي تحمل دبلوم في علم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية وشهادة أخرى في مجال الاتصال والتسويق، واجهت المصير ذاته الذي يواجهه الكثير من الجزائريين، إذ بقيت تبحث عن عملٍ لعامين من دون جدوى. وفي النهاية، قرّرت تأسيس شركة ناشئة يمكن أن تفيد بها بلدها.
استنتجت بسمة من ملاحظاتها اليومية أنّ الكثير من جامعي الخردة (المعروفين باسم "شيفونييه" chiffonniers بالفرنسية) يعملون فعلاً على فرز النفايات وبيع المواد التي يجمعونها للمصانع، بما يشبه الحلقة الاقتصادية. غير أنّ هذه العملية لم تكن منظّمة والسلطات لم تكن تتدخّل فيها أو تنظّمها.
بالأرقام، تنتج الجزائر 16 مليون طن من النفايات سنوياً، وهي تستخدم – مثل الكثير من البلدان الأفريقية – التغليف بواسطة البلاستيك والأكياس البلاستيكية في المتاجر على سبيل المثال. يُستخدم في البلاد 5 ملايين كيس بلاستيكي ولا يعاد تدوير إلاّ 5% من المخلّفات. في المقابل، منعت تونس استعمال أكياس البلاستيك التي تُستخدَم لمرّة واحدة للحدّ من النفايات البلاستيكية.
وجدت بلبجاوي، بناءً على أرقام "الوكالة الوطنية للنفايات" National Agency of Waste، أنّ قيمة سوق تدوير النفايات قد تصل إلى 530 مليون دولار، وهو ما يوفّر فرصة كبيرة في مجال الأعمال إلى جانب الأعمال المتعلقة بالغاز في البلاد. وبالتالي، قرّرت إطلاق الشركة الناشئة "بلاستي سايكل" Plasticycle في العام 2014، لإعادة تدوير البلاستيك في الجزائر.
إطلاق مشروع جديد لإعادة تدوير النفايات
تقول الريادية الجزائرية لـ"ومضة"، إنّ "الجزء الأصعب تمثّل في أنّ هذه الأعمال جديدة كلّياً على الجزائر، وتوجّب عليّ إيجاد مورّدٍ لأدوات إعادة التدوير وكذلك إنشاء سلسلة إنتاج".
ولتمويل المشروع، استخدمت مدّخراتها الخاصة، بالإضافة إلى قرضٍ من "الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب"، لم تشأ الإفصاح عنه. ووفقاً للموقع الإلكتروني للوكالة، تتراوح قيمة مثل هذه القروض بين 5 و110 ملايين دينار جزائري (أي بين 46 ألف و90 ألف دولار).
في مواجهة تحدّيات جديدة
أطلقت شركتها الناشئة والمصنع التابع لها في مدينة قسنطينة في شرق الجزائر، وهي المكان الذي يتواجد فيه قرابة نصف شركات إنتاج البلاستيك في البلاد. وتقول إنّ "هذا كان الأمر بمثابة فرصة لي، لأنّه لم يكن هناك أحد يهتمّ بهذه السوق في ذلك الوقت".
تمثّل التحدي الأول الذي تخطّته في العثور على آلة إعادة التدوير التي استوردتها لاحقاً من الصين. ثمّ راحت تعمل على جمع مخلّفات البلاستيك وغسلها وتجفيفها ثمّ تحويلها إلى حبيبات عبر طحنها في المعمل. وبعد انتهاء العملية، تباع هذه الحبيبات إلى شركات تستخدمها في صناعة المنسوجات أو أدوات التغليف، مقابل مبالغ لم تكشف عنها.
تضمّ الشركة، على الرغم من الصعوبات، خمسة موظفين بدوام كامل، وهي تحقق الأرباح ولا تسعى إلى الحصول على تمويل، بحسب بلبجاوي.
تتعامل الريادية حالياً مع ست شركات بينها "فنادق أكور" Accor Hotels، حيث تشتري نفاياتها وتنظّفها قبل أن تبيعها لها من جديد. وتشتري الكيلوجرام الواحد بسعر يتراوح بين 28 و30 دينار جزائري (0.25 و0.27 دولار)، ثمّ تبيع الكيلوجرام المعاد تدويره بـ100 دينار (0.9 دولار)، حسبما كشفت في مقابلة.
ومع ذلك، غالباً ما يهدد هذه العملية احتكار جامعي الخردة الذين يقتحمون حاويات النفايات ليجمعوا ما يريدون منها ويفرزونها ومن ثمّ يبيعونها لأشخاصٍ مثل بلبجاوي. وتشرح الأخيرة أنّ "هؤلاء هم مَن يفرض الأسعار، ونحن يتوجّب علينا أن ندفع ثمن النفايات. هذه السوق غير مستقرّة وغير منظّمة، ما يعني أنّ الأسعار يمكن أن ترتفع بحسب ما يريد جامعو النفايات". في بعض الأحيان، يمكن أن يكون سعر الشراء من شركات خاصّة أعلى بحيث تصل الأسعار إلى 120 ديناراً (1.09 دولار أميركي) للكيلوجرام الواحد، ما يضع أشخاصاً مثل بلبجاوي تحت رحمة قطاعٍ غير رسمي يمكن أن يشهد تلاعباً في الأسعار.
يمكن أن يعالج مصنع بلبجاوي في اليوم نحو 1.2 طن من النفايات، وينتج حوالي 300 كيلوجرام من حبيبات البلاستيك، إلا أنّها لا تستطيع الوصول إلى هذه الكمية حين لا تستطيع شراء النفايات.
أمّا التحدي الآخر فكان في أنّها بدأت شركتها وحيدة وفي سنّ صغيرة. وتشير إلى أنّها بدأت كلّ هذا "في عمر الـ26 عاماً، ولم يكن أحد في عائلتي يفهم ما الذي أفعله، إذ كان من الصعب عليّ شرحه خصوصاً وأنّه لم يكون موجوداً بعد. لقد شعرت أننّي كبرت 10 أعوامٍ في عام واحد".
غياب التدخل الحكومي
يرى إبراهيم جماسي، وهو أستاذ جامعي درس كيفية استخدام النفايات في فرنسا والجزائر، أنّ المشاكل التي تواجهها بلبجاوي مماثلة لمشاكل الشركات الأخرى في مجال إعادة تدوير النفايات في الجزائر.
على سبيل المثال، في فرنسا، تعمل الشركة الحكومية "إيكو-أمبالاج" Eco-Emballage التي تغطي غالبية تكاليف إعادة التدوير للشركات التي تنتج النفايات على جمع وفرز النفايات ومن ثمّ بيع المنتجات إلى شركات إعادة التدوير.
أما في الجزائر، فيقول جماسي إنّه "لا يوجد إجراء وطني واضح لإعادة تدوير النفايات وذلك رغم توقيع الحكومة على عددٍ من البرامج مثل ’رسكلة وتثمين النفايات‘ ECO JEM". بموجب هذا البرنامج المستوحى من النموذج الفرنسي، كان من المفترض أن تخفض الحكومة الضرائب على الشركات التي تنتج البلاستيك لكي تستطيع تأمين التكاليف الأساسية لعملية إعادة التدوير. غير أن هذا لم يحدث لأنّ الحكومة لم تحدد هذه الضريبة.
ويضيف جماسي أنّ "معظم العاملين في جمع وفرز النفايات في الجزائر يعملون بشكل غير منظّم وغير رسمي، ما يجعل ازدهار شركات إعادة التدوير أمراً صعباً". وكان جماسي في دراسةٍ أعدّها في العام 2008، وجد أنّ عدد العاملين غير الرسميين في جمع النفايات يصل إلى 20 ألفاً.
بناء بيئة حاضنة لريادة الأعمال
التزام بلبجاوي سمح لها بتهدئة شكوكها والحد من عدم استقرارها. فهي بالإضافة إلى تمكّنها من بيع المواد المعاد تدويرها إلى شركات صناعية، استطاعت دعم شركات صغيرة في تبني النهج نفسه، ما مكّن السوق من بناء نفسها فعلاً.
ففي حين تشير إلى أنّ "الجزائر تضمّ نحو 200 شركة تهتم بمعالجة النفايات"، تضيف أنّ "هذا سمح لنا بتشكيل قوة ضاغطة على الحكومة والصناعيين من أجل دفع المزيد من الناس إلى الاهتمام بمسألة النفايات البلاستيكية في الجزائر".
لا ترى بلبجاوي أنّ الشركات الصغيرة تشكل منافساً لها، بل تعتقد أنّها يمكن أن تكون شريكة في بناء بيئة حاضنة. وتريد الريادية الجزائرية في المستقبل القريب أن تحثّ مواطنيها على أن يكونوا أكثر مراعاة للبيئة وعلى دراية بالمشاكل التي تسببها النفايات البلاستيكية. ورغم عدم انتشار ثقافة فرز النفايات في المنازل الجزائرية، تأمل بلبجاوي أن يتحقق هذا الأمر قريباً مع تركيز الحكومة على النفايات.
الصورة الرئيسية من "بلاستي سايكل" Plasticycle.