'دير إنك': حاضنة أعمال اجتماعية يسطع نجمها في المغرب
لفتت دراسة أجراها "المجلس البريطاني" British Council بالتعاون مع "المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية" Moroccan CISE إلى أن عدداً قليلاً من المنظمات وروّاد الأعمال الشباب، هم من يقود ريادة الأعمال الاجتماعية في المغرب. وفي حين يحقق هذا القطاع تقدّماً تدريجيّاً، يواجه في المقابل عوائق متعدّدة، ليس أقلّها نقص الدعم التقني، وندرة التمويل، وعدم وجود إطار عمل قانوني متكامل، وغياب الثقافة المشجّعة لريادة الأعمال.
وبيّنت الدراسة أن برامج تعزيز ريادة الأعمال الاجتماعية التي أطلقتها مؤخّراً حاضنات أعمال وجمعيّات مختلفة في المغرب أدّت إلى تنمية المؤسسات الاجتماعية بشكلٍ كبير وتشجيع إطلاقها رغم كل هذه التحدّيات. غير أن مبادرات الدعم هذه لم تكن متكافئة من حيث توزيعها في أرجاء المملكة.
من هذا المنطلق، أسّس "المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية" في العام 2015 في الرباط حاضنة الأعمال "دير إنك" Dare Inc للشركات الناشئة الاجتماعية. فقد أراد هذا المركز الذي يعدّ من أوائل الداعمين لريادة الأعمال الاجتماعية في المغرب تأسيس شركة تستطيع إيجاد الحلول المناسبة لدعم المؤسسات الاجتماعية الموزّعة في أنحاء البلاد. واستفادت "دير إنك" منذ تأسيسها من الدعم المالي الذي قدّمته لها "مؤسسة دروسوس" Drosos Foundation.
تقدّم "دير إنك" برنامج دعم طيلة عام كامل تهدف من خلاله إلى تشجيع إطلاق عدد كبير من الشركات الناشئة الاجتماعية القويّة في السوق المغربية تكون قادرة على جذب الاستثمارات المحلية والخارجية، وتسهم بالتالي في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
ويشرح أحمد سباطة الذي يرأس "دير إنك" ويديرها أن مرحلة الاختيار الأولى تتم وفق معايير معيّنة، قائلاً: "ينبغي أن تضمن الشركة الناشئة دخلاً ثابتاً يكفل استدامتها واستقلاليتها أثناء تقديمها حلّاً فعّالاً للمشكلة الاجتماعية التي تستهدفها".
خبرة أقوى
تلقّى برنامج الاحتضان منذ إطلاقه 300 طلب انضمام وقدّم الدعم لـ80 مشروعاً، واحتضن 43 شركةً ناشئة.
واختارت "دير إنك" مؤخراً 12 شركةً ناشئةً اجتماعيةً ضمن دفعتها الخامسة، وسوف ينقسم برنامج احتضانها إلى جزأين على مدار سنة واحدة: الأشهر الستة الأولى لبرنامج التسريع ستحوّل هذه الشركات من مجرّد أفكار تعكس حاجات اجتماعية إلى شركات فعليّة تقدّم خدمات اجتماعية فعلية. أما الأشهر الستة المتبقية، فستتلقى خلالها الشركات الناشئة الإرشاد والتدريب على يد خبراء ومحترفين.
كما يقدّم البرنامج لمؤسسي الشركات اليافعين خدمات احتضان أساسية مثل مساحات العمل المشتركة، والاتصال بشبكة الإنترنت، وأدوات وخدمات مكتبية، إضافةً إلى جلسات تدريب وتوجيه وإرشاد. وينتهي البرنامج بتقديم تمويل تأسيسي لكل شركة ناشئة بقيمة 30 ألف درهم مغربي (أي ما يعادل 3000 دولار أميركي).
تدريب روّاد الأعمال الطلاب
تصل نسبة روّاد الأعمال في سن السادسة والعشرين وما دونه في حاضنة "دير إنك" إلى %73 ولا يزال العدد الأكبر من هؤلاء يكملون دراساتهم الجامعية. وفي حين تعكس هذه الأرقام فرصاً واعدة بالنسبة للبيئة الريادية في المغرب إلا أنها تضع حاضنة الأعمال أمام بعض الصعوبات. "تكمن الصعوبة الأولى في وضع الجدول الزمني للنشاطات التي يجب أن تنحصر في فترة المساء وخلال عطلة نهاية الأسبوع. كما أن %60 من روّاد الأعمال المحتضنين تقريباً لا يعيشون في الرباط ولا يستطيعون بالتالي الاستفادة بالكامل من مساحات العمل التي توفّرها لهم الحاضنة"، بحسب مروان فشان مسؤول البرامج في "المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية".
وفي هذه الحالات، تتولّى "دير إنك" تكاليف النقل والسكن تسهيلاً لعملية انتقال الأشخاص التوّاقين إلى ريادة الأعمال للسكن في الرباط، "ممّا يخفّف على الأقل من العبء المالي"، بحسب فشان.
يوسف شكرون هو طالب هندسة وهو شريك مؤسس في شركة "شمس فور لايتنغ" Shems for Lighting وأحد روّاد الأعمال الشباب الذين استفادوا من برنامج الاحتضان. وتهدف شركته الناشئة إلى تزويد المناطق التي لا تصل إليها خدمة الكهرباء بلمبات تعمل بالطاقة الشمسية.
ويقول شكرون: "ساعدنا برنامج ’دير إنك‘ على تحسين أدائنا في العمل بشكلٍ كبير. فبعد أن كنّا نهدر الأموال والوقت على حملات تسويق غير مجدية، ونقدّر تكلفة لمبات الإنارة بشكلٍ خاطئ، تمكنّا في النهاية وبفضل البرامج التدريبية التي خضعنا لها، من معالجة أخطائنا".
كما استفادت هذه الشركة من التمويل التأسيسي الذي حصدته من البرنامج، للاستثمار في شراء المنتجات الإلكترونية الحديثة والمستوردة من شنجن في الصين.
ويؤكّد شكرون أن "دير إنك" ساعدته إلى حدٍّ بعيد في التوفيق بين دراسته الجامعية والمشاركة في تأسيس شركة، قائلاً: "أقدّر بشكلٍ خاص حذاقة فريق العمل في تنظيم جلسات ومخيّمات التدريب، بحيث كانت وتيرتها تخفّ قبل فترات الامتحانات وخلالها، فيما تعاود نشاطها بعد انتهائها، ممّا كان يضمن المحافظة على تركيزنا وحماستنا في كافة الأوقات".
ويرى فشان أن نقطة القوة الأساسية في البرنامج هي "تلبية احتياجات روّاد الأعمال من خلال تأمين فرص وافرة لبناء علاقات مع رابطة ’المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية‘". وتضمّ هذه الرابطة 80 منظمة شريكة محلية ودولية نذكر من بينها "أنريزنوبل إنستتيوت" Unreasonable Institute، و"أشوكا" Ashoka، و"إناكتس" Enactus، و"المجلس البريطاني" و38 مدرّباً مرشداً، وفريق عمل يتألف من 70 فرداً.
ويشير سباطة إلى أنه "تم حتى اليوم تأسيس 20 شركة محدودة المسؤولية بشكل قانوني، وتزويد 11 شركة ناشئة بتمويل تأسيسي، وجمع مليون درهم مغربي (ما يعادل 100 ألف دولار أميركي)، وتمكّنت 24 شركة من بيع منتجاتها، واستحدثت 74 وظيفة (من غير وظائف مؤسسي الأعمال أنفسهم)".
وتعدّ هذه الشركات الناشئة الاجتماعية ناشطة في الأسواق والمجالات المتنوّعة التي تعمل بها مثل الطاقة وإعادة التدوير والزراعة، ومن بينها "إيكو-هيت" Eco-Heat، و"شمس فور لايتنغ" Shems for Lighting، و"سيسكن" Seaskin التي تقدّم منتجات مصنوعة من جلد السمك، و"أمندي فودز" Amendy Foods التي تنتج الكينوا في المغرب.
صعوبات بيع المنتجات
تسعى "دير إنك" إلى تسهيل انخراط الشركات التي تحتضنها في الأسواق بحيث أن تحقيق المبيعات والوصول إلى المستهلكين هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لكافة روّاد الأعمال. لذلك، أطلقت في شهر حزيران/يونيو الفائت منصّة البيع المسبق الأولى في المغرب "ولوج" Wuluj بالشراكة مع وكالة التمويل الجماعي "هابي سمالا" Happy Smala. فمن خلال صفقات البيع المسبق، يتمكّن روّاد الأعمال من جمع الأموال التي يحتاجونها لتمويل الإنتاج والعمليّات، فضلاً عن الوصول إلى قاعدة استهلاكية جديدة.
وتطمح "دير إنك" في رؤيتها للعام 2020 إلى تقديم الدعم لـ70 شركة إضافية، والحرص في الوقت عينه على ضمان استدامة الشركات الحالية وتوسّعها. كما تتطلّع إلى استحداث ما يتعدّى 200 وظيفة مباشرة جديدة، وإلى توسيع نطاق عمليّاتها إلى خارج الرباط بحيث تتمكّن من تقديم الإرشاد إلى عدد أكبر من روّاد الأعمال في سائر مدن المملكة.
الصورة الأساسية من "دير إنك".