لغة ريادة الأعمال في العالم العربي: الإنجليزية أم العربية؟
يرى البعض أنّ اللغة العربية هي لغتنا الأمّ وبالتالي يجب أن تكون لسان ريادة الأعمال في المنطقة، غير أنّ آخرين يصرّون أنّه على الروّاد بذل جهدٍ أكبر في تعلّم اللغة الإنجليزية كونها لغة ريادة الأعمال العالمية.
أصبحت مسابقات عرض الأفكار مرحلةً أساسية في حياة الشركة الناشئة، إذ تعتبر بوابة للحصول على تمويل أو الفوز ببطاقة للمشاركة في برنامج احتضان أو تسريع أعمال. ولكن في حين تُنظّم معظم الفعاليات والعروض باللغة الإنجليزية، يصبح عدم إتقان هذه اللغة عائقاً أمام بعض روّاد الأعمال العرب.
مسابقات عروض الأفكار محطّة أولى
في مسابقة "جسور" Jusoor لريادة الأعمال التي انعقدت في شهر نيسان/أبريل الماضي في بيروت، عرض 12 فريقاً أفكارهم بالعربية إلّا واحداً عرض باللغة الإنجليزية. وهذا لم يكن بالأمر المفاجئ، فكثير من الشباب العرب، وخصوصاً في بلدان مثل سوريا ومصر، غالباً ما يجدون صعوبةً في تحدّث الإنجليزية.
لا تنحصر هذه المسألة بمنطقتنا، بل هي مطروحة حتى في أوروبا والعالم، بحسب مدرّبة الإلقاء الألمانية بيانكا بريتوريوس. "فالكثير من المؤتمرات تجري باللغات المحلّية، ولكنّ اللغة الإنجليزية باتت اللغة العالمية لريادة الأعمال كما أنّ الكثير من الروّاد يريدون تعلّمها على اعتبار أنّها جسرهم إلى العالمية".
تحدّثت لين ضاهر في مسابقة "جسور" الأخيرة عن تطبيقها "طبيب آب" Tabeeb app، الذي يربط بين الأطباء والمرضى، باللغة العربية رغم أنّها ملمّة بالإنجليزية. وتفسّر ذلك بأنّ "العربية هي اللغة الأمّ، كما أنّها اللغة الأساسية للتعليم، وبالتالي فهي أسهل للتعبير. وعند الشرح وعرض الأفكار، يمكن استخدام المصطلحات العلمية والكلمات الرئيسية باللغة الإنجليزية".
ترى بريتوريوس أنّ لا مشكلة في هذا الأمر، إذ تشير إلى أنّه من الطبيعي أن يشعر المرء براحةٍ أكبر أثناء التحدّث بلغته الأمّ.
ويعتبر ليث زريقات، مدير الاستثمارات في شركة الاستثمار المخاطر "أرزان فينتشر كابيتال" Arzan VC، أنّ عروض الأفكار باللغة العربية "مهمّة للشركات الناشئة في المراحل الأولى، لأنّها تساعد الفريق في الحصول على ردود الفعل والتعليقات، وتزوّده بالخبرات الأساسية، إضافة إلى أنّها تعلّمه كيفية عرض الأفكار بشكلٍ عام".
ويضيف في حديثه مع "ومضة"، أنّه كمستثمر مستعدّ للاستثمار في فريق مع فكرةٍ جيّدة حتى لو كان لا يتحدّث أعضاؤه الإنجليزية بطلاقة، غير أنّه ينصح الروّاد ببذل جهد وتعلّم اللغة الإنجليزية.
ليس الجميع قادرًا على ذلك
وسام طويلة هو الوحيد الذي تحدّث بالإنجليزية في "جسور"، شارحاً فكرة تطبيقه الذي أطلقه في ألمانيا والمخصّص لترجمة المعلومات عن مكوّنات المنتجات الغذائية إلى العربية.
يقول الريادي السوري بنبرةٍ حادّة لـ"ومضة"، إنّ "المصطلحات العربية صعبة ومتخلّفة في التعبير عن التكنولوجيا، أمّا الإنجليزية فهي أسلَس وتمكّنك من إيصال الفكرة إلى جمهور كبير". كما يصرّ على أنّ "عرض الأفكار يجب أن يكون بالإنجليزية حتى لو كان المنتَج يستهدف عملاء عرب".
تبدو هذه النظرة أقرب إلى ما يريده المستثمرون، فزريقات يرى أنّ الاستثمار المخاطر قطاعٌ جديد على المنطقة وهو يستخدم اللغة الإنجليزية بالدرجة الأولى، كما أنّه مليء بأشخاص أجانب". ويضيف أنّه "في مراحل متقدّمة، تصبح الشركات الناشئة بحاجة إلى استثمار مخاطر، لذلك لا بدّ لرائد الأعمال تعلّم اللغة الإنجليزية لكي يحسن التواصل مع المستثمرين".
اللغة الإنجليزية مهمّة للشركات التي تريد التوسّع عالمياً ولكن لا يعني هذا أنّه على الجميع تعلّم الإنجليزية قبل الشروع بإطلاق أيّ فكرة أو ابتكار، بحسب أحمد سفيان بيرم، مدير "جسور"، والمدير المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في مسرّعة الأعمال العالمية "تك ستارز" Techstars.
وكما يقول لـ"ومضة"، يمكن للفعاليات أن تستخدم لغة السوق المستهدفة، وأن تكون محطّةً لتعليم روّاد الأعمال المصطلحات بالإنجليزية".
حلول عملية ولكنّ لا مفرّ من الإنجليزية
سواء عرَضَ رائد الأعمال فكرته بالعربية أو بالإنجليزية، لا يختلف اثنان على أنّه يجب أن يكون متمكّناً من عرضه، يُتقنه، ويعرف كيف يجيب عن الأسئلة من دون تلكّؤ.
لا يعني هذا أنّه عليك أن ترتجل، بحسب بريتوريوس، بل عليك أن تحضّر العرض وتتدرّب على الإلقاء، ومدّة العرض يجب أن تكون نفسها مهما كانت اللغة التي تتحدّث فيها.
وإذا كان هناك حاجة أو ضرورة لتعلّم لغة جديدة من أجل عرض الأفكار، ترى المدرّبة الألمانية أنّ الإلقاء يجب أن يكون جيداً، وهذا ممكنٌ لأنّ إتقان تقنيات الإلقاء باللغة الأم يسهّل الإلقاء بلغةٍ مكتسبة.
أمّا بالنسبة للرياديين الذين يمتلكون أفكاراً وشركات مبتكرة لكنّهم يواجهون مشكلةً في التحدّث بالإنجليزية، ينصح زريقات بالتوجّه نحو شركات استثمار عربية أو لديها أشخاص يتحدّثون اللغة العربية في مراكز القرار.
وإذا تعذّر ذلك، تقترح بريتوريوس أن يعرض هؤلاء مشاريعهم باللغة العربية ويرفقوها بصور توضيحية تحمل كلماتٍ إنجليزية. وتقول أيضاً إنّه يمكن الاستعانة بشخصٍ من الفريق أو صديقٍ للإجابة على الأسئلة باللغة الأجنبية.
ومَن يعرف الإنجليزية قليلاً ولكنّه يخاف التلعثم، تنصحه المدرّبة بالتحدّث بلغته الأمّ مع استخدام المصطلحات التقنية والعلمية بالإنجليزية، أو تحضير نصٍّ بالإنجليزية لمخاطبة المستثمرين ومن ثمّ الإجابة على الأسئلة باللغة العربية.
في نهاية المطاف، لا ترى بريتوريوس مفرّاً من تعلّم الإنجليزية إذا ما أراد رائد الأعمال أن يقدّم شركته إلى العالم والحصول على ما يحتاجه من استثمار، لأنّ المستثمرين "لن يستثمروا فيك إذا لم يفهموا ما الذي تقدّمه ومن ثمّ وثقوا بك".
يوافق زريقات كمستثمرٍ على هذا الأمر، لافتاً إلى أنّ الاستثمار لا يرتبط بعرض الأفكار فقط، بل بالشخص صاحب الفكرة أيضاً. ويشرح أنّه "في إحدى المرّات أردنا الاستثمار في شركة واعدة، ولكنّنا لم نتوصّل إلى اتّفاق على الأرجح لأنّ مَن تحدّث معنا كان المترجم وليس المؤسّس. لذلك أنصح روّاد الأعمال بتعلّم اللغة الإنجليزية واعتبار الأمر كأيّ استثمار في الشركة الناشئة".
فرص للمستثمرين أيضاً
صحيحٌ أنّ اللغة الإنجليزية مفضّلة لدى المستثمرين عند عرض الأفكار، ولكن هذا لا ينطبق بالضرورة على المنتَجات التي تقدّمها الشركات الناشئة.
هناك شركات إقليمية نجحت وتوسّعت في أسواقها، لأنّ منتَجاتها تتحدّث اللغة المحلّية وتتأقلم مع سوقها خصوصاً في بلدان كمصر والسعودية، مثل "طلبات" Talabat في الكويت، و"حراج" Haraj في السعودية، "كريم" Careem في الإمارات. وبحلول العام 2018، يُتوقّع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية إلى 226 مليون مستخدم تقريباً، ما يوفّر لروّاد الأعمال فرصاً هائلة لإطلاق مشاريع مرتبطة بالمحتوى العربي.
يرى البعض أن العربية يجب أن تكون لسان ريادة الأعمال في المنطقة، فيما يصر آخرون على ضرورة تعلم الإنجليزية. ما رأيك؟ https://t.co/RA2TfNXgae
— Wamda ومضة (@WamdaME) ١١ يوليو، ٢٠١٧
يشرح زريقات أنّ "بعض أفضل الشركات الناجحة في المنطقة هي تلك التي تركّز على توطين المنتَج وإضفاء طابع محلّي عليه localization، وقد بتنا نشهد ذلك في بلدان مثل الكويت حيث تنجح الشركة محلّياً، ثمّ تنمو، وبعد ذلك تتوسّع في الخارج".
لذلك، يعتقد أنّ المستثمرين المخاطرين يجب أن يكون لديهم أشخاص يتحدّثون العربية وملمّون بهذا النوع من الاستثمار لكي يفهموا الشركات الناشئة، وأيضاً يجب ألّا يرفضوا العروض العربية لأن السوقين المصرية والسعودية - حيث يفضّل الناس التحدّث والتواصل باللغة العربية - هما أكبر سوقين في المنطقة.
كلّما نمَت ريادة الأعمال في المنطقة العربية، يبرز الفارق أكثر بين اللغة العربية ونظيرتها الإنجليزية في مجال الأعمال. قد يكون من الضروري تعلّم اللغة الإنجليزية، ولكن في حين "يواجه رواد الأعمال الشباب في المنطقة العربية عوائق عدة، نحن بغنى عن عائقٍ إضافيّ هو عائق اللغة خصوصاً في المراحل الأولى"، يختم بيرم.
الصورة الرئيسية من "ومضة".