القطاع الرقمي في لبنان: صراع تعميمات البنك المركزي
هذه المقالة هي تكملة لمقالة "تعميم مصرف لبنان 331: ولادة قطاع" التي نشرت الثلاثاء.
في 22 شباط/فبراير من هذا العام، نشر مصرف لبنان التعميم الوسيط رقم 452 ليضع قيوداً على كيفية استثمار الشركات الناشئة للأموال التي تلقتها بموجب التعميم 331، حيث نصّ على وجوب إتمام أي استثمار في لبنان، مباشراً كان أم غير مباشر. وجاء ذلك بعد انتشار شائعاتٍ عن استثمارات مضللة قام بها بعض المستفيدين من التعميم 331.
بين الإنفاق والاستثمار
فشل التعديل في التفريق بين الإنفاق والاستثمار، ويعني هذا أنّ الشركة الناشئة على سبيل المثال لا يمكنها إنفاق المال على "إعلانات جوجل" Google Ads لأنّ النفقات ستذهب إلى شركة غير لبنانية وخارج لبنان. ويشرح نزار الهاشم، مؤسس "آزور فاند" Azuer Fund، أنّ "التعديل جيد إلى حد ما، ولكن ليس من المنطقي أن تكون ملزماً باستثمار 100% من المبلغ في لبنان".
حاول مصرف لبنان عبر هذا التعديل أن يتأكّد من احترام روح التعميم 331 التي تقوم على توفير المزيد من الوظائف في اقتصاد المعرفة اللبناني. وقال ممثلو شركات الاستثمار المخاطر التي قابلناها، "بيريتك" Berytech و"شركاء المبادرات في الشرق الأوسط" MEVP، و"ليب فينتشرز" LEAP Ventures و"آزور فاند" Azure Fund و"بي أند واي" B&Y، أنّهم قابلوا مسؤولي مصرف لبنان وتحدثوا إليهم بشأن التعديل. وبعد ذلك نقلوا عنهم أنّ النفقات خارج البلاد مسموح بها طالما أنها تحترم روح التعميم 331، وهي تعزيز فرص العمل في اقتصاد المعرفة اللبناني.
إذنٌ من مصرف لبنان؟
يضع هذا الموقف الشركات الناشئة وصناديق التمويل في وضعٍ تحتاج فيه إلى طلب إذن من مصرف لبنان قبل إنفاق أيّ شيء في الخارج.
يقول سيريل حاجي ـ توماس، الشريك المؤسّس والرئيس التنفيذي لشركة "بوكويتي" Bookwitty، إنّ "الاضطرار إلى سؤال مصرف لبنان عن كلّ استثمار ليس مريحاً، فهذا يجعلنا نبدو كما لو أنّنا ما زلنا مراهقين ونحتاج إلى طلب الإذن من أهلنا. نحن بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الوضوح والشفافية من جميع الأطراف".
في بداية الأمر، كان مصرف لبنان يمارس رقابة محدودة على الإنفاق في إطار التعميم 331. ويشرح الهاشم أنّ "المبادئ التوجيهية كانت تفيد بضرورة إنفاق الأموال في لبنان ضمن اقتصاد المعرفة، وإعداد تقارير أساسية جداً".
بالإضافة إلى ذلك، لم تكن التنظيمات الجديدة التي تحدد مسؤوليات الشركات الناشئة سهلة التطبيق دائماً.
يشير هيرفيه كوفيلييه، الشريك في "ليب فينتشرز"، إلى أنّ "مصرف لبنان استخدم طلبات التمويل من صناديق الاستثمار لطلب المزيد من المعلومات من الشركات الناشئة"، وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على عملية ضخّ رؤوس الأموال لأنه يطيلها ويتسبّب في تأخيرها. ويتابع كوفيلييه أنّه "ضمن هذه الدورة، ستتطلّب الموافقة على الأموال فترة أطول، وفترة شهرين إلى خمسة أشهر هي فترة طويلة على الشركة الناشئة إذ يمكن أن تغلق خلالها".
مراجعة التعديل حصلت ولكن...
الضجة المثارة حول الموضوع والضغط الكبير الذي مارسه القطاع أدّيا إلى تعليق التعديل رقم 452 في 17 آذار/مارس، والاستعاضة عنه بالتعديل رقم 454.
يسمح هذا الأخير للشركات الناشئة بشراء الخدمات والمعدات من الخارج في حال لم تكن متوفرة في لبنان، كما يسمح لمصرف لبنان أن يقدّم استثناءاتٍ لكلّ حالةٍ على حدة.
ومع هذا، فإنّ التعديل الجديد يبقي الشركات الناشئة تحت رحمة مصرف لبنان.
ويقول فادي بزري من "بي أند واي فينتشرز" B&Y Ventures، إنّه "أفضل من التعديل السابق لكنه لا يزال غامضاً جداً". وممثلو الصناديق مازالوا مضطرّين إلى زيارة مصرف لبنان بانتظام للتأكد من اتباعهم للمبادئ التوجيهية.
الشركات الناشئة اللبنانية في الخارج
في كلا التعديلين، بقيت حالة الشركات الناشئة التي أسّسها مواطنون لبنانيون في الخارج غير واضحة. هذه المشاريع تعمل بالفعل ولن تنتقل إلى لبنان، لكنها قد تكون مهتمة بفتح مكاتب في بيروت وتوظيف مهندسين ومصممين لبنانيين، والقيام بغيرها من الأمور.
هل تقع هذه الشركات الناشئة تحت قاعدة التعميم 331؟ في الوقت الحالي، لكلّ صندوق إجابة مختلفة، كما أنّ مصرف لبنان يتخذ قراره بشأن كل حالة على حدة.
لسوء الحظ، التعديل رقم 452 كان له تأثير غامض إلى حد ما: فقد أظهر عدم ثقةٍ في الشركات الناشئة، ولا أحد يعرف ما سيحدث بعد ذلك. كان التعميم رقم 331 من بنات أفكار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، غير أنّ ولايته تنتهي هذا الشهر وإعادة تعيينه غير مضمونة؛ وحتى ذلك الحين، لا يمتلك القطاع إلا حبس أنفاسه بانتظار ما سيحدث.
إشارة من المحرر: نشر النص الأصلي قبل التجديد لحاكم مصرف لبنان ست سنوات.