رياديات سعوديات يسعَين إلى تطوير التعليم والمدارس
تزامناً مع سعي المملكة العربية السعودية إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، يبرز التعليم كأمرٍ أساسيٍّ لتنشئة جيلٍ يمتلك المهارات اللازمة لتنفيذ هذه الخطط.
في هذا الإطار و"للارتقاء بمستوى التعليم"، تهدف شركة "إمكان التعليمية"Emkan Education إلى تقديم خدماتٍ تعليمية مختلفة، من "الاستشارات والتخطيط إلى تطوير المدارس والمحتوى التعليمي وصولاً إلى خدمات التدريب والتطوير المهني".
كذلك توفّر تطبيقاً باسم "مدارسنا" Madarisna للبحث عن المدارس وتقييمها، وسوقاً إلكترونية تُسمّى "أعناب" Aanaab تمكّن الأساتذة من عرض أدواتهم التعليمية الرقمية وبيعها لمدرّسين آخرين.
صداقة متينة فعمل مشترك
في أوائل العام 2014، انطلقت شركة "إمكان" على أيدي ثلاث صديقاتٍ سعوديات يعملنَ في القطاع التعليمي، هنّ منيرة جمجوم، الرئيسة التنفيذية؛ وبسمة بشناق، مديرة قسم التدريب والتأهيل؛ وسارة زيني، مديرة قسم تطوير المناهج والتأهيل.
لم تكن الصداقة القديمة التي ترسّخت منذ دراسة البكالوريوس وحدها ما جمع الشريكات المؤسِّسات الثلاث. فالعمل في قطاع التعليم والمشاريع التطويرية والأبحاث ساعدهنّ على تجميع خبراتٍ تعليمية وتشكيل نظرة مختلفة عن القطاع.
"في ذلك الوقت أردنا افتتاح مدرسةٍ فوجدنا الأمر صعباً ومعقّداً"، تقول بوشناق، "لذلك قرّرنا إنشاء خدماتٍ لتطوير المدارس الموجودة كون هذا الأمر يمكّننا من تعميم عملية التطوير وتوسيع أعمالنا بشكلٍ أكبر نظراً إلى أنّ المدارس منتشرة بالفعل".
أنجزَت "إمكان" أوّل مشروعٍ لها في آذار/مارس 2014 مع مدرسةٍ في جدّة، و"كان ذلك مقابل مبلغٍ صغيرٍ جدّاً، كما أنّ المدرسة لم تكن واثقةً كثيراً ممّا نفعله في البداية حتّى انتهينا من التنفيذ وعُدنا لتطبيق الخطط وتقييم الوضع بعد التنفيذ"، كما تشرح الشريكة المؤسِّسة.
بعد انتهاء العام الأول، أنجزَت "إمكان" ثلاثة مشاريع مختلفة لثلاث مدارس. وتشرح بشناق أنّه "لم يكن لدينا رؤية واضحة ولا حتّى موظّفين كفاية، ما دفعنا للاستعانة بأشخاصٍ بدوام حرّ".
ولكن في نهاية العام 2014، "بتنا نعرف توجّهات واحتياجات السوق، فوضعنا خطّةً واضحة، وقرّرنا إطلاق منصّة ’مدارسنا‘، كما أبرمنا شراكاتٍ مع جهات مناسبة، مثل شراكتنا مع شركةٍ لتطوير التطبيقات"، كما تقول بشناق لافتةً إلى أنّ الفريق الآن "توسّع ليصبح 12 شخصاً بين جدة وثم دبي وثم الرياض".
وبعدما بدأت المدارس تعرف بالشركة وعملها، تذكر بشناق أنّ "إمكان" غيرّت استراتيجية التسويق وباتت "تستهدف المدارس مباشرة لأنّها بحاجة إلى التطوير بعد غياب المشاريع الحكومية".
يتركّز عمل الشركة ومشاريعها الكبيرة حالياً مع مدارس في جدة (حيث مقرّها الرئيسيّ) والرياض، قبل أن تفتتح أخيراً فرعاً في دبي. وتردف بشناق أنّ هناك "طلبات تصلنا من مناطق أخرى، وحالياً لدينا مشروعٌ في جيزان كما عملنا سابقاً على مشروع في تبوك".
لا مفرّ من الرقمنة
طوّرت "إمكان" في الوقت نفسه، تطبيق "مدارسنا" لتمكين الأهالي من البحث عن المدرسة المناسبة بحسب المنهج والمنطقة، وإضافة التعليقات والتقييمات المحدّدة التي تتناول إدارة المدرسة وجودة التعليم والأنشطة اللامنهجية والمباني ومستوى إشراك الأهل والتواصل معهم.
وبحسب بشناق، فإنّ عمليات البحث والتقييم هذه لا تساعد الأهالي وحسب، بل أيضاً تمكّن إدارة المدرسة من العمل على رفع أدائها وتحسين جودة التعليم.
أطلقت "إمكان" قبل شهرين سوقاً إلكترونية باسم "أعناب"، حيث يمكن لأيّ مدرّسٍ أن يعرض أدواته التعليمية للبيع لكي يستفيد منها الآخرون. "سجّلنا هذه المنصّة في دبي لما يوجد هناك من سهولة في عملية التسجيل وكذلك لوجود حقوق ملكيةٍ فكرية لتكنولوجيا التعليم"، كما تشرح بشناق.
قنوات عدّة لتحقيق الأرباح
تحقّق "إمكان" عوائدها من مسارَين هما العمل على المشاريع الكبيرة والاستراتيجيات، والعمل على مشاريع صغيرة، مع المدارس مثلاً. لا يوفّر المسار الأخير مبالغ كبيرة ولكنّه يساهم في تدفّق السيولة.
تضمّ محفظة أعمال "إمكان" نحو 30 مدرسةً أهلية (خاصّة) ذات مناهج مختلفة (محلية، أميركية، بريطانية)، حصلت على خدماتٍ مختلفة من تدريب وبيانات. وتتوزّع قاعدة العملاء بين شركات ومؤسّسات حكومية وخاصّة وشبه حكومية، وصولاً إلى المدارس والأهالي والطلاب.
ساعدَت المشاريع مع المدارس، الشركةَ على البدء بتحقيق الأرباح في عامها الأوّل، كونها كانت مشاريع كبيرة مثل مشروع مع "هيئة تقويم التعليم العام" لتأهيل المدرّسين سيبدأ في عام 2017. وتشرح بشناق أنّ "عملنا مع الحكومة لم يكن بطلبٍ منها مباشرة، بل كانت شركتنا تعمل ضمن مشاريع متعلّقة بالتعليم والتدريب تشارك فيها جهاتٌ رسمية".
من جهةٍ ثانية، يضمّ تطبيق "مدارسنا" 2500 مستخدِمٍ، ما يسهّل عملية إنتاج البيانات التي يمكن استخدامها في إجراء الدراسات.
التطبيق مجّاني لكلٍّ من المدارس والمستخدِمين، ولكنّ الشركة صمّمَت نموذجاً مدفوعاً يمكّن المدرسة من التحكّم بحسابها مثل إرسال إشعاراتٍ للطلّاب وأهاليهم.
تريد "إمكان" أن تستفيد من هذه البيانات لتحقيق الأرباح، خصوصاً وأنّها لا تتوفّر بسهولةٍ في السعودية. وتشير الشريكة المؤسِّسة إلى أنّ "ذلك ساعدنا فعلاً في تقديم خدماتٍ استشارية وإعداد تقارير بيانية لتستفيد منها شركات الاستشارات، وقد حقّقنا فعلاً أول دخلٍ لنا من بيع البيانات لشركة دراسات".
لا ينتهي التواصل مع العملاء بعد انتهاء العمل، إذ يتابع الفريق نتائج عمله ويبعث رسائل ونشرات بريدية ليخبر العملاء عن المشاريع الجديدة، وهذا "ساهم في عودة الكثير منهم للعمل مع الشركة"، بحسب مديرة قسم التأهيل والتدريب.
التحدّيات وأهمّية الشراكات
قد تتشابه بعض التحدّيات التي تواجه الشركات الناشئة، ولكن في حالة "إمكان" قد يزداد الأمر صعوبةً كونها شركة تُعنى بالتعليم وجميع مؤسِّساتها من الإناث.
شكّل وصول "إمكان" إلى المدارس عائقاً، لأنّه "من الصعب أن تقبلك المدارس عندما تقدّم نفسك على أنك شركة، لأنّها تظن أنك تريد المال وحسب"، وفقاً لبشناق التي تؤكّد أنّ شركتها استطاعَت تخطّي هذا العائق من خلال الشراكات.
كذلك لم تحصل "إمكان" على أيّ استثمارٍ خارجيّ حتى الآن، فهي تعتمد على التمويل الذاتي فحسب. غير أنّ صعوبة الحصول على استثمار خارجي حتّمَت على المؤسّسات اتّخاذ قراراتٍ رشيدة مثل الحدّ من النفقات ودراس القرارات جيداً قبل اتخاذها.
من جهةٍ ثانية، تشير بشناق إلى أنّ الأمور في السعودية تحسّنت خلال السنوات الخمس الماضية، "ولكن إجراء المعاملات عبر الإنترنت ما زال محدوداً، والدوائر الحكومية التي تسمح للمرأة بإنجاز معاملاتها بنفسها قليلة". كما تضيف أنّه لا يوجد صندوق مخصّص للمشاريع التعليمية.
في الختام، يبدو أنّ النظرة إلى التعليم هي الأساس خصوصاً إذا ما تعلّق الأمر بالعملية التعليمية ككلّ. فبحسب بشناق، "لا يَنظر الناس إلى التعليم كمجالٍ يستأهل الوقت والاستثمار، كما أنّ المدرّسين لا يستثمرون في تطوير أنفسهم".