ريادة الأعمال في البحرين كمرونة اقتصادية
تسببت البلبلة الاقتصادية والسياسية في بعض الدول في عرقلة التنمية، غير أنّ البحرين تتباهى في العقود القليلة الماضية بتاريخ مضيء من المرونة الاقتصادية في وجه الظروف الصعبة. وتواصل المملكة اليوم العمل باتجاه نمو مدفوع بالإنتاجية تحرّكه ريادة الأعمال المبتكرة.
مع ارتفاع الطلب على اللؤلؤ في القرن التاسع عشر، أصبح هذا القطاع النشاط الاقتصادي الرئيسي في البحرين. وفي مرحلة ما، لبّى ذلك البلد الصغير 80% من احتياجات السوق العالمية من اللؤلؤ قبل أن يتراجع القطاع أمام غزو اللؤلؤ الياباني الصناعي الأرخص للسوق العالمية.
ورغم أنّ البحرين كان البلد الأول الذي يكتشف النفط في العام 1932، دفع تواضع إنتاجه المملكة إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن هذا القطاع والتركيز على تنمية قطاعات أخرى بينها قطاع الخدمات المالية. وفي خضمّ الحرب الأهلية اللبنانية، أقلع القطاع المصرفي في البحرين مع نقل العديد من المؤسّسات الدولية لعملياتها الإقليمية إلى بيئة أكثر استقراراً من الناحية السياسية.
واليوم في ظل تراجع أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي، تعيد البحرين تموضعها للانتقال نحو اقتصاد رقمي حيث سيلعب قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة دوراً رئيسياً في بناء مرونة اقتصادية.
أعلنت "خدمات أمازون ويب" Amazon Web Services مؤخراً افتتاح أول مكتب لها في البحرين، معوّلة على نجاح إطلاق أمازون "مسرعة سي 5" C5 Accelerate، وهي أول مسرّعة نمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستخدم تقنية السحابة الإلكترونية. وانسجم ذلك مع استراتيجية الحكومة لترسيخ بيئة ريادية تحرّكها التكنولوجيا وتحقيق تطورات في التكنولوجيا التي تقوم على تقنية السحابة.
البنية التحتية موجودة بالتأكيد ولكن كيف هي الشهية المحلية لريادة الأعمال؟
تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في البحرين
أظهر مسح أجرته مؤخراً "أرنست أند يونغ" Ernst & Young أنّ 70% من الشباب في البحرين مهتمون بفكرة إطلاق شركاتهم الخاصة، وهو ضعف نسبتهم في بلدان خليجية أخرى. غير أنّ عدداً من البلدان حول العالم بينها البحرين، خصّصت حيّزاً كبيراً من الحوافز الحكومية والبنى التحتية لبناء نسختها الخاصّة من وادي السيليكون من دون أن تحقق المستوى ذاته من النجاح.
تحصل الشركات الصغيرة والمتوسطة على حصة الأسد من الشركات في البحرين لكنّها لم تتّخذ ما يكفي من إجراءات الإنتاجية.
يعتقد حامد فخرو، المبتكر ورجل الأعمال، أن البحرين تحتاج إلى أكثر من مجرّد دعم مالي من الحكومة.
ويوضح بأنّ "الخطأ الأساسي الذي يرتكب هنا هو أنّ المال يُنفق على برامج تستهدف أيّ شركةٍ ناشئة طالما تعتمد خطة أعمال واضحة. ولكنّني أعتقد بأنّ الخطة جيدة من ناحية واحدة وهي إعادة تدوير الورق الذي طبعت عليه".
يعتقد فخرو بأنّ تحويل الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى محرّك للنمو الاقتصادي البحريني يحتاج إلى ثلاثة أمور: توفير التعليم الموجّه والتدريب، وتسهيل التآزر بين الشركات المحلية وإتاحة الدعم من الحكومات.
في هذا السياق تلعب "تمكين" Tamkeen، المنظمة المدعومة حكومياً، دورها القائم على دعم القطاع الخاص في البحرين، على أكمل وجه. فمنذ إطلاقها قبل عقد من الزمن، استثمرت "تمكين" حوالي 800 مليون دينار (مليارا دولار أمريكي) لدعم حوالي 100 ألف بحريني و38 ألف شركة، وفقاً لوكالة الأنباء البحرينية الرسمية (بنا).
أما التحدّي القائم أمام سياسة الحكومة فهو تطوير سياسات فعالة من دون أن تحاول فرض التغيير عبر التدخّل المباشر.
ويرى فخرو أنّه من أجل إرساء بيئة ذاتية الاستدامة للشركات الناشئة، "لا يجدر بالحكومة ولا يمكنها أن تكون محرّكاً لنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة. فالسوق هي مَن يقرّر مَن يحقق النمو ولكن بالتأكيد يمكننا أن نساعد عبر نشر ثقافة إيمانٍ [بالقطاع]".
جاءت "ستارتب بحرين" Startup Bahrain، المبادرة التي أطلقها أحمد الصوافيري، خطوة في الاتجاه الصحيح لإرساء البيئة المناسبة لريادة أعمال تُلهم نفسها بنفسها.
وفي ندوة استضافتها أخيراً "جامعة بوليتكنك البحرين" Bahrain Polytechnic University، شرح البروفيسور بيتر كلاين، أستاذ ريادة الأعمال في جامعة "بايلور" Baylor University، أنّ "ريادة الأعمال هي نوع من أنواع الشخصية وتتمتّع بصفات ثلاث: الإبداع والجرأة والخيال".
يحمل القرن الحالي مجموعة من المعوّقات والقيود والمشاكل التي من المرجح أن تستمر طويلاً. ولكن هذه التحديات هي التي ألهمت وتستمرّ في إلهام الرياديين البحريين لتحويل الاقتصادات، والابتكار في مختلف القطاعات، وتوفير الوظائف.