لماذا تغيب النساء عن جلسات النقاش الريادية في لبنان؟
عندما نشر محمّد نجم خبر رفضه المشاركة في جلسة نقاشيّة في مؤتمر تقنيّ في بيروت لأنّها كانت تستضيف رجالاً فقط، دعمه كثيرٌ من الناس على موقفه وأعاد الآلاف مشاركة ما نشره.
نجح نجم من خلال هذه الرسالة في إقناع منظّمي الفعاليّة - التي رفض الإفصاح عن اسمها لعدم الإحراج - بمشاركة أنثى مكانه في الجلسة النقاشية. وذلك علاوةً عن إطلاق نقاش محتدم ترك أثراً كبيراً في المجتمع الرياديّ المتماسك في لبنان.
أكّد هذا الدعم الكبير الذي تلقّاه نجم من الرجال والنساء على التأثير الذي أحدثته هذه الرسالة. ولكن بعد أقلّ من أسبوعين، عقد مصرف لبنان المركزي مؤتمره السنوي لتسريع الأعمال BDL Accelerate الذي استضاف باقة من الخبراء من كلّ أنحاء العالم. ولكن لم يلبث المؤتمر أن انطلق حتى راحت تنتشر تغريدات تنتقد قلّة المشارِكات النساء في الجلسات النقاشيّة. وقد أحصى نجم 7 نساء و65 رجلاً.
مشكلة عالميّة
يعدّ غياب النساء عن الجلسات النقاشيّة مشكلة عالميّة يتمّ التطرّق إليها أحياناً في المدوّنات والمقالات. وهناك حساب على "تمبلر"Tumblr باسم “Congrats, you have an all-male panel!” (وتعني باللغة العربية "تهانينا، لديك جلسة نقاشية لا يشارك فيها سوى رجال")، ووسم (هاشتاج) على "تويتر"، #Manels، يدعوان الناس إلى مشاركة الصور عن هذا الموضوع.
يتمّ تحديث هذه الحسابات كلّ بضعة أيّام، وهي تضمّ رجالاً بالغين في السنّ يرتدون ثياباً رسميّة يعتلون المسارح لمناقشة مواضيع هامة. وقد بات غياب النساء عن هذه الجلسات موضوعاً بالغ الأهميّة لدرجة أنّه أصبح للموضوع صفحة خاصة على "ويكيبيديا".
لم يتخطّ أيّ بلدٍ أو قطاعٍ هذه الظروف المحرجة التي يمكن تغييرها ببضعة اتصالات ورسائل إلكترونيّة.
مايك بوتشر، المحرّر الرئيسي في "تك كرانش" TechCunch والذي ينظّم الفعاليّات بشكل منتظم ويشارك في جلسات من حول العالم، يلاحظ أنّ عدد النساء في الجلسات النقاشيّة في الشرق الأوسط أكبر بكثير من مناطق أخرى في العالم. ويعتقد بوتشر أنّ ذلك يعود إلى ثقافة المبرمج الشاب "بروجرامر" brogrammer في الغرب ويرى أنّ في ذلك نوعاً جديداً من التمييز على أساس الجنس.
لا عذر لذلك
يحظى لبنان بنسبة عالية من رائدات الأعمال (حوالي 25% في عام 2015 بحسب "المرصد العالمي لريادة الأعمال" Global Entrepreneurship Monitor)؛ كما يعدّ من أكثر البلدان العربية تحرراً. لذلك، يعتبر البعض أنّ هذا البلد يجب أن يكون مثالاً، بخاصةٍ في مجال يفتخر بأنّه يحاول تغيير العالم.
ويقول نجم إنّه "علينا أن نكون نحن، في المجتمع المدني، مختلفين، لأنّه لا يمكنك الادّعاء بأنّك تحدث فرقاً إذا كنتَ تتواصل مع الأشخاص نفسهم في كلّ مرّة".
بالفعل، لا يوجد نقص في النساء اللواتي لديهنّ الخبرة والمقدرة ليشاركن في الجلسات النقاشيّة، والمنتقدون للجلسات التي لا تتضمن سوى رجالاً يرفضون العذر التقليدي بأنّ الاختيار يتمّ وفقاً للجدارة وليس الحصص النسبية.
تقول إيليز موسى، مؤسِّسة الشركة الناشئة التي تُعنى بالتكنولوجيا المالية "سناباي" Snapay، والمدافِعة عن دور النساء في الأعمال، إنّ "البعض يتحدّث عن أهميّة الجدارة، ولكنّ هناك نساء كثيراتٌ في المجال التكنولوجي لا يتمثّلن".
بعد رؤية هذه الجلسات تتكرر في مساحة العمل المشتركة "ألت سيتي" Alt City ، طرحت موسى المسألة في مرّات متعددة مع الرئيس التنفيذي دافيد منير نبتي. وعندما طلب منها تنظيم فعاليّات التكنولوجيا الماليّة، حرصت موسى على أن تكون نسبة الرجال والنساء المشاركين في الجلسات النقاشية متساوية. أمّا نبتي الذي يقول إنّه اهتمّ بحقوق النساء منذ صغره، فيتعرف بأنّه ما زال في طور التعلّم حيال هذه المسألة، وأنّه يودّ أن يرى نساءً أكثر في الجلسات النقاشيّة.
لفهم المشكلة
لاحظ نبتي أنّه في أغلب الأحيان لا يكون تفضيل وجود الرجال في الجلسات عن قصد، وذلك لأنّ منظّمي الحفلات يركّزون على إحضار المتحدّثين المشهورين وينسون أنّ عدد النساء في جلسات الفعاليات محدود.
ويشرح ذلك لافتاً إلى أنّه عند تنظيم الفعاليّات، "ينظر المنظّمون إلى قائمة من المتحدّثين في الفعاليات السابقة، إذ أنّ هؤلاء ينتمون إلى ما يسمّى ’عالم المؤتمرات‘ conference circuit ويتمّ إحضارهم إلى الفعالية من كلّ أنحاء العالم".
وفي محاولة لإحضار مزيد من النساء إلى الجلسات النقاشيّة، بدأ نبتي باستطلاع الناس عمّا إذا كانوا يعتقدون أنّ "تنظيم فعاليّاتٍ للشركات الناشئة مع نساء فقط" فكرة صائبة؟
كانت النتيجة أن تلقّى الكثير من الإجابات المختلفة، فاستنتج أنّ الجمهور لا يمانع الاثنين. لذلك، يرى نبتي أنّ عدد رائدات الأعمال ذوات الكفاءة والخبرة والجدارة العالية في لبنان يلغي الحاجة لنقاش الحصص النسبية، كما يسرّه أن يرى استعداد منظّمي الفعاليات من الرجال لمثل هذا التغيير.
استضافة النساء بالطريقة المناسبة
فشل بعض المنظّمين في لبنان، في بعض الأحيان، في الإجابة على مطالب الناس من حيث الحضور النسائي. وقد ضمّ آخر مؤتمر لتسريع الأعمال من مصرف لبنان جلسة نقاشيّة لم يشارك فيها إلا نساء، ما أثار استغراباً عند النساء المختارات للمشاركة حيال السبب الذي يدفع المنظمين لتمييزهنّ عن غيرهنّ من المشاركين.
"ماذا يفترض بنا أن نفعل؟ نجلس ونتحدّث عن مشاكلنا؟" تقول هلا فاضل، رائدة الأعمال والمستثمرة المخضرمة والشريكة في "ليب فينتشرز" Leap Ventures . لطالما شاركت فاضل في جلسات نقاشيّة، ولكنّها رفضت المشاركة في هذه الجلسة منتقدةً غياب النساء عن الجلسات الأساسيّة في المؤتمر.
تضيف فاضل أنّها شاركت مؤخّراً في المؤتمر التقني "نوا" NOAH، في لندن وأنّه حال صعودها إلى المسرح برفقة امرأة ثانية أعلن مقدّم الفعاليّة أنّها المرّة الأولى التي يشارك فيها نساء في جلسات الفعاليّة منذ 9 سنوات. ومن جديد، شعرت فاضل بأنّ الضوء سلّط عليها من دون الحاجة إلى ذلك، ودفعها ذلك للتساؤل ما إذا كانت مشاركة النساء في الجلسات النقاشيّة ستصبح أمراً عادياً.
الطريق نحو المستقبل
في الوقت الحالي، أدّى غياب النساء عن الجلسات إلى الدخول في دوّامة حيث لا يطلب من النساء قيادة المناقشات المهمّة. ليس فقط لأنّ المنظّمين غير معتادين على مشاركة النساء، بل لأنّ غياب الثقة بالنفس يأتي من نقص الخبرة في الخطابة العامة.
ينصح بعض الخبراء النساء في هذا الإطار برفع اليد وطرح الأسئلة في الجلسات حتّى لو لم يكنّ من المتحدّثين المشاركين. كما ينصحون بالتمرين لإجادة الخطابة العامة بالانضمام إلى الفرع المحلّي من "توست ماسترز" Toastmasters، والتحدّث دائماً وزيادة الوعي عن نقص النساء في الجلسات النقاشيّة.
أمّا عن كيفيّة إيجاد المشاركات النساء في الجلسات، يقترح بوتشر من "تك كرانش" أنّ يبذل المنظّمون جهداً أكبر وأن يكونوا أكثر ابتكاراً في إيجادهنّ. ويقول إنّه "يجب بذل مجهود لإيجاد متحدّثات نساء، فإذا لم أجد متحدّثة بالمستوى المناسب سوف أحضر بكلّ بساطة رائدة أعمال شابة تحدث ثورةً في القطاع".
ويشرح هذا الاختيار سائلاً "أيّ مؤتمر سيرفض جلسات نقاشية حماسيّة حيث تقوم شركات ناشئة جديدة بتحدّي الشركات الكبيرة والعريقة؟ بخاصةٍ إذا كانت الشركات الناشئة الجديدة تمثّلها نساء".
بالرغم من أدلّة على أنّ المنظّمين يسعون جاهدين لإشراك مزيدٍ من النساء، يبدو أنّ الطريق طويلة قبل أن تصبح مشاركتهنّ أمراً عادياً لا يتطلّب مجهوداً إضافياً.
أدّى رفض نجم للمشاركة في الجلسة من الرجال فقط إلى اعتباره مدافعاً عن حقوق النساء، ويذكر هذا الأخير أنّ أحد المنظّمين سأله مؤخراً عن أسماءٍ لرائدات أعمال ناجحات وخبيرات لجلسة نقاشيّة مقبلة.
"كنتُ فرحاً باهتمامه بإشراك النساء، ولكنّني تساءلتُ أيضاً: أليس ذلك من مسؤوليات عمله؟"، يقول نجم.