لماذا لا تفوز ريادة الأعمال الاجتماعيّة بالمسابقات في المنطقة؟ [رأي]
لا شك في أنّك عندما تصعد إلى المسرح لتعرض فكرة لشركة ناشئة اجتماعيّة، تأمل بأن يكون غداً أفضل من اليوم. ورغم أنّك تتطرّق إلى مواضيع أساسيّة وتتحدّث عن الأمور المناسبة من الشفافيّة والأثر والتفاعل، غير أنّك لا تحصل على اهتمام لجنة التحكيم؛ فقد خسرت هذا الاهتمام باستخدامك كلمة "عطاء".
توقفت عند ذلك أثناء عرضي لفكرة "إبن فلسطين" Build Palestine أمام لجنة من المهنيين من القطاع الخاص في "منتدى أمواج 2016" Amwaj Forum 2016 في عمّان، ورحت أتساءل هل يمكن للقطاع الخاص لوحده تقديم دعمٍ كافٍ للمشاريع الاجتماعيّة؟ وهل سيقوم القطاع الخاص بما ينادي به من حيث الاستثمار في مشاريع مثل "إبن فلسطين" أم أنّه مقدّر لريادة الأعمال الاجتماعيّة في الشرق الأوسط أن تبقى دائماً الوصيفة الأولى وليس الفائزة؟
"إبن فلسطين" في وسط الاقتصاد الفلسطيني
تأسست "ابن فلسطين" بهدف حلّ المشاكل، وهو هدف تتشاركه مع كّل الشركات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أمّا هي بالذات، فتحاول حلّ مشكلة اقتصاد فلسطين الذي يعتمد على التبرّعات. لكن "ابن فلسطين" وغيرها من الشركات الناشئة الإنسانية يعملن في مجال له تحديّات خاصة.
في فلسطين مثلاً، وضع الاحتلال ووضع الحرب وغياب المساواة يؤدّون إلى مشاكل فريدة من نوعها بالمقارنة مع تحديّات ريادة الأعمال الاجتماعية الأخرى في المنطقة. على سبيل المثال، تشكّل القيود المشددة على الحدود، وصعوبة التنقل من وإلى البلاد، ومشاكل الوصول إلى إنترنت الجيل الثالث أمثلة قليلة عن التحدّيات التي تؤدّي إلى بيئة ريادية عدائيّة. وتؤدّي هذه الظروف إلى تعقيد الأمور مؤثّرةً على طرق التفكير والابتكار والشراكات.
لكنّ "ابن فلسطين" تشكّل إحدى الأمثلة على مبادرة شعبية لتلبية حاجات اجتماعيّة قديمة سواء في الضفة الغربية أو غزّة. كما أن جهود "غزّة سكاي جيكس" Gaza Sky Geeks في التمويل الجماعي للبقاء على قيد الحياة تظهر عن ابتكار ورغبة كبيرة للعمل لدى الناس حتّى في هذه الظروف الصعبة.
الحاجة للتغيرات كبيرة
تهتمّ ريادة الأعمال الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلّ المشاكل اليوميّة بشكل أساسيّ. وقد ازدادت الضغوط على القطاع الخاص بعدما فشلت الحكومات في المساهمة بنموّ اقتصادي مستدام وعمليّة إيجاد الوظائف.
في المقابل، لا يمكن للقطاع الخاص القيام بكلّ شيء، ولا يمكن الاستخفاف بدور الحكومات في تحسين السياسات وبناء القدرات لتنمية القطاع الخاص في هذه البيئة البيروقراطية في الشرق الأوسط.
من أجل أن تكون الشركات الناشئة الاجتماعية محفّزاً للانتقال الاقتصادي، عليها أن تنظر نحو المستقبل. يعدّ الافتراض الذي ينسب ريادة الأعمال الاجتماعيّة إلى القيام بأمر مربح ومفيد اجتماعيّاً بسرعة وفي الوقت عينه خطراً جدّاً، إذ أنّه يولد تردداً حيال العمل على حلّ أمور كبيرة ومليئة بالمخاطر ولو أنّ مكافآتها كبيرة.
لذا، ومن أجل أن تكون التنمية شاملة وكاملة، يجب أن ينتقل دعم الحكومات من التمويل إلى إيجاد الفرص، ويجب أن يقوم القطاع الخاص بأكثر من مشاريع "المسؤولية الاجتماعية للشركات" فيما يتعلّق بالقضايا الاجتماعيّة.
يجب أن تتغير النظرة إلى تمويل مشاريع الأثر الاجتماعي من مشاركة الحمل إلى مشاركة الاستثمار. الحكومات مستعدّة لتأدية دور الرابط، حيث يمكنها أن تنشأ مخططات استثماريّة وتشاركها مع المساهمين المهتميّن بمن فيهم القطاع الخاص، والجمعيات، والجامعات وغيرها، وذلك لقيادة التغيير. تعميم 331 الذي صدر عن مصرف لبنان هو مثال عن هذا الالتزام ما بين القطاعات في لبنان، وهو يهدف إلى إيجاد الوظائف والانتقال نحو اقتصاد معرفيّ.
إلى ما أبعد من ريادة الأعمال الاجتماعيّة
يجب أن نتعاون جميعاً، كمواطنين ومحدثي تغيير وروّاد أعمال اجتماعيين، على مستوى التغيير التنظيمي، ونجد تغييراً حقيقيّاً وتعاونيّاً ومغيّراً. يجب أنّ نتجرّأ على إيجاد وسائل تغيير جديدة، ومشاريع مشتركة ما بين مساهمين مختلفين، وأن ننظر إلى المستقبل ونختار العالم الذي نريد أن نعيش فيه.
عملنا لم يتنه بعد، وما زال هناك الكثير؛ لا يمكن لريادة الأعمال الاجتماعيّة أن تحقق كامل إمكانياتها لبناء شرق أوسط أفضل إلاّ مع التنظيم الحكومي الاستراتيجي والالتزام الحقيقي من القطاع الخاص.
لم يكن التغيير يوماً سهلاً، وذلك لأنّه يستحقّ المثابرة. أمّا اليوم، فعلينا أن نتأمّل بما جاء في القول اليوناني الشهير المترجم إلى الإنجليزية، “Society grows great when old men plant trees whose shade they know they shall never sit in” والذي يشير إلى أنّ المجتمع يحقق نموّاً ونجاحاً عندما يعمل الناس للأجيال القادمة ولمستقبل أفضل عوضاً عن التفكير بأنفسهم فقط