هل تعيد 'ستارتب إسطنبول' وصل ما انقطع بين أرمينيا وتركيا؟
لم تُظهِر الشركات الناشئة التركية في فعالية "ستارتب إسطنبول" Startup Istanbul شجاعتها وحسب، بل أثبتت أيضًا مدى استقرارها وتوازنها، بدءاً من الكلمات التي ألقيت وصولاً إلى المحادثات الجانبية.
جمعَت هذه الفعالية قرابة 4 آلاف شخصٍ من 63 بلداً مختلفاً، بما فيها أرمينيا التي انقطعَت علاقاتها الدبلوماسية مع تركيا منذ أكثر من 20 عاماً، والتي لا يشكّل عدد سكّانها الثلاثة ملايين ربع سكّان مدينة إسطنبول.
وفي إطار السعي لكسر الجليد بين البلدين، شارك في هذه الفعالية التي عُقدَت بين 6 و10 تشرين الأوّل/أكتوبر 10 شركاتٍ ناشئةٍ أرمنية للمرّة الأولى، يُعتبَر مؤسّسوها من بين الأقليات الأرمنية الذين جاؤوا إلى تركيا منذ إغلاق الحدود عام 1993، وكانت الأسباب سياسية وليست متعلقة المجزرة.
وقد ساهم عدد من المنظّمات غير الحكومية التركية والأرمنية دورًا في دعم هذه الفعالية، إذ سبق لها أن دعمت برامج لتبادل روّاد الأعمال منذ عام 2014، من بينها "نادي الصحافة العام" Public Journalism Club الأرمني.
وبحسب مديرة النادي، سيدا مراديان، فإنّ عملية التبادل هذه هي أول عملية تركّز على الشق التقني، مشيرةً إلى أنّ الإنترنت "تعزّز التعاون بالرغم من إغلاق الحدود".
بدا جلّياً إعجاب كلا الجانبَين بالبيئة الريادية في البلد الآخر، وأكّدت على ذلك كانسو ساراك من مؤسّسة "تيباف" TEPAV foundation التركية بتصريحها لـ"ومضة" قائلةً: "كان من الرائع التعرّف على شبان من أرمينا تتراوح أعمارهم بين 15 و18 ويعملون على تطوير أفكارهم... ففي تركيا يحتاج مؤسّسو الشركات الناشئة إلى إنهاء دراساتهم الجامعية قبل الشروع في بناء أفكارهم".
جرَت فعاليات "ستارتب إسطنبول" في حرم "جامعة إسطنبول التقنية" Istanbul Technical University (ITU)، في شارع مسلك، ما عدا اليوم الختاميّ الذي انتقل فيه الحضور إلى مركز "فولكسفاغن أرينا" Volkswagen Arena القريب من المكان. ومع الموسيقى الصاخبة وحضور روّاد الأعمال بكامل أناقتهم ومشاركة طلّاب الاختصاصات التكنولوجية بكثافة، كان الأمر أشبه بحفلةٍ يحضرها المرء بعد يومٍ طويلٍ من العمل.
احتلّت شركتان ناشئتان أرمنيّتان مركزَين متقدمين بين أفضل 50 شركةً ناشئةً في التحدّي، فيما اعتبر آرام جيفانيان وفلورا باباجانيان اللذين يأتيان إلى تركيا للمرّة الأولى أنّ هذه الفعالية هي الفعالية الأكبر التي عرضا فيها أفكارهما.
تمكّن الشابّ الأرمنيّ جيفانيان الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، من وضع شركته "سكاي كريبتور" Skycryptor في مصاف الشركات الـ15 التي وصلت إلى النهائيّ. وبعد عرض شركته التي تقدّم خدمةً لتشفير البيانات على مختلف المنصّات أمام 3 آلاف شخص، رأى أنّ عدد صناديق الاستثمار المخاطر والشركات الناشئة يشكّل دليلاً واضحاً على مدى تطوّر البيئة الريادية في تركيا.
وقال إنّ "السوق التركية كبيرة بما فيه الكفاية لنموّ الشركات الناشئة، ويكفي التركيز عليها. أمّا في أرمينيا، فالسوق صغيرة ما يحتّم عليك التطلّع إلى العالمية".
من جهتها، لم تتمكّن باباجانيان مع شركتها الناشئة "إيرلي ون" Earlyone لتنظيم صفوف الانتظار من الوصول إلى النهائيات، ولكنّها استفادت من فرص التواصل والتعارف التي قدّمتها الفعاليات للطرفين. وتذكر في هذا الإطار أنّه "عندما سألوني من أين أنتِ جاوبتُهم بفخرٍ أنّني من أرمينيا، وقد تفاجأوا ولم يعرفوا ماذا يقولون"، ثمّ ما لبثوا أن راحوا يتحدّثون معها عن بعض أمور الأعمال والشؤون السياسية بطريقةٍ ودّيّة.
خلال جلسة الإرشاد، وجدَت باباجانيان نفسها تتحدّث ليس فقط عن التزام "مايكروسوفت" Microsoft بالشراكة مع "إيرلي ون"، إنّما أيضاً عن بعض الأحداث التي حصلت منذ قرون، حيث أكّدَت أنّها سمعَت من البعض اعترافاً بالمجزرة التي لطالما شكّلَت موضع نقاشٍ بين الكثير من المواطنين والسلطات التركية.
وفيما أشارَت إلى أنّ مجيئها إلى تركيا لم يكن محبّذاً في أرمينيا، أوضحَت أنّه بعد بضعة أيّامٍ في إسطنبول "اكتشفتُ أنّ هذا الشعب ليس عدوّاً".
في المقابل، هذا الانطباع الإيجابيّ لا يمكن بالضرورة أن يُترجَم على شكل استثمارٍ كالذي كان ينتظره جيفانيان الذي وصل إلى النهائيات.
وعلى الرغم من الاهتمام الذي حظيَت به باباجانيان خلال الفعالية، لم تخفِ هذه الريادية قلقها لأنّ عملية التطبيع هذه لا يرحّب بها كلّ الروّاد الأرمن، خصوصاً وأنّ بعضهم مؤثّرين في سوق تكنولوجيا المعلومات في البلاد. وبالتالي، رأت أنّه من الأفضل أن تعود إلى تركيا في وقتٍ لاحق عندما تستقر الأوضاع، والنظر إليها كجزءٍ من استثمارٍ عالميّ على صعيدٍ أوسع.
في المقابل، اعتبر المنظّمون الأرمن أنّ الأمر الأهمّ يكمن في تشجيع روّاد الأعمال الشباب على عدم تفويت الفرص العالمية، فقط لأنّ ذلك يحدث انطلاقاً من تركيا. وشرحَت مراديان "أنّنا نريدهم أن يفكّروا كرجال أعمال... وحتّى لو كان لديهم نظرة خاصّة عن الماضي، فهذا لا يمنعهم من أن يشكلوا جزءاً من هذه الفعالية العالمية".
فاز في المراكز الثلاث الأولى في"ستارتب إسطنبول" كلٌّ من الشركة الناشئة الأردنية "كاش باشا" Cashbasha، و"إنوفيرا لابز" Inovera Labs التركية التي تركّز على الأمن الرقمي، والتطبيق اليوناني "بوبوكا" Pobuca لتبادل جهات الاتّصال.
وبالرغم من ذلك، كان الأمر بمثابة انتصارٍ للأرمن المشاركين في هذه الفعالية، لأنّ "وجود شركةٍ ناشئة أرمنية في مراحل متقدّمة من التحدّي سيساهم في إلهام الكثير من الشباب الأرمن"، حسبما قالت مراديان لـ"ومضة" بعد الفعالية، مضيفةً أنّه "من خلال قصص النجاح نريد التشجيع على مزيدٍ من التفاعل [مع تركيا]".
[الصورة الرئيسية: شركات ناشئة تتنافس خلال "ستارتب إسطنبول"]