مجتمع الألعاب في تونس: قصّة أبطالها هواة وإنجازاتها عالمية
يمكن ملاحظة نموّ مجتمع الألعاب في تونس بسهولة، سواء كان ذلك من خلال المساحات المخصّصة للّعب أو الشركات الناشئة المخصّصة لإنشاء ألعاب الفيديو، أو من خلال الأشخاص الفاعلين في القطاع الذين يريدونه أن يشكّل طفرةً اقتصاديةً في البلاد.
قبل عامٍ من الآن، إذا كنتَ تسير في دوار هيشر الشهير لا بدّ وأن يثير انتباهَك بابٌ نصف مغلقٍ تجدُ خلفه مراهقين يلعبون ألعاب الفيديو. هذه الأماكن التي تسمّى "مقاهي الإنترنت"، والتي باتت بمثابة مساحاتٍ للّاعبين، كان التونسيون قد اعتادوا زيارتها قبل الثورة للولوج إلى الشبكة العنكبوتية.
واليوم، بات يوجد في تونس مجتمعٌ للّاعبين يضمَ أكثر من 600 ألف لاعبٍ، ما مهّد الطريق أمام نشأة قطاعٍ للشركات الناشئة المخصّصة لتحسين تجربة اللعب، مثل "ديجيتال مانيا" Digital Mania. يضمّ هذا القطاع خمس شركاتٍ إلى الآن، تُقدّر قيمة بعضها بأكثر من مليون دولار أميركيّ فيما تستمرّ بالتوسّع وتوفير فرص العمل بعد سنواتٍ على إنشائها.
يقول رئيس مجلس إدارة شركة "بولي سمارت" Polysmart لإنشاء الألعاب، أحمد شيخ روحه، خلال مقابلةٍ في مكتبه في تونس، إنّه "يوجد الكثير من هواة ألعاب الفيديو في تونس، ولكن عدد مَن يستطيع أن يطوّر هذا النوع من الألعاب لا يتعدّى المئات".
ولكنّ قصّة مجتمع الألعاب في تونس، سواء من ناحية اللاعبين أو المطوّرين، هي قصّة هواةٍ بدأت صغيرة ثمّ راحَت تكبر.
ومن الأمثلة على ذلك شركة "بولي سمارت" نفسها التي نشأت بفضل البيتزا ومساعي هارون بوشريط، قبل أن تصبح الشركة الأولى التي تطوّر لعبة فيديو مصمّمة بالكامل في تونس.
يستذكر بوشريط الأمر قائلاً: "لقد افتتحتُ قبل سنواتٍ مطعم بيتزا في ضاحية تونس الشمالية، في الوقت الذي كنتُ فيه شغوفاً بالألعاب. ومن ثمّ موّلتُ شركتي الناشئة الأولى ’ستولن باد‘ Stolen Pad من الأرباح التي حقّقتُها من بيع البيتزا، بهدف إنشاء أوّل لعبةٍ تونسية بالكامل". ويضيف أنّ شركته الناشئة ضمّت في البداية "حلّاقين سابقين ومدرّبي لياقةٍ بدنيةٍ سابقين، لأنّ الكثير من الموظّفين [لم يكونوا خبراء في الألعاب] بل كانوا شغوفين بها وتوجّب عليهم تعلّم كلّ شيءٍ من الصفر".
يعمل الآن هذا الرياديّ بدوامٍ كامل كمديرٍ للعمليات في الشركة، بحيث يدير على 17 موظّفاً ويُشرف على لعبة "فيتيرانز أونلاين" Veterans Online التي أنشأها استديو "نيوكد كوكروش" Nuked Cockroach التابع لـ"بولي سمارت" وكلّفت أكثر من مليون دينارٍ تونسيّ (نحو 447 ألف دولار).
صعوبة اللعب على الصعيد الرسميّ
بالرغم من مجتمع الألعاب القويّ في تونس، لم يتطوّر القطاع على مستوى وطنيّ. وبين عامَي 2004 و2008، لم يجمع الكأس التونسي لألعاب الفيديو سوى 15 ألف لاعباً.
في هذا الشأن، يقول حسام بن عمر، الناشط في "الجمعية التونسية لألعاب الفيديو" Tunisian Association of Gamers ومصمّم الصور ثلاثية الأبعاد في "نيوكد كروكروش"، إنّه "لا يزال هناك عقلية قديمة"، مضيفاً أنّ "السياسيين والمستثمرين يلقون اللوم علينا لناحية إبقاء الأطفال في المنزل والتشجيع على العنف، وهم لا يرون أبعد من الكليشيهات فيما خصّ ألعاب الفيديو".
ولكنّ "الجمعية التونسية لألعاب الفيديو" التي تأسّست في عام 2012، قدّمَت استراتيجيةً للحكومة حول كيفية توفير الألعاب الإلكترونية فرص عملٍ للشباب، من دون أن تكترث لممانعة السياسيين. واقترحَت في هذه الخطّة وضع هيكلٍ للسوق كما طالبَت بالاعتراف بألعاب الفيديو كرياضةٍ لكي تتمكّن تونس من المنافسة على مستوى عالميّ.
كانت النتيجة أن حصلت على وعدٍ من وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي بتمويل عملية تنظيم هذا القطاع "فحصلنا على المال، ولكن بعد التعديل الوزاريّ في هذا الصيف عُلِق الأمر"، بحسب شيخ روحه الذي سيرسل لاعبيه إلى بطولاتٍ دولية مثل بطولة الرياضات الإلكترونية الدولية في جاكرتا، إندونيسيا.
نحو تحقيق إنجازاتٍ دولية
بعد لقائه تلميذ الثانوية أمين بن مسعود قبل عامَين، أدرك شيخ روحه الإمكانات التي يحملها التونسيون. فهذا المراهق الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً في حينها، كان التونسيّ الوحيد الذي يمثّل البلاد في بطولةٍ لألعاب الفيديو في أذربيجان.
وبالتالي "غطّينا تكاليف مشاركته، وبعدما فاز بـ5 آلاف دولار بدا الجميع وكأنّهم لا يصدّقون فوز أحدٍ من تونس"، على حدّ تعبير شيخ روحه.
من جهته يذكر بن مسعود أنّ أمّه لم تكن ترغب في رؤيته يلعب ألعاب الفيديو، "ولكنّها باتت تدفع لي ثمن تذكرة المشاركة في هذه المسابقات بعدما رأت أنّه يمكنني جني المال منها". ومع ذلك لم يهمل دراسته، إذ يحضّر لامتحانات الشهادة الثانوية بينما يمضي وقت فراغه في استديو "بولي سمارت".
الرئيس التنفيذي لشركة ألعاب الفيديو، "بيج بوينت" Bigpoint الألمانية، خالد حليوي، يرى أنّ تونس يمكنها تطوير قطاعٍ مزدهرٍ لألعاب الفيديو من خلال تطوير هذه الثقافة، كما فعلت كوريا الجنوبية.
وبما أنّ المشكلة الكبرى في البلاد تكمن في الحصول على العملة الصعبة، يشير إلى أنّه "يمكن تطوير الرياضات الإلكترونية على المستوى الوطنيّ ومن ثمّ تشكيل فرقٍ من اللاعبين التونسيين للمنافسة في جميع أنحاء العالم".
من جهةٍ أخرى، فإنّ الألعاب الإلكترونية هي بمثابة طريقٍ للشباب الطموح، كما يعتقد أشخاصٌ مؤثّرون مثل غازي بن أحمد، المدير التنفيذي لـ"مبادرة المتوسط للتنمية" Mediterranean Development Initiative.
يعتبر بن أحمد أنّه "لا يوجد هنا سلّم اجتماعيّ مثلما هي الحال في الولايات المتّحدة، والطريقة الوحيدة التي يمكن فيها للشباب أن يحلموا هي عبر ألعاب الفيديو، إذ يمكن لتونس من خلال هذا القطاع أن توفّر أكثر من 4 آلاف فرصة عمل بحلول عام 2020". ولكنّه يستدرك أنّه لتحقيق ذلك، "تحتاج البلاد إلى تدريباتٍ مميّزة وبيئة عملٍ أكثر ملاءمة [تسمح بعمليات دفع المال عبر الإنترنت وتأخذ بعين الاعتبار حالة العاملين لحسابهم الخاصّ]".
مواكبة شركة "سوني"
هذا المجتمع المتماسك من اللاعبين الهواة، يواكبه اهتمامٌ من الاستديوهات في ابتكار الألعاب والتجهيزات الجديدة.
في هذا السياق، استديو "ديجيتال مانيا" الذي أسّسه وليد سلطان ميداني في عام 2012، يريد أن يُنشئ ألعاباً تتماشى مع المعايير العالمية كما وتطوير المزيد من الألعاب في تونس.
ففي مكاتب الشركة الواقعة على ضفاف بحيرة تونس، والتي تنتشر فيها مجسّمات لشخصيات مثل "ماريو" وأبطال مسلسل "لعبة العروش" Game of Thrones، يتباهى مدير التواصل سامي زليلة بعرض معدّات الواقع الافتراضيّ الموجودة في الطابق السفليّ. "هذه هي الأدوات الجديدة للمشروع الجديد الذي نعمل عليه، لنكون قادرين على مواكبة الساحة العالمية".
فشلت "ديجيتال مانيا" في السابق مع لعبتها "ديفيندور" DefenDoor في عام 2012، بعدما لم تخطّط جيّداً لمسألة العلاقات العامة (حيث لم تخصّص ما يكفي من المال للتسويق). ولكنّ الشركة تعلّمت من أخطائها وعمدَت إلى اعتماد حيلٍ غريبة لجذب اللاعبين، مثل تقديم بقرةٍ – حقيقة – مجّاناً، ودعم الدفع عبر المحمول عبر التعاون مع شركة اتّصالاتٍ تونسية.
منذ ذلك الحين، أنشأت الشركة أكثر من 50 لعبةً تتناول مواضيع مختلفة، تراوحت بين أعال جدّية لمكافحة الفساد وألعاب مرحة مثل اللعبة الأخيرة "بقرة" Bagra.
وبحسب زليلة، فقد أنشأت "ديجيتال مانيا" لعبة "بقرة" بفكرةٍ بسيطة "يمكنك في نهايتها أن تفوز ببقرةٍ حقيقية. والآن نحن في صدد إطلاقها عالمياً بحيث قد يتوجّب علينا تصدير الأبقار إلى كاليفورنيا". يقولها زليلة مبتسماً، ثمّ يوضح أنّه يمكنك تقديمها إلى عائلةٍ فقيرةٍ في تونس أو الحصول على شرائح لحمٍ بدلاً منها.
في المقابل، لا تعني كلّ هذه النجاحات أنّ قطاع ألعاب الفيديو في تونس لا يعاني من مشاكل أبداً. فعلى سبيل المثال، "لا يوجد في تونس دورات تدريبٍ مناسبة، وكلّ ما يمكنك العثور عليه هو معهدٌ واحد لتدريس تقنيات التصميم ثلاثيّ الأبعاد لا يصل إلى مستوى المعاهد الدولية،" وفقاً لشيخ روحه.
في غضون ذلك، يسعى اللاعبون التونسيون لمواكبة آخر توجّهات ألعاب الفيديو، مثل باسم صيادي الذي يُعتبَر من بين أوائل اللعابين التونسيين اللذين يستخدمون "يوتيوب للألعاب" Youtube gaming. ومثل عواطف مصبح التي تستفيد من ألعاب الفيديو لإنشاء ألعاب تربوية تونسية مع استديو "موربيكت" Morbiket، وأعضاء استديو "نيو جين" NewGen الذين يطوّرون ألعاباً للمحمول تحصل على جوائز عالمية.
ولكن بالنسبة إلى قادة القطاع مثل حليوي، فإنّ قطاع ألعاب الفيديو في تونس يمكنه أن يساهم في إنعاش البلاد وأن يقود عملية الرقمنة فيها.