وائل أمين: هذا ما أعرفه عن حلقات الاستثمار المفقودة في مصر
ليس غريبًا أن يشهد بلدٌ يضمّ أكثر من 90 مليون نسمة نشاطًا مفرطًا في القطاع الريادي من حيث الأفكار والابتكارات والمشروعات الناشئة سنويًا. ولكن كثيرًا ما تذهب تلك الأفكار مع الريح، وأحيانًا تضطرّ شركاتٌ ناشئة لإيقاف نشاطها نتيجةً لبعض الحلقات التي لاتزال مفقودة في المناخ الاستثماري الريادي في مصر.
لتحديد تلك الحلقات ومحاولة إيجاد سبل للعثور عليها، أجرينا هذا الحوار مع وائل أمين، الشريك المؤسّس لكلِّ من أحمد الألفي وهاني السنباطي في صندوق الاستثمارات "سواري فينشرز" Sawarie Ventures، المالك لحاضنة الأعمال "فلات 6 لابز" Flat6Labs.
على مدار السنوات الأربع الماضية، استثمرت "سواري فينتشرز" في 7 شركات مصرية ناشئة في مرحلة النمو (لم يكشف عنها أمين)، بينما احتضنت "فلات 6 لابز" حوالي 100 شركة إقليميًا في مراحل مبكرة "بواقع استثمارات بلغت 5 ملايين دولار".
أمّا أمين فهو يحظى بخبرة لأكثر من 20 عامًا في المجال الريادي التقني، فهو مؤسس "آي تي وركس" ITworx للحلول البرمجية منذ عام 1994 عُقب تخرجه من "الجامعة الأميركية في القاهرة" من كلية علوم الحاسبات. وفي عام 2004، كما حصل على ماجيستير في إدارة الأعمال من الجامعة عينها.
شاركنا أمين وجهة نظره عن الوضع الحالي للمناخ الاستثماري في القطاع الريادي في مصر، معدّداً الحلقات المفقودة وأبرزها نقص التمويل، بالإضافة إلى سَن القوانين الاستثمارية الملائمة والتعليم والتدريب، مقدّمًا بعض الاقتراحات لتخطّي تلك المشكلات.
هيمنة الاستثمارات التقليدية. على مدار السنين الخمسين الماضية، كثفت شركات القطاع الخاص استثماراتها في قطاع العقارات المصري، وقد أثبت الأمر نجاحًا لا يستطيع أحدٌ إنكاره. ولكن بات على القطاع الخاص التنويع في الاستثمارات، لاسيما بعدما أثبتت التجربة الفعلية أنّ سوق العقارات تتأثر بشكل مباشر بالأزمات الاقتصادية والسياسية. وفي القترة الحالية، تشهد مصر ما يمكن أن نطلق عليه ’مرحلة انتقالية اقتصادية‘ يخرج خلالها الاقتصاد من العهد الكلاسيكي إلى العهد المعرفي، كما يُنتظر أن يتحوّل التوجه الاستثماري للقطاع الخاص من العقارات إلى المشروعات القائمة على الابتكار التقني.
العرض أكبر من الطلب بأضعاف المرّات. الأفكار والابتكارات والشركات الناشئة تفوق أضعاف المرات حجم الاستثمارات المتاحة. فعدد الجهات الاستثمارية في مصر محدودٌ للغاية، والنسبة الأكبر من الاستثمارات تذهب إلى الحاضنات والمسرعات المعنية بالمراحل المبكرة من حياة الشركات الناشئة. وبعد التخرج من تلك المؤسسات، تعاني الشركات الناشئة مع رواد الأعمال الأمرّين للوصول إلى استثمار غالبًا ما يكون أجنبيًا.
سنوياً، في ’سواري فينتشرز‘ نستقبل 100 طلب نقبل منهم ما يتناسب مع متطلبات المرحلة، كما ونستقبل في ’فلات 6لابز‘ ألف طلبٍ سنويًا، نقبل منهم 20 فقط. في ’سواري فينتشرز‘، تتغيّر معايير قبول الشركات وفق احتياجات كلّ شركة، ما يترك انطباعًا واضحًا عن الفجوة بين العرض والطلب.
القوانين المحفزة للاستثمارات الأجنبية تحتاج إلى تعديلات جوهرية. يحتاج المستثمرون من الأجانب إلى قوانين محفزة على الاستثمار، وينطبق ذلك على قوانين التأسيس والإفلاس وسهولة تحرّك رأس المال. لا يمكن القول إنّ مشروع قانون منح الجنسية للمستثمر الأجنبي المقترح الآن أمام البرلمان سيجد حلّاً لأزمة الاستثمارات، لأنّ المستثمر الأجنبي في قطاع التقنية لا يهمّه الحصول على الجنسية طالما يدار القطاع رقميًا بالكامل.
البنوك لا تستثمر في المشروعات الرائدة. أعلن البنك المركزي المصري عن تخصيص حوالي 200 مليار جنيه (20 مليار دولار) للمشروعات الصغيرة والمتوسطة مقابل فائدة تبلغ 5% فقط. ولكن ليس هذا ما نحتاجه، لأنّ هذه المشروعات التي يروّج لها القطاع المصرفي حاليًا تنحصر في النطاق التقليدي. ما نحتاجه فعلًا هو قانون إقراض للمشروعات الرائدة القائمة على التكنولوجيا لتيسير حياة الناس. من الصعب الآن على رائد الأعمال أن يحصل على قرضٍ مصرفيّ نظرًا للمخاطرة الاستثمارية لتلك المشروعات، كما يُحجم أغلبية الروّاد عن الاقتراض خوفًا من العبء المالي. المخرج الوحيد للأزمة الاقتصادية الراهنة هو أن تستثمر البنوك في المشروعات الرائدة مقابل حصة.
الفراغ الاستثماري الداخلي يعطل الحصول على استثمار خارجي. للمشاركة في المشهد الريادي المصري، تحتاج الجهات الاستثمارية الأجنبية إلى رؤية مناخ استثماريّ محلّيّ نشط سواء من الحكومة أو القطاع الخاصّ أو القطاع المصرفي. ولكن الوضع الحالي يشهد فراغاً شبه كامل في ضخّ استثمارات الجولات الثانية والثالثة والرابعة، وهو ما يُزيد الأمر صعوبة على رواد الأعمال في تحفيز الاستثمار الأجنبي.
ثمّة قطاعات ريادية لاتزال شبه خالية من الابتكارات. في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم رياديًا نحو قطاعات بعينها، كالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتكنولوجيا المالية والبيانات الكبيرة والمركبات ذاتية القيادة، لا تزال تلك القطاعات بطيئة في مصر. يُستثنى من ذلك مشروعات قليلة مقارنًة بالمشهد العالمي، أبرزها تجربة ’فوري‘ Fawry في قطاع التكنولوجيا المالية، و’أفكتيفيا‘ Affectiva في قطاع الذكاء الاصطناعي.
طموح رواد الأعمال يحتاج تعديلًا في المسار. التقييم العادل عند بناء نموذج العمل هو من الأمور التي يفتقدها الشباب المصري. تأتينا معظم نماذج العمل بتوقعات مبالغ فيها خلال العام الأول والثاني من التشغيل، ثمّ تبدأ التوقّعات في الانخفاض خلال الأعوام الثلاثة التالية من نموذج العمل، ما يمكّننا من الاستنتاج بأنّ طموح رواد الأعمال لمشروعاتهم ليس كافيًا لإنجاحها.
التعليم الجامعي يحتاج إلى التطوير. لايزال التعليم الجامعي في مصر بحاجةٍ إلى ثورة تحديث. يتخرّج سنويً آلاف الطلّاب بمعلوماتٍ منتهية الصلاحية من الناحية التقنية، ما يصعّب العثور على كوادر مؤهلة لسوق العمل وعدم القدرة على مواكبة متغيرات المشهد التقني السريعة؛ ويتجلى ذلك في تخصّصاتٍ بعينها كتطوير التطبيقات، والتسويق الرقمي، وتصاميم تجربة المستخدم (UX).
نسير في الاتجاه الصحيح. لا شك أنّه رغم كلّ العراقيل والحلقات المفقودة في القطاع الريادي المصري، تدلّ كلّ المؤشرات على أنّنا نسير في الاتجاه السليم. ومن البراهين على ذلك، توجهات الحكومة المصرية نحو مصادر الطاقة البديلة، والشراكات التي وقعتها وزارة التخطيط المصرية مثل الاتفاقية مع شركة ’فوري‘ لإطلاق تطبيق ’حكومتي‘ لدعم دفع كافة الخدمات الحكومية عن طريق المحمول. هذا بالإضافة إلى ما أوصى به مجلس الوزراء في مارس /آذار الماضي بضرورة وضع تعديلٍ تشريعي لتقنين وضع شركات نقل الركاب القائمة على التكنولوجيا مثل ’أوبر‘ و’كريم‘. كلّ تلك المبادرات تؤكد أنّ الأنظار تلتفت بقوة تجاه الاقتصاد الحديث القائم على الابتكارات.