النمو السريع وعلاقته بنجاح الشركات الناشئة
صيغ مصطلح "جروث هاكر" growth hacker للمرة الأولى على يد رائد الأعمال والمستثمر المخاطر الأمريكي شونإلياس Sean Ellias، المدير التنفيذي ومؤسّس "جروث هاكرز" GrowthHackers لتعليم آليات النموّ السريع "جروث هاكينج" Growth Hacking لرّواد الأعمال.
وها هي "الرحلة" Elre7la قد قدّمَت في مايو /أيار الماضي جلسةً توعوية عن النموّ السريع لروّاد الأعمال الذين شاركوا في معسكر هذا العام.
يشير المصطلح الحديث إلى النموّ السريع وغير المكلِف للشركات الناشئة تحديدًا. ففي ظلّ انحصار أدوات التسويق بين الإعلانات المموّلة على شبكات التواصل، والإعلانات باهظة التكاليف على التليفزيون والراديو، يصبح نقص التمويل المُصاحب لعدم وجود وسائل نموّ غير مُكلفة ضمن أهمّ وأكبر التحدّيات التي تواجه الشركات الناشئة في الشرق الأوسط.
بذلك، تسعى الشركات الناشئة باستمرار للعثور على وسائل نموٍّ مستدامة وغير مُكلفة تحقّق لها الانتشار، وهذا بالتحديد ما يقدمه الـ"جروث هاكر" (الشخص المسؤول عن النموّ السريع في الشركات الناشئة) لشركته.
أمّا "الرحلة" التي تُعنى بشحذ طاقات روّاد الأعمال ودعمهم بالمعلومات في قالبٍ ترفيهي، تطبّق ذلك عبر إقامة معسكرات على ساحل البحر الأحمر في مدينة نويبع المصرية، تتضمّن مسابقات وحفلات بالإضافة إلى محاضرات وورش عمل يتحدث فيها خبراء ومرشدين من مختلف المجالات.
وفي المعسكر الأخير لها، تحدّث خلال جلسة "جروث هاكينج" (النموّ السريع) كريم عبد القادر، مسؤول نموّ الشركات الناشئة في "إيه 15" A15، وهي شركة الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا والتي كانت ضمن قائمة رعاة "الرحلة" هذا العام.
في حواره المستفيض مع "ومضة" عن القيمة المضافة للشركات الناشئة من جرّاء تبنّي مفهوم النموّ السريع، يشرح عبد القادر أنّه "يتعين على مسرّع النموّ وضع خططٍ واستراتيجياتٍ لرفع عدد المستخدمين وحجم المبيعات لتنمية المنتَج أو الخدمة وخلق قنوات عوائد مستدامة، أما المسوِّق فلا يُعنى سوى بتوعية المستخدِمين حول وجود المنتَج أو الخدمة بهدف تحقيق الانتشار".
ثمة تكامل في الأدوار يربط بين التسويق والنموّ السريع، فبحسب عبد القادر: "في الوقت الذي يُعنى فيه المسوِّق بتحويل الزيارات إلى مبيعاتٍ فعلية، يهتمّ مسرِّع النموّ برحلة المستخدم من الألف إلى الياء بهدف تحفيزه لتكرار التجربة".
نماذج نجاح عالمية
من عام لآخر، تتغير الدروب التي يسلكها مسرِّع النموّ في سبيل تحقيق أهدافه بتوفير تجربة مثالية للمستخدم. وفي عصرٍ تسود فيه لغة الرقميات، تطوّر مفهوم التسويق تدريجياً ليأخذ نمطًا جديدًا قد يسوّق فيه المنتَج الرقمي لنفسه وينمو بنسب خيالية.
لعلّ "دروب بوكس" Dropbox لتخزين الملفات السحابية تمثّل قصة نجاح واضحة في ما يتعلق بالاعتماد على استراتيجية النموّ السريع، حيث نما عدد مستخدمي الشركة من 100 ألفٍ إلى 4 ملايين في 15 شهراً.
قامت الشركة بالترويج لمنتَجها رقميّاً عن طريق برنامج التوصية الخاص بـ"دروب بوكس" Dropbox Referral Program، حيث منحَت المستخدمين مساحات تخزينٍ إضافية إذا ما حفّزوا أصدقاءهم على التسجيل.
وفيما يحصل مستخدم "دروب بوكس" في المعتاد على 2.5 جيجا بايت كمساحة تخزين، يحصل مستخدمو برنامج التوصية على مساحةٍ تصل إلى 16 جيجا بايت، إذا أتمّ أصدقاؤهم عملية التسجيل.
على صعيدٍ متصل، تُعدّ "إنستجرام" Instagram أيضًا قصّة نجاحٍ أخرى بطلها النموّ السريع.
انطلقت الشركة في عام 2010 وبلغ عدد تنزيلات التطبيق على "آي أو إس" iOS 5 ملايين تنزيل في حزيران/يونيو 2011. وفي نيسان/أبريل 2012، بلغ عدد المستخدمين 30 مليوناً، لتطلق الشركة تطبيق "أندرويد" Android في الشهر ذاته ومن ثمّ تحصل على مليون تسجيل في 24 ساعة. وفي مطلع عام 2013، بلغ عدد المستخدمين الإجمالي 100 مليون مستخدمٍ وصولاً إلى استحواذ "فايسبوك" Facebook على الشركة التي وصل عدد مستخدِميها هذا العام إلى 400 مليون مستخدم مسجّل.
"هنا يبرز دور مسرِّع النموّ في بلورة رؤية الشركات الناشئة وتحويلها إلى أرض الواقع،" بحسب عبد القادر الذي يضيف أنّ مسرّع النموّ هذا "يتحمل مسؤولية تفعيل نظرية (النموّ قبل المال)، إذ يتعين على الشركات الناشئة خوض غمار تحدي توسيع قاعدة عملائها قبل التفكير في الاستثمارات".
النموّ السريع في سبيل الاستثمار
النمو السريع هو عنصر الجذب الفعلي للاستثمار بحيث تحتاج الشركات الناشئة إلى نموٍّ بمعدّلٍ يتراوح بين 5 و7% أسبوعيًا. أمّا الشركات الكبرى، على حدّ قول عبد القادر، "فهي لا تطمح إلى أكثر من 5% من النموّ سنويًا".
من جهته، يتفق تامر عازر، مدير الاستثمارات وتطوير المشاريع في "إيه15"، والمسؤول عن كافة القرارات الاستثمارية للشركة؛ مع رأي عبد القادر.
ويقول في هذا الصدد إنّ "معايير التصويب على الشركات الواعدة الصالحة للاستثمار متعدّدة، وأسلوب النموّ السريع يعتبَر أحد أبرز هذه المعايير. الفريق القادر على تنمية شركته دون تحمل أعباء مالية باهظة وبطريقة مبتكرة، يحصل على أولوية الاستثمار حيث يتضّح للمستثمر قدرته على استغلال الموارد على النحو الأمثل، وهو ما يعزز من العائد الاستثماري".
ويتابع عازر أنّ "الفريق الذي يعرف احتياجاته ونقاط الضعف والقوة لأفراده وشركته هو الأجدر بكلّ تأكيد بالحصول على استثمار يدعمه في رحلة النمو، بعدما يتبين نجاحه في الاعتماد على التمويل الذاتي لتحقيق نموّ مُرضِ للشركة".
هذه النظريات ليست مستحيلة التنفيذ كما يرى عازر الذي يؤمن جدًا بقابلية تفعيلها على الأرض. "يمكن لمؤسّسي أيّ شركة الاعتماد على شبكة علاقاتهم للوصول إلى أهدافهم،" يقول عازر، شارحاً أنّ "الأفضل من ذلك برأيي هو التنقيب عن وسائل تسويقية وتنموية غير مكلفة أبرزها المجموعات المغلقة على ’فيسبوك‘ مثلاً، عن طريق الطلب من الزبائن الحاليين ترشيح زبائن جدد في مقابل الحصول على هدايا أو خدمات مجانية".
مزيد من النصائح لرواد الأعمال
يحذّر عبد القادر روّاد الأعمال من الوقوع أسرى فكرة أنّه يوجد منهجٌ للنموّ السريع يمكننا النقل عنه. "فكلّ شركة لها قصّةٌ مختلفة ونموذج عمل مستقل، ومن ثمّ ينبغي على مؤسّسيها إنشاء استراتيجية نموّ سريع تناسب فكرتهم، مع الأخذ في الاعتبار الموارد المتاحة".
ومن أجل ذلك، يذكر أنّه عليك أن "تقيم أكثر من فكرةٍ للنموّ السريع، وفقًا لـ3 معايير رئيسة هي الأثر المتوقّع وثقتك في فاعليتها وسهولة اختبار الفكرة دون تكاليف باهظة".
يحذر عبد القادر من أن يعتمد مسرِّع النموّ على قناةٍ واحدة للتسويق وتحقيق نموٍّ سريع، "لأنّ ذلك يمثل تهديدًا صريحًا للمشروع". ويشرح أنّه "إذا أصبح ’فيسبوك‘ يأتي لك بأكثر من 50% من عملاء وزائري الموقع، ثم قرّرَت شبكة التواصل هذه تغيير استراتيجياتها أو خوازرميتها المُفعّلة، فإنّ ذلك يهدّد استدامة مشروعك ككلّ".