الملاحظات الصريحة من الأمور التي يحتاجها الرواد التونسيون للنجاح [رأي]
يحتاج الرواد التونسيون إلى المضيّ قدُماً وتحمّل المسؤولية. (الصورة من "ويكيميديا كومونز" Wikimedia Commons)
بعد عملي مع روّاد أعمالٍ في وادي السيلكون وكندا وأوروبا، جئتُ إلى تونس في عام 2015 للمساعدة في إطلاق "معهد المؤسِّسين" Founder Institute، فوجدتُ هذا البلد نشطاً على نحوٍ مفاجئ.
لقد وجدتُ الكثير من روّاد الأعمال ومسرّعات النموّ الجديدة وحاضنات الأعمال وصناديق التمويل، جميعها تبني البيئة الريادية وتخوض غمارها.
لكن، لماذا لم نشهد قصص نجاحٍ بعد؟ وهل سيكون لتونس شركاتٌ خاصّةٌ بها مثل "سكايب" Skype أو "فايبر" Viber؟
تدفعني خبرتي مع روّاد الأعمال في العالم إلى طرح بعض الأسئلة:
- هل تعاني تونس من نقصٍ في روّاد الأعمال الذين يمتلكون الرؤية اللازمة لتحديد المشاكل الحقيقية؟ بالطبع لا.
- هل يختلف المؤسِّسون هنا عن المؤسِّسين في بقية أنحاء العالم، في بلدان قريبةٍ مثل مصر او بعيدةٍ كأستراليا؟ لا، فهنا لا ينقصنا الرؤية وأصحاب الكفاءات.
أرى أنّ المشكلة تكمن في خمس نقاط ضعفٍ تعيق روّاد الأعمال في هذا البلد.
لنتوقّف عن الأعذار
يوجد مرضٌ اجتماعيّ يؤثّر على تونس، وهو ظاهرة "الأعذار".
فعند طرح سؤالٍ مثل "لماذا لا تمتلك منتَجاً قابلاً للاستمرار بالحدّ الأدنى MVP بعد؟"، يُجاب عليه بالقول: "لم أستطِع لأنّه كان عليّ العمل في وظيفتي"، أو "لم يكن لديّ المال الكافي"، أو "لا يوجد ما يكفي من الدعم".
هذا ما نحن عليه وهذه هي ثقافتنا، للأسف. نحن نميل إلى رؤية الجانب السلبي من الأمور ونصف الكوب الفارغ. في المقابل، وبناءً على تجارب روّاد أعمال آخرين كنتُ قد رأيتُهم حول العالم، يمكنني القول إنّ هذا ليس صحيحاً بالتأكيد لأنّ المنتَج القابل للاستمرار بالحدّ الأدنى يمكن أن يُصنَع يدويّاً من دون مالٍ ولا موارد حتّى.
من الأمثلة على ذلك، جاجان بياني الذي أسّس خدمة "سبريج" Sprig لتوصيل الوجبات؛ لقد قام هذا الرياديّ بتجربة خدمته لأيام قليلةٍ من خلال صفحةٍ على "إيفنتبرايت" Eventbrite، وجدولٍ على أحد البرمجيات المكتبية لرصد وتدوين المخزون.
أعتقد أنّ هذه الأعذار تحول دون نجاح روّاد الأعمال التونسيين. فهُم بحاجةٍ إلى فهم أنّه مهما كان الأمر الذي يقومون به، إنّما يقومون به لأنفسهم في المقام الأوّل وليس لأيّ شخصٍ آخر.
الروّاد الحقيقيون هُم الذين يرون أنّ النتيجة النهائية هي الأهمّ، وهُم الذين يتحمّلون مسؤولية أعمالهم، ولا يخافون الفشل، ويلتزمون القيام بكلّ ما يلزم لتحقيق أهدافهم.
لنتخلَّ عن الغرور
من الظواهر الاجتماعية الأخرى التي تؤثّر على البيئة الريادية في تونس، هي متلازمة "أنا رائعٌ وناجح".
لقد قابلتُ بعض الأشخاص الذين حقّقوا نجاحاتٍ صغيرة، مثل الفوز بمسابقةٍ ترتكز إلى عدد الإعجابات على "فايسبوك" Facebook، ويظنّون أنّهم حققوا النجاح.
كما أنّ وسائل الإعلام المحلّية تلعب دوراً سلبياً عند طرحها لعناوين مثل "التونسي الأوّل الذي فاز في أفضل مسابقة"، أو "الشركة الناشئة رقم واحد التي هزمَت الجميع..."
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ بعض روّاد الأعمال لا يمتلكون شيئاً قويّاً لتقديمه والجمهور يصفّق لعروضٍ غير واقعية.
روّاد الأعمال الأنانيون هم أسوأ مَن يمكن العمل معهم كموظّفين أو شركاء. فهُم لا ينسبون شيئاً لفرَقهم، ما يدفع الموظّفين إلى تركهم. كما أنّهم لا يستمعون إلى الآخرين ويظنّون أنّهم يعرفون كلّ شيء، وهذا ما يقودهم إلى الفشل حتماً.
لا، أنتَ لا تعرف كلّ شيء
"لقد صمّمتُ هذا التطبيق لمساعدة الأطبّاء في الحصول على مزيدٍ من المرضى": هل أنتَ طبيب؟ لا. هل سبق لك وتكلّمتَ مع أطبّاء؟ لا. إذاً، كيف تعرف أنّهم يحتاجون إلى مثل هذا التطبيق؟
في تونس، يوجد مشكلةٌ لدى روّاد الأعمال الذين يفشلون، بحيث أنّهم يبدؤون بتصميم منتَجاتهم والعمل عليها، لسنواتٍ أحياناً، قبل أن يتحدّثوا مع العملاء الفعليين أو الأشخاص الذين قد يدفعون مقابل الحصول على هذه المنتَجات.
اكتشاف العملاء وتنميتهم هي من النواحي المهمَلة، لأنّ الروّاد التونسيين غالباً ما يعتقدون أنّهم يعرفون ما يحتاجه عملاؤهم؛ عادةً ما يكون ذلك تحيّزاً- فنحن نحاول إيجاد حلولٍ لمشاكل العملاء حسبما نراها نحن.
وحقيقة الأمر أنّه ينبغي قبل أن تبني منتَجك، عليك أن تفهَم احتياجات عملائك ومشاكلهم من أجل تقديم الحلّ الصحيح.
اذهبوا إلى السوق
"لا أستطيع التوجّه إلى السوق قبل أن يكون لديّ المنتَج الأجمل والأفضل والأروع."
يمضي بعض المؤسِّسين التونسيين عدّة سنوات وهم يخافون من تسويق منتَجاتهم لأنّهم يعتقدون أنّ عليهم بناء منتَجٍ لا تشوبه شائبة.
ولكن عليهم أن يعرفوا أنّه لا يمكن الإساءة إلى علامتهم التجارية إذا لم تكن موجودةً بعد، وأنّه ليس من المهمّ أن يكون المنتَج مثالياً - فالمتبنّون الأوائل لا يهتمّون إلّا بالقيمة التي يحصلون عليها من المنتَج وبقدرته على إيجاد حلولٍ لمشاكلهم أو تحقيق بعض المكاسب لهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ردود فعل عملائك وتعليقاتهم هي ما يسمح لك بتعديل منتَجك وتحسينه في الوقت الذي تقوم فيه بتحديد بقيّة الميّزات. لذالك، ركِّز على ميزةٍ واحدة، وأطلِق نسخةً تجريبيةً، ثمّ أدخِل منتَجك إلى السوق.
حان الوقت لبعض الكلام القاسي
"مشروعٌ سيء"، هو ما يفكّر فيه أحد أعضاء لجنة تحكيم مسابقةٍ للشركات الناشئة؛ و"عملٌ رائع"، هو ما قد يقوله.
لقد رأيتُ هذا لدى بعض أعضاء لجان تحكيم المسابقات في تونس، وهُم يقومون بهذا الأمر كي يشجّعوا المتسابقين على المضيّ قدُماً وبناء منتَجاتهم.
ولكن في المقابل، على المرشدين أن يدلوا بالتعليقات الحقيقية لروّاد الأعمال الناشئين بدلاً من تجنّب جرح مشاعرهم. فالملاطفة تضيع وقت المؤسِّسين وتؤدّي إلى خفض مستواهم كما يمكن أن تودي بهم إلى الفشل.
الصدق حيال الفكرة التي يمتلكها رائد الأعمال يساهم في تجنّب العواقب الوخيمة لتأسيس الأعمال التجارية على أسس ضعيفة، إذ يقدّم لهم فرصةً حقيقيةً لبناء منتجٍ فعليّ وقابل للتوسّع، وبالتالي زيادة فرص نجاحهم.
والآن، ما يجب على روّاد الأعمال في تونس القيام به، هو التوقّف عن الكلام وبالبدء بالعمل؛ هذه البلاد جاهزةٌ لرؤية نتائج حقيقية، وأفضل طريقةٍ لإثباتِ أنّك تفعل ما تقوله هو عبر القيام بذلك.