كيف نطور الشركات التكنولوجيّة الناشئة في المنطقة؟
البيئة الرياديّة تنمو شيئاً فشيئاً (الصورة من "ميامي هيرالد" Miami Herald)
أصبحت الشركات التكنولوجية الناشئة أكثر أنواع الشركات رواجًا في العالم. وتعتبر قصص نجاح بيل غيتس وستيف جوبز، وحديثاً قصص مارك زوكربيرغ وجان كوم وكيفين سيستروم وترافيس كالانيك، مرجعًا للجيل الجديد من الشركات. فهذه القصص تخبرنا كيف أصبحت شركاتٌ مثل "فايسبوك" Facebook و"واتساب" Whatsapp و"إنستغرام" Instagram و"أوبر" Uber، شركات مزدهرةً كما نعرفها اليوم.
ولكن في الوقت الحالي، كيف تتطوّر الشركات الناشئة التكنولوجيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
من المعلوم أنّ هذا القسم من العالم يفيض بثقافة التجارة، ما يجعله موقعاً مثاليّاً لروّاد الأعمال. ففي عالمٍ تسيطر عليه البرمجيات، من المهمّ التمييز بين الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة والشركات الناشئة في الأسواق المتقدّمة، مثل أسواق الولايات المتحدة أو أوروبا. ومن المهمّ كذلك الاطّلاع على العوامل التي تساهم في ازدهار الشركات الناشئة التكنولوجيّة.
في هذه المنطقة، تتوجّه الشركات الناشئة التكنولوجيّة نحو قطاع الخدمات، وتقدّم تطبيقاتٍ تناسب ثقافة المستهلك في المنطقة، ومنها تطبيقات طلب الطعام والتوصيل الإلكترونيّة. وتشكّل هذه المشاريع فرصاً جيّدة لروّاد الأعمال لتأمين "دخل بديل"، ممّا يقلّص نسبة الاعتماد على وظائف الدولة ويشجّع روّاد الأعمال الطموحين على المباشرة في مشاريعهم. لكنّ الشركات الناشئة هذه، تميل إلى التركيز على السوق المحليّة في البلد التي تنشأ فيه وتجد صعوبة في التوسّع الى أسواق أخرى وتحقيق نموّ خارج نطاق المنطقة.
فتحقيق النموّ التصاعدي يتطلّب من رائد الأعمال أن يمتلك باقةً كبيرةً من المواهب يرافقها مناخٌ من القوانين الليبراليّة، ويشجّع هذا المناخ على إنشاء الشركات وحماية الملكيّة الفكريّة، كما يساهم في تأمين المرشِدين والمستثمرين التأسيسيين الذين يوصلونه الى رأس المال المخاطر والشركاء الإداريين على المدى البعيد.
أمّا على المدى القريب، فإنّ برامج الحكومة الدّاعمة التي تؤمّن تسهيلات للعمل الجماعي، وإعلانات الخدمة العامة لتشجيع المخاطرة في ريادة الأعمال، بالإضافة الى برامج تطوير القدرات مثل حاضنات الأعمال والمسرّعات، ستؤسِّس لركيزة من الخدمات والتدريبات لدعم رائد الأعمال في مراحل عمله الأولى.
نقدّم فيما يلي بعض النقاط الأساسية الضرورية لدعم بيئة ريادة الأعمال:
1- التعديلات الثقافية
المخاطرة: يُعتبر إنشاء شركات ناشئة تكنولوجيّة مشروعاً عالي الخطورة.
وتنظر المنطقة العربية الى الخطورة بطريقةٍ مختلفة عن باقي دول العالم إذ إنّ النُبل الموجود في المحاولة الجديّة والعمل الدؤوب والفشل والتعلّم من الأخطاء يمرّ دون تقدير.
كما أنّ الضغوط العائلية التي تفرض تأمين "وظيفة ثابتة" في القطاع المالي أو قطاع النفط أو الحكومة، تزيد يوماً عن يوم. والفشل يعود بالعار على الشخص، وعائلته، ويؤثّر على نظرة المجتمع إليه. لذلك، يعتبر تعديل هذه النظرة للأمور ضرورةً لتأمين بيئة رياديّة داعمة.
النجاحات المحليّة: يحتاج كلّ مجتمع إلى قدوة في النجاح؛
أي فردٍ من أفراده قد حقق النجاح، ويمثّل الروح الرياديّة، ويرشد المجتمع ويظهر له كيف تعود المخاطرة الذكية والعمل الدؤوب والابتكار، بالفائدة على من يقوم بها.
الشركات على مثال "مكتوب" Maktoob، و"طلبات" Talabat، و"يميكسيبيتي" Yemeksepeti تمثّل ما يمكن أن تحقّقه الشركات الناشئة المحليّة، بخاصّةٍ بعد أن حققّت نجاحاتٍ وعائدات كبيرة عندما تمّ الاستحواذ عليها.
حقوق الملكيّة: يعدّ بيع الأسهم موضوع دقيق وحذر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبالرغم من أنّ اقتراض المال من العائلة والأصدقاء أمرٌ شائعٌ جدّاً، غير أنه لا يكفي لدعم متطلبات شركة سريعة النموّ. فالأسهم لا تباع عادة إلى مستثمرين خارجيين، ولا تحتسب عادةً قيمة السهم في الشركات الناشئة التي لا تنعم بتاريخ طويل من التدفّقات الماليّة.
أمّا بغية الوصول إلى رأس المال من مصادر أخرى، فيجب مشاركة هذه المعرفة.
السريّة: قد يخاف البعض من مشاركة الفكرة الرياديّة خوفًا من أن تتمّ سرقتها؛
لكن في مجال التكنولوجيا، لا تجدي المقاربات السريّة
نفعاً ولا تؤدّي إلى تعاونٍ كبيرٍ. ففي المجتمعات الكثيرة التعاون
نشأت أبرز أساليب الابتكار وأسرعها. فضلاً عن ذلك، من النادر أن تفوق
حماسة وعزيمة من سرق الفكرة حماسة وعزيمة صاحب الفكرة الأساسي.
2- كيفيّة دعم البيئة
الرياديّة
التشريعات القانونيّة: تشكّل البيروقراطيّة عائقاً أمام كلّ الشركات الناشئة؛
فالتسجيل البطيء للشركات، وقيمة الرأسمال المطلوب، والحماية غير الكافية لحقوق الملكية الفكرية، كلّها عوائق يجب أن تُبسّط كثيرًا لتصبح فعالّة أكثر.
في مجال الابتكار، يصادف المرء دائمًا أفكاراً تمّ تطويرها قبل أوانها أو لم يتمّ تطويرها بشكل كافٍ، وهذه أفكار تفشل. لذلك، يجب تحسين قوانين الإفلاس والعجز لكي تتمكّن الشركات غير الناجحة من إقفال أبوابها بشكل سريع وهادئ.
المواهب التقنيّة: تغذّي المقدرات الفكريّة الشركات الناشئة التكنولوجيّة وتشمل هذه المقدرات، الخبرة في تصميم تجربة المستخدم وواجهة المستخدم، وتطوير البرمجيات وضمانة الجودة، فضلاً عن خدمة الزبائن، وإدارة المنتجات والتسويق والمبيعات. وبالتالي، لدعم نموّ البيئة الريادية وعافيتها، يجب تطوير هذه القدرات محليّاً وإمّا استيرادها.
الحصول على رأس المال: بالنسبة لرائد الأعمال في المجال التكنولوجي، يشكّل المستثمرون التأسيسيون ومستثمرو رأس المال المخاطر الداعم الأساسي للنموّ.
كما يتطلّب جذب الاستثمارات المهنيّة أن يتوسّع رائد الأعمال في سوقٍ كبيرة بما فيه الكفاية، ليجني عائدات الاستثمار.
على المدى القريب، تعتبر برامج الحكومة فائقة الأهميّة للبدء بعملية الاستثمار. ومع الوقت، سيشارك في هذه الاستثمارات مستثمرون مهنيون آخرون.
البيئة الريادية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط والمشرق العربي تحمل إمكانات كبيرة
في الإجمال، تتمتّع البيئة الرياديّة الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمشرق بإمكانيّات كبيرة. أمّا التقدّم الملحوظ فيبقى رهناً بما ستتخذه الحكومات من خطوات لتشجيع هذه الإمكانيات. وفي هذا الصدد، تعتبر كلّ من البيروقراطية، ودعم تعليم العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات، وإنشاء حاضنات الأعمال والمسرّعات وتأمين رأس المال التأسيسي، خطوات أوليّة في الاتجاه الصحيح، فهي كلّ ما يحتاجه رائد الأعمال لينجح ويساهم في إنشاء بيئة ريادية مزدهرة.