ما الذي يعيق تقدّم الشركات الناشئة في تركيا؟
ثمّة ما يعيق تقدّمهم. (الصورة من Dwass على Foolishlego.com)
لا شكّ أنّ سنة 2015 التي ودّعناها مؤخّراً كانَت أيضاً حافلةً بالنشاطات والأحداث على ساحة الشركات الناشئة التكنولوجيّة في تركيا.
استضافت إسطنبول، التي تعتبر المركز التكنولوجي الأساسي في تركيا، عدداً كبيراً من الفعاليات التكنولوجيّة ومن بينها "ستارتب إسطنبول" Startup Istanbul وقمّة "ويبرازي" Webrazzi ومؤتمر "ديجيت أوروبا والشريق الأوسط وأفريقيا"DIGIT EMEA.
كما جذب المتحدّثون الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم، مثل رائد الأعمال والأكاديمي في وادي السيليكون ستيف بلانك، جمهوراً كبيراً لهذه الفعاليات التي أقامت كلٌّ منها مسابقاتٍ منحَت رّواد الأعمال الصغار والكبار فرص التعلّم وعرض الأفكار أمام مستثمِرين محتملين.
ستيف بلانك (إلى اليمين) يقدّم نصائحه لروّاد الأعمال في "ستارتب إسطنبول 2015" (الصورة من Startupist.com)
وفي كلٍّ من هذه المسابقات، أُعطِي المتبارون عدّة دقائق لعرض مشاريعهم أمام لجنة تحكيم تتألّف من مستثمرين وروّاد أعمال كبار. ومع أنّ المنافسات كانت محتدمة في كلّ الفعاليات كما كان متوقّعاً، غير أنّ النقص الحاد في المواهب المحليّة ظهر في قسم المشاريع في المنافسات الثلاث. ولكن يمكن اعتبار هذا النقص استثناءً في هذا العام فقط، كونه في السنوات السابقة وصلت شركاتٌ ناشئة تركية إلى قائمة المتبارين النهائيين وفازت بعضها بالمسابقات.
بالرغم من هذا، من المهمّ دراسة البيئة المحيطة بالشركات المحلية التركية ووضعها تحت المجهر لاكتشاف السبب الذي يعيقها عن اللحاق ببلدان المنطقة العربية الأخرى في مجال ريادة الأعمال.
واحات من المواهب والدعم
في مقابل كلّ ذلك، تتمتّع تركيا بقدرةٍ كبيرة على توسيع سوق الشركات الناشئة التكنولوجيّة. فمن حيث الموقع الجغرافي، تقع هذه الدولة بين أوروبا وآسيا، مما يسهّل عمليّة الوصول منها إلى أسواق تكنولوجية عدّة، ما يجذب المستثمرين نحوها.
وهذا الموقع الجاذب شكّل السبب الأساسي الذي دفع المستثمر المُخاطر من "بي نكست" Beenext، تيرو ساتو، للقول بأنّ هذا السوق التركية للشركات الناشئة التكنولوجية تميّزت عن سائر أسواق المنطقة ما منحها ميزةً تنافسية أثارَت اهتمامه.
تيرو ساتو خلال "ستارتب إسطنبول" في تركيا عام 2015 (الصورة من Thebridge.jp)
ويشكّل التفاوت الديمغرافي في تركيا أيضاً ميزة إضافيّة أمام المستثمرين، إذ أنّ هذه البلاد مليئةً برّواد ومستخدمي التكنولوجيا الجدد ونصف سكّانها الذين يبلغ عددهم 77 مليون نسمة لا يتخطّى عمرهم 30 عاماً. وتعود أهمّية هذا التفاوت الديمغرافي إلى العدد الكبير من خرّيجي الجامعات الموهوبين والطموحين الذين يمتلكون خلفياتٍ في العلوم وتكنولوجيا المعلومات. وبالمقارنة مع بلدان أخرى، منها الولايات المتحدة وهولندا والنروج وبولندا والبرازيل والتشيلي، تسجّل تركيا أرقاماً جيدة تقارب 18% من الطلاّب الذين يتخصّصون في إحدى هذه العلوم.
من جهة أخرى، يوجد في تركيا عددٌ كبيرٌ من الهيئات الحكوميّة التي تؤمّن التمويل لروّاد الأعمال الناشطين، من أهمّها "مجلس الأبحاث العلميّة والتكنولوجيّة" التركي Tubitak، الذي يقدّم برامج تدعم تكاليف البحث والتطوير في الشركات الناشئة التكنولوجيّة ويقدّم استثمارات إضافية لصناديق رأس المال المخاطر والمستثمرين التأسيسيين.
فضلاً عن ذلك، يوجد في تركيا عدد صغير من حاضنات الأعمال لكنّه يتزايد يوماً بعد يوم. ومنها "إندفور تركيا" Endeavor Turkey، وهي حاضنة التي لا تبغي الربح وتسعى لإقامة صلة وصلٍ بين الشركات الناشئة ومستثمرين محتملين أو بينهم وبين شركات يساهمون في تسريع نموّهم.
شوارع تركيا تتلألأ بالأضواء الجميلة ولكن هل من أموال للشركات الناشئة؟ (الصورة من Allevents.in)
بالمقارنة مع الأسواق الناشئة الأخرى، يعتبر استثمار القطاع الخاص في الشركات الناشئة التكنولوجيّة في تركيا صغيراً جدّاً، ممّا يعكس حالةً من التوتّر حول الاقتصاد التركي وضعف الليرة التركيّة.
رغم ذلك، نشأت في السنوات الأخيرة عدّة شركات تعنى برأس المال المخاطر والاستثمارات التأسيسية مثل "212 كابيتال" 212 Capital و"جالاتا بيزنس أنجلز" Galata Business Angels. وشكّلت هذه الشركات إحدى الركائز الأساسية لبناء بيئةٍ رياديّةٍ رقميّةٍ استحوذت على انتباه شركات استثمارات الدوليّة كـ"ستارتب 500" Startup 500 مثلاً.
سوقٌ يخطو خطواته الأولى
في السنوات الماضية، ظهرت عدّة استثمارات كبيرة تشمل شركات ناشئة تركيّة، وأكبرها تعود من دون منازع خدمة توصيل الطعام "دليفري هيرو"Delivery Hero التي إستحوذت على "يميكسيبيتي" Yemeksepeti مقابل 589 مليون دولار في أيّار/مايو.
كما يشكّل الاستثمار الذي بلغت قيمته 100 مليون دولار والذي قامت به شركة الاستثمارات العالمية الخاصّة، "مجموعة أبراج" Abraaj Group، في شركة التجارة الإلكترونية "هيبسيبورادا" Hepsiburada، نجاحاً آخر للشركات الناشئة التركيّة.
في المقابل، تعتبر هذه الاستثمارات الكبيرة نادرةً في عالم الشركات الناشئة التركيّة، وهذا أمرٌ طبيعي نسبةً لحداثة الشركات الناشئة التكنولوجيّة في تركيا. فقد تأسّسَت كلّ من "هيبسيبورادا" و"يمكسيبيتي" منذ 15 سنة فقط حين ظهرت للمرّة الأولى في البلاد الشركات الناشئة المحليّة على الإنترنت.
خلال عدّة محادثات مع روّاد أعمال محلييّن عن فرص النموّ المحتمل، تمّ التشديد على فكرة أنّ تطوير بيئة رقميّة حاضنة بدأ في أوروبا وفي الشرق الأوسط قبل أن يبدأ في تركيا، وأنّ عمليّة التطوير هذه تتطلب المدّة عينها. أمّا مع الوقت، فيجدر أن تشجّع قصص النجاح المتكررة في تركيا جيلاً جديداً من روّاد الأعمال.
الحاجة إلى التوسّع
في موضوع التطوير، يعود أيضاً تراجع الأسواق التركيّة بالنسبة للأسواق الأخرى إلى عقليّة روّاد الأعمال.
فقد ذكر العديد من روّاد الأعمال المطّلعين على التركيبة المحليّة، مثل "ستارتب إسطنبول" والممول التأسيسي براك بويوكديمير، "الروح الرياديّة المميزة" في تركيا.
سيركان أونسال من "ستارتب ووتش" (الصورة من "لينكد إن")
من جهته، يقول الرياديّ التركيّ المخضرَم ومؤسِّس منصّة "ستارتب ووتش" Startups.Watch لتحليل الاستثمارات، سيركان أونسال، إنّ "روّاد الأعمال الأتراك عليهم أن يغيّروا طريقة تفكيرهم فيما يتعلّق بالأسواق التي يطمحون الدخول اليها." ويشرح ذلك قائلاً إنّ "روّاد الأعمال لا يحاولون التفكير عالميّاً، ويكتفون بالأسواق المحليّة."
وبحسب أونسال، يجب أن يتغيّر أسلوب التفكير هذا، ذاكراً الشركتين الإسكندنافيتين "سكايب" Skype و"روفيو" Rovio اللّتين توجّهتا لجمهورٍ عالمي منذ البداية.
ويوجد طبعاً أمثلة أخرى لشركات تشبهها إنّما على نطاقٍ أصغر.
من الجليّ أنّ الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب كان له أثرٌ كبيرٌ على الاستثمارات الدوليّة في تركيا عام 2015، ولكن مع انتهاء الانتخابات النيابية في تشرين الثاني/نوفمبر، يمكن أن تخفت هذه المخاوف وأن تقوى الليرة التركية شيئاً فشيئاً.
بحسب "كريدي سويس" Credit Suisse، يعتبر التفاوت في الدخل الفرديّ في تركيا الثاني بعد روسيا، لكنّه قد يقلّ مع الوقت ممّا يوسّع شريحة العملاء المحتملين للعديد من الشركات الناشئة ويقلّل من صعوبة دخول الأسواق لمن يهمّه إدارة شركته في القطاع التكنولوجي.
وبالرغم من الشروط الكثيرة التي من المفترض اتّباعها لتحقيق هذه النتائج، إلّا أنّه مع العمل الدؤوب والقليل من الحظّ يمكن أن تحقّق الشركات الناشئة المحليّة نجاحات كبيرة.