كيف أعادَت الحكومة التونسية إحياء الاقتصاد؟ [رأي]
تونس في عام 2015 ستكون مختلفةً تماماً عن تونس التي أشعلَت "الربيع العربي". (الصورة من Hongkiat)
* هذه المقالة تفترض ما يمكن أن تصبح عليه تونس في عام 2025.
بعد الثورة التي انطلقَت من تونس عام 2011 وأشعلَت "الربيع العربي"، شهد الاقتصاد التونسيّ فترةً من الركود استمرَّت لعشر سنوات، وتحوّل النموّ المنخفض إلى نموٍّ سلبيّ، في الوقت نفسه الذي شهد فيه العام أكبر أزمةٍ اقتصاديةٍ خلال قرن.
وبالتالي فإنّ تونس التي طال اعتمادها على نموذجٍ اقتصاديّ من الستَينات والسبعينات بسبب عدم كفاءة الحكومة وأنانية النخبة الاقتصادية والنظام الماليّ المختلّ، فوّتَت على نفسها فرصةً تاريخية.
ففي حين تحوّلَت الاقتصادات الأخرى في أفريقيا وجنوبها نحو الاستثمار فيما كان وقتها تكنولوجيا ناشئة، أبقَت تونس تركيزها على السياحة المتعثّرة والصناعات الخفيفة والقطاعات التي تعتمد على الاستعانة بمصادر خارجية من الحدود المجاورة nearshoring.
ولكن قبل أربع سنوات، في عام 2021، تولّت حكومةٌ جديدة زمام الأمور وبدأت رياح التغيير بإزالة السُبات الذي استمرّ طوال عقدٍ من الزمن.
رئيسة الحكومة، سامية بن يحيى التي تبلغ 42 عاماً، خرّيجة جامعة ستانفورد وبطلة السباحة ورائدة أعمال التكنولوجيا، صرّحَت فور استلام مهامها بأنّ "تونس ستكون عاصمة المتوسّط للابتكار".
والحكومة التي كانت تُدرك أنّ الشركات الناشئة الناجحة تحتاج إلى ثلاثة مكوّنات رئيسية هي رأس المال والمهارة وروح التمرّد، وضعَت على رأس أولويّاتها الاستفادة من موجودات البلاد لبناء بيئةٍ حاضنةٍ للشركات الناشئة تنبض بالحياة.
وخلال أربعة أشهر، أطلقَت الحكومة برنامج ‘إبدأ في تونس‘ Start in Tunisia، وهو برنامج وطنيّ "لتزويد العالم بشركةٍ مميّزة - تبلغ قيمتها مليار دولار - كلّ عامٍ، بدءاً من عام 2027".
وُوجهَت هذه الأهداف الطموحة بالتشكيك والاستهزاء في البداية، ولكن بعد أربع سنواتٍ تمكّنَت شركتان تستقرّان في تونس من إتمام اكتتاباتٍ ناجحة في بورصة نيويورك.
وحصلَت شركة "إنفنتي" Invemty لبيع الأجهزة المحمولة بالتجزئة، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، على تمويلٍ يبلغ أكثر من 7.6 مليارات دولار؛ فيما تمكّنَت شركة "جوك" GoK للألعاب الإلكترونية، والتي أنشأت أوّل لعبةٍ ناجحةٍ بالواقع المعزّز لكبار السنّ، من الحصول على تمويلٍ بقيمة 1.64 مليار دولار.
هذا ووفقاً لمسؤولين حكوميين، فإنّ الشركات التي استفادَت من برنامج ‘إبدأ في تونس‘ حصلَت على استثماراتٍ بلغ مجموعها 26 مليار دولار من شركات استثمارٍ مخاطر من وادي السيلكون وبرلين.
يُذكر أنّ برنامج ‘إبدأ في تونس‘ مخصّص لجذب الشركات الناشئة من مختلف أنحاء العالم، التي تبحث عم مركزٍ بديلٍ عن لندن وباريس وبرلين ودبي، يكون متمتّعاً بمعايير ممتازة للعيش وإمداداتٍ ثابتة بخرّيجي الهندسة الموهوبين، وبالمال الاستثماري بطبيعة الحال.
بدورها، قامَت الحكومة التونسية بتمويل أكثر من خمسة صناديق تمويل للمراحل المبكرة بما مجموعه مليارَي دولار، كما استثمرَت في شركات ناشئة على استعدادٍ للانتقال إلى تونس لمدّة عام.
ركّز هذا البرنامج الحكومي هذا على جذب المواهب في مجالات الألعاب الإلكترونية والذكاء الاصطناعيّ، وهما قطاعان لطالما كانا قويَّين في البلدان التي تشتهر بالتكنولوجيا. ومن خلال استثمار قرابة 3 مليارات دولار في البحوث وبرامج الابتكار الخاصّة بهاذين القطاعَين والتركيز الشديد عليهما، نجحَت البلاد في استطاب باحثين ومهندسين ومطوّري برامج ومصّممين من الدرجة الأولى، ومن مختلف أرجاء العالم.
والإصلاح الشامل للإطار الإداري والقانوني الخاص بإنشاء الشركات الناشئة، أزال العقبات التي كانت في الماضي قد صدَّت حتى روّاد الأعمال المحلّيين.
"الثورة" هي المكوّن الرئيسي لهذا النجاح، بحسب بيتر تشانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفنتي" وهي الشركة التونسية الأولى التي تُدرَج في بورصة نيويورك. وتابع تشانغ قائلاً إنّ "الناس في تونس يمتلكون ثقافة تحدّي الوضع القائم، فقد وجدنا الكثير من الشباب المستعدّين لبذل جهودٍ إضافيةٍ لتغيير العالم."
والآن، إنّ البيئات الحاضنة القوية في قطاعَي الألعاب الإلكترونية والذكاء الاصطناعيّ بدأت تحفّز الابتكار في القطاعات الأخرى، ويبدو أنّ تونس ستنمو أكثر وأكثر بفضل مكانتها الجديدة كعاصمةٍ للابتكار في المنطقة.
فقصص النجاح التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والكثير من الشركات التي تبني منتَجاتٍ ثوريةٍ تهزّ العالم، تعمل على تغيير اقتصاد هذا البلد الناشئ بشكلٍ جذريّ. كما أنّ القطاع المالي ونظام التعليم العالي القديمان والجامدان قد تغيّرا جذريّاً أيضاً.
نحن إذاً أمام عملية إعادة هيكلة للاقتصاد واسعة النطاق.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الناتج المحلّي في تونس بنسبة 12% خلال العام الماضي، كما أنّ توقّعات النموّ قويّةٌ جدّاً للسنوات الخمس المقبلة، حتّى أنّ وكالة "موديز" Moody’s قد حسّنت من موقع تونس بالنسبة إلى درجة المَخاطر أربع مرّاتٍ خلال العامَين المنصرمَين.