يوم في حياة إحدى أبرز صاحبات الأعمال السعوديات
إنّ التكلم مع ياسمين التويجري يشبه نفحة هواء منعش في فصل الحرّ. فقد أعادني شغفها وحماسها إلى فعالية التواصل والإرشاد في الرياض "ميكس أن منتور" حين تسنت لنا الفرصة للتكلم مع رياديات سعوديات طموحات حول شركاتهن الناشئة وكيف يقمن توازنًا بين حياتهن المهنية والشخصية، إضافة إلى التحديات التي يواجهنها في العمل والصور النمطية التي ينظر بها المجتمع إلى النساء العاملات.
غير أن حديثنا أخذ منحىً آخر هذه المرة. فياسمين التويجري ليست بامرأة عادية. بعد التخرج والحصول على إجازة في الصحة العامة والتزوج، انتقلت مع زوجها إلى بوسطن حيث أكملت الدراسة للحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة "تافتس"Tufts University. في العام 2002، عاد الزوجان إلى المملكة العربية السعودية حيث شغلت التويجري منصباً في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية متوليةً مسؤولية مراجعة كافة المواد الطبية التي تُدرس في الجامعة، غير أنّها لم تكن راضية عما تفعله تماماً. لذا انتقلت بعد عامين إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض لتترأس قسم أبحاث الوبائيات فيه. وهناك اكتشفت شغفها الحقيقي: البحوث.
وهنا بدأت الرحلة...
الوبائيات هي العلم الذي يدرس أسباب وآثار الأمراض في بلد معين. وتشرح هنا قائلةً: "يعتقد الكثيرون أن علم الوبائيات يتمحور كله حول الإنفلونزا والعدوى، لكنّه في الواقع أعمق بكثير من ذلك. فثمة الكثير من الجوانب الأخرى التي علينا التطرق إليها في السعودية مثلاً. وكنت مهتمة بالبدانة على وجه الخصوص. ولذا درسنا في ذلك الوقت نسبة البدانة بين تلاميذ المدارس ووجدنا أنّها مشابهة للنسب في الولايات المتحدة. غير أنّه كلما كبر الأطفال السعوديون في السنّ، زادوا بدانةً عن الأطفال الأميركيين". لذا حاولوا التعرّف إلى الأسباب التي تقف وراء ذلك.
في خلال عملها في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، دعيت للمشاركة في مشروع يدرس الصحة النفسية والعامة في البلاد. وتقول هنا: "تمثل الصحة النفسية وباءً عالمياً متنامياً. إنّه وباء صامت والقليل جداً من البلدان مجهزة للتعامل معه". لمعرفة ما الذي يسبب هذه الأمراض التي ما زالت تعتبر من المحرمات في عدد لا يُحصى من البلدان، أطلق الفريق الذي يعمل على المشروع، ومن ضمنه هي، "استطلاعاً عصرياً وحديثاً" بالاشتراك مع جامعتي "هارفرد" Harvard و "ميشيغان" Michigan.
قرع أبواب الناس
بمساعدة وزارتي الداخلية والصحة ومكتب التعداد، تمكّن الفريق من الحصول على معلومات عن الأشخاص الذين يجب مقابلتهم وإبلاغ البلديات المحلية عن تواجدهم. بعد تدريب فريق من المقابلين حول كيفية زيارة الأشخاص في منازلهم والطلب منهم بضع دقائق من وقتهم، باتوا جاهزين للانطلاق. وشرحت هنا: "قد يدعوهم الأشخاص الذين تتم مقابلتهم للدخول والجلوس معهم. سيستخدم المقابلون الحواسيب المحمولة لعرض الأسئلة مع الخيارات المتعددة. ويمكننا في الوقت عينه أن نراقب في مقرنا من يقوم بالمقابلة وكم ثانية مضت بين السؤال والآخر".
حالما ينتهي الاستطلاع في العام 2015، سيتم جمع كل البيانات وتحليلها لتطبيق برامج محددة في السعودية. لقد ساهمت أطراف كثيرة في تمويل المشروع ومنها شركة "أبراج كابيتال" Abraaj Capital وجامعة الملك سعود والشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" SABIC (الممول الأكبر) ووزارة الصحة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، تحت رعاية مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة.
إلى جانب وظيفتها اليومية، التويجري هي عضو في مجلس لجنة المرأة السعودية في العلوم وهي شبكة تجمع النساء معاً ليتعاونّ ويتواصلن ويتشاركن أفضل الممارسات. كما تم ترشيحها أيضاً بالتصويت الشعبي لتكون عضواً في منظمة النهضة الخيرية وهي منظمة غير حكومية تعمل على تمكين النساء، وقد اختارتها "بي بي سي" مؤخراً لتكون من بين أكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم حولهنّ... وفي وقت لا تزال النساء فيه غير قادرات على القيادة في السعودية، تقرّ التويجري: "أنا محظوظة. لديّ وظيفة تسمح لي بأن يكون لدي سيارة وسائق. يمكنني أن أقلّ أطفالي إلى المدرسة وأن أقوم بما علي فعله".
يوم من حياة ياسمين التويجري
في حين قد تبدو لك مسيرة التويجري سلسة ومليئة بالفرص، إلاّ أنّها مكتظة بالكثير من العمل والمتابعة والتنسيق. إليك لمحة عن يوم عادي من حياتها، بكلماتها الخاصة.
5:30 صباحاً: أستيقظ، لطالما استيقظت باكراً. أصلي ومن ثم أتفقد بريدي الإلكتروني وحساباتي على شبكات التواصل الاجتماعي.
7:00 صباحاً: أجري اجتماعاً سريعاً مع أحد معلمي أطفالي قبل أن تبدأ صفوفهم. هذا هو الوقت المثالي بالنسبة لي لأناقش معهم أي جانب من جوانب تعليمهم، لذا أحاول أن أتواصل معهم كل أسبوعين تقريباً. ولا أحتاج عادةً إلى أكثر من 15 دقيقة ليطلعني فيها هؤلاء المعلمون على آخر المستجدات.
7:15 صباحاً: أنطلق إلى العمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. الرحلة الطويلة، ما يعني أنّه الوقت الأنسب لأقرأ الرسائل الإلكترونية وأتفقد حسابي على "تويتر" والمدونات والمقالات الجديدة وأجري اتصالاتي.
8:00 صباحاً: أتوجه أولاً إلى مكتب مدير المشروع للحصول على آخر المستجدات حول استطلاع الصحة النفسية. غالباً ما نواجه حالات غير متوقعة علينا حلها وتعديلها خلال هذه الاجتماعات الصباحية. أنا محظوظة لأنّني جزء من أكثر فريق بحث تفانياً وحماساً. فهم يجعلون من القدوم إلى العمل أمراً أتلهف إليه كل يوم!
9 – 10 صباحاً: أجتمع لمناقشة إنشاء بنك حيوي جديد هو الأول من نوعه في البلد ولديه إمكانيات بحثية كبيرة.
10 – 11 صباحاً: أجتمع مع أحد أعضاء طاقم علم الوبائيات لتقييم أداء الموظفين السنوي ونناقش أهداف الأداء والتطور للعام المقبل فنحن نقدر فعلاً كل فرد في قسمنا ونحاول أن نضمن أنهم ينمون ويطورون قدراتهم مع الوقت.
11 صباحاً – 2 ظهراً: أخصص هذا الوقت لكتابة اقتراح البنك الحيوي والشروع في نشر المذكرات ومراجعة مسودات تقارير بحثنا المرحلية أو القيام بالبحوث لمشروعنا الجديد. يبقى باب مكتبي مفتوحاً إلاّ أنّني أحاول أن أحمي هذا الوقت لكي أنهي هذه المهام.
2 – 3 بعد الظهر: أجري مقابلة على "سكايب" Skype مع متقدم لإحدى الوظائف. أنا في بحث دائم عن أفراد موهوبين، إما لقسمي أو لأقسام أخرى. فعملنا يتطلب متخرجين ذوي كفاءات عالية. لذا، كلما وجدنا سيرة ذاتية ملفتة، نتواصل مع الشخص على الفور.
3 – 3:30 بعد الظهر: أسير إلى "ستاربكس" أو "دكتور كافيه" Dr. Cafe لأشرب فنجان كابوتشينو. ألتقي عادةً في هذا الوقت بأحد الأصدقاء أو المتعاونين معنا. يتصل بي أيضاً أطفالي في هذا الوقت في طريق عودتهم من المدرسة وأخطط معهم لبرنامجهم لما تبقى من اليوم وأراجع مواعيد تسليمهم فروضهم ومشاريعهم البحثية.
4 – 5 بعد الظهر: أجري مكالمة جماعية مع المتعاونين معنا في جامعة "هارفرد" وجامعة "ميشيغان آن أربور" University of Michigan Ann Arbor إذ لديهما خبرة في بحوث الاستطلاع تتخطى العشر سنوات، لذا نستشيرهما كل أسبوع.
5 بعد الظهر: أغادر المكتب؛ أتصل بأهلي في طريق عودتي إلى المنزل لأطمئن عن أحوالهم.
5:30 بعد الظهر: أصل إلى المنزل وأزور كل من أطفالي في غرفهم. أنا أقدر فعلاً هذا الوقت الذي أمضيه مع أطفالي فأنا أعلم أنّهم سيغادرون ليرتادوا الجامعة يوماً ما.
6 – 7:30 مساءً: أمضي وقتاً قيماً مع أسرتي وأشرف على فروض أطفالي وأتحدث معهم حول يومهم في المدرسة ونتناول العشاء.
7:30 – 8 مساءً: أمارس التمارين الرياضية إمّا على جهاز السير الكهربائي treadmill أو جهاز الدراجة أو أمارس اليوغا. أنا بطبعي كسولة من هذه الناحية، لذا فهذا ليس نشاطي المفضل لكنّني أعلم أنه لا بد من القيام بذلك. علي القيام بذلك لأبقى بصحة جيدة. أقرأ كتاباً على الـ "آيباد" لأتلهى. أنا أقرأ حالياً كتاب "متحف البراءة" Museum of Innocence بقلم أورهان باموك. تقع أحداث القصة في اسطنبول، إحدى مدني المفضلة.
8 مساءً: أرتاح وأنا أحتسي فنجاناً من الشاي الأخضر بنكهة الياسمين وأشاهد برامج "هاوس أوف كاردز" House of Cards و"سوتس" Suits و "داونتن آبي" Downton Abbey.
9 مساءً: سأحضر فعالية مساء اليوم في إطار مسؤوليتي كعضو في مجلس إدارة منظمة النهضة الخيرية. سوف أعود باكراً وأستعد للعمل صباح الغد.
الصورتان أخذتا من موقع "عرب نيوز" و"بي بي سي" بالتتالي.