ريادة الأعمال ليست مجانية. إليكم السبب
لقد تمّ نشر هذا المقال في "كوارتز" Quartz
ثمة جانب إيجابي وآخر سلبي لريادة الأعمال. الإيجابي هو الإجماع العالمي المستجدّ على أنّه يُفترض برعاية ريادة الأعمال أن تشكّل جزءاً لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية الإقليمية لكلّ منطقة. فريادة الأعمال وسيلة لتحقيق النمو وترتبط ثمارها بخلق فرص عمل نزيهة وتحقيق الثروات وإحلال السلامة الضرائبية والمالية، كما ترتبط في بعض الحالات بحسّ الابتكار والأعمال الخيرية. والأمثلة على ذلك لا تعدّ ولا تحصى.
ولكن، ثمة جانب سلبي لريادة الأعمال أيضاً. فكما سبق أن كتبتُ، تتّسم السياسات المحيطة بريادة الأعمال بتعقيد كبير للغاية وبتفشّي الارتباك من حولها، ويرجع ذلك بجزءٍ منه إلى أنّه يتمّ دائماً مزج ريادة الأعمال بالعمل الحر والأعمال التجارية الصغيرة والمشاريع الصغيرة والابتكار والشركات الناشئة وهلم جرا. ولهذا السبب، تتوفّر أمام صنّاع السياسات باقة واسعة من الحلول المحتملة بما فيها حاضنات الأعمال والإعفاءات الضريبية على الاستثمارات التأسيسية وضمانات القروض التجارية الصغيرة والتكتلات ومسرعات النمو وتمويل المشاريع الصغيرة التي يبدو أنها تؤتي ثمارها في بعض الحالات، ولكن، تفشل فشلاً ذريعاً في حالات أخرى. في كثير من الأحيان، تفوق تكاليف هذه البرامج فوائد ريادة الأعمال بشكل كبير. لقد كتبت كتاباً بعنوان أمرٌ بلا قيمة ومستحيل وغبي: كيف يولّد رواد الأعمال الرافضون للممارسات الاعتيادية القيمة الاستثنائية ويحققونها Worthless Impossible and Stupid: How Contrarian Entrepreneurs Create and Capture Extraordinary Value وذلك بجزءٍ منه لتسليط الضوء على ماهية ريادة الأعمال وما هي ليست عليه، للمساعدة إلى حدّ ما في تبديد بعض الضباب المحيط بسياسات ريادة الأعمال فترتفع نسبة المنافع إلى التكاليف وتصبح مربحة.
ثمة افتراض ضمني في الارتباك المحيط بالسياسات وهو أنّه "كلما ازدادت ريادة الأعمال، كان ذلك أفضل،" لكنّ ذلك لا يصحّ إلا في حال لم تتحمّل ريادة الأعمال أي تكلفة اجتماعية. وجزء من الجانب السلبي لريادة الأعمال هو أنها ليست مجانية بتاتاً على المستوى المجتمعي، بل تترتب تكلفة على الإبداع الرافض للممارسات الاعتيادية وعلى تحقيق القيمة الاستثنائية.
عدم تساوي المداخيل. من السهل إظهار أن ريادة الأعمال الناجحة تخلق على المدى القصير عدم تساوٍ في المداخيل في منطقة محددة. فتخيّل ما سيكون أثر نشوء ألف من أصحاب الملايين أو المليارات من الطرح العام الأولي الخاص بفيسبوك: زيادة في أسعار المساكن وتكاليف بعض الخدمات وانتقال الأطفال إلى المدارس الخاصة وهلم جرا (يترافق ذلك مع انعكاسات جيدة). في المجتمعات المنفتحة جداً، يجد الموضوع حلاً لنفسه على المدى البعيد فتستفيد شريحة أوسع من ذلك بكثير، ولكن، في كثير من المجتمعات الأقل انفتاحاً، يمكن أن يسهم في تثبيت الطبقات الاجتماعية.
الخلافات الاجتماعية. تشعر الحكومة السنغافورية بخيبة أمل من اندفاع الناس إلى ريادة الأعمال في البلاد على الرغم من الازدهار والابتكار اللذين يسودان البلاد. وأحد الأسباب الرئيسية وراء معاناة ريادة الأعمال في سنغافورة هو أنّ الحكومة والثقافة تثبطان عدم الامتثال والتفكير المستقل.
تحدّي السلطة. يرتبط تحدي السلطة والأنظمة الاستبدادية ارتباطاً وثيقاً بعدم الامتثال. كثيراً ما قلت إنّ "دور" رائد الأعمال هو البحث في كلّ مكان وتحديد المسار الأكثر فعالية. وهذا يعني في كثير من الأحيان السير في طريق غير مشقوق، على الرغم من أنّ بعض السلطات المركزية قد تكون حددت الدروب التي ينبغي السير فيها. على رواد الأعمال إطاعة القانون، لكنّهم يولّدون قيمةً من خلال تحدي النظم السائدة والتشكيك بما تمليه السلطات من متطلبات غالباً ما تكون تعسفية أو سائدة لخدمة مصالح ذاتية.
التنقل بين الطبقات الاجتماعية صعوداً ونزولاً. يرى رواد المشاريع الطموحون في العديد من البلدان أنّ وضعهم غير مستقرّ والظروف ضدّهم بسبب عمرهم أو جنسهم أو حالتهم الاجتماعية أو عرقهم أو خلفيتهم الإثنية أو لمجرد أنهم لا يتمتعون بالصلات والمعارف المناسبة. وبالفعل، فإنّ أبواب فرص ريادة الأعمال موصدة بوجه الكثيرين. ولكن، لتزدهر ريادة الأعمال، ينبغي أن يحصل التنقل بين الطبقات الاجتماعية على أساس الجدارة، وليس الولادة. إنّما الجانب السلبي للانتقال إلى مبدأ الجدارة هو أنّ الذين نجحوا سابقاً من خلال الصلات العائلية أو الحقوق الملكية يصبحون عرضة لقوى السوق ويواجهون احتمال الفشل.
بعدما كتبت وتحدثت بإسهاب عن الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لخلق القيمة الاستثنائية وتحقيقها بالطرق الخارجة عن الأطر الاعتيادية، رحت أتساءل: إذا كانت ريادة الأعمال جيدة إلى هذا الحدّ، لِمَ ليست بالأمر السهل إذاً؟ ثمة أسباب عدة لذلك، ولكن، بات من الواضح لي أنّ أحدها هو اعتقادنا الخاطئ بأنّ ريادة الأعمال "مجانية" وبدون تكاليف اجتماعية. وستبقى بهذه الصعوبة لنا إلى أن ندرك هذا الثمن. بشكل عام، يكمن أحد أبرز الأسباب المتعددة لخيبة الأمل أو فشل الكثير من سياسات ريادة الأعمال والبرامج الطنانة ذات الصلة، في المفهوم الملتبس والساذج لريادة الأعمال. فإذا أراد المجتمع وقادته فعلاً جني الفوائد سواء من حيث فرص العمل أو الضرائب أو الثروات، والحرص على تجاوزها، عليهم أن يتحلوا بوجهة نظر أكثر واقعية تجاه التكاليف والفوائد علماً أنّ كلاهما هامّتان عندما يتعلق الأمر بتوليد القيمة الاستثنائية وتحقيقها.