قصة امرأتان سعوديّتان حسّنتا قطاع التعليم المبكر في المملكة
نُشر هذا المقال أساسًا على وارتن للمعرفة.
لا شك في أنّ التعليم يُعد اليوم من أهم أولويات السعودية، فالميزانية السنوية للتعليم العالي باتت تبلغ الآن أكثر من 15 مليار دولار وقد استثمرت الحكومة مبالغاً كبيرة لتعطي منحاً كاملة للطلاب السعوديين الذين يرغبون في الدراسة في الخارج، وفي الأعوام السبع الماضية، تضاعف عدد الجامعات في البلاد ثلاث مرات مرتفعاً من 15 إلى 45.
وقد نال التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة حصته أيضاً من الدعم الحكومي والاهتمام في السنوات الأخيرة، وذلك يرجع جزئياً إلى امرأتين حالمتين سعوديتين. رغم أنّ فارق العمر كبير بينهما، إلاّ أنّ إلهام الدخيل وسامية القاضي أدتا دورًا فعالاً للغاية في التشجيع على التعليم المبكر.
بدأت قصة الدخيل في أوائل تسعينيات القرن الماضي عندما أطلقت صفوفاً لطلاب الحضانة. حصلت الدخيل التي ولدت وترعرعت في السعودية على شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة ولاية أوهايو ثم عادت إلى وطنها وبدأت مسيرتها المهنية في الموارد البشرية. بعد العمل عن كثب مع مديرات تنفيذيات بارزات وموهوبات في السعودية، ألهمتها إحداهنّ لتغيّر مسيرتها وتدخل مجال التعليم.
نظراً إلى البحوث التي أجرتها حول منافع وآثار التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة من حيث الرواتب والانضباط والأداء الجامعي، بدأت وزارة التربية تعير اهتماماً لعملها. وتعزي الدخيل التي تدرك جيداً أنّ الإجراءات الحكومية غالباً ما تسير ببطء، إلى خلفيتها في الأعمال لتمكنها من جمع المال اللازم من المستثمرين واليوم هي الرئيسة التنفيذية لـ "مدارس السفراء" Ambassadors Schools التي تقدّم منهج "مونتيسوري" Montessori للتعليم في أنحاء المملكة.
رسم مستقبل الأولاد
ومن الرائدات في هذا الجيل الجديد من الأمهات اليافعات هي سامية القاضي التي شاركت بتأسيس منظمة "الطفل العربي" Arabian Child. في سنتين فقط، تمكنت المنظمة من تدريب أكثر من 500 معلّم حضانة ورجال لفرض تطبيق القوانين وأولياء أمر ومتطوعين في الإمارات العربية المتحدة. بدأت القاضي على خطى والدها بالعمل في مستشفى في الرياض. لكنّ طبيعتها الريادية بدأت بالظهور خلال مدة عملها هناك التي دامت خمس سنوات. تركت في نهاية المطاف المستشفى وانتقلت إلى لندن مع زوجها الذي كان على وشك بدء دراساته في الماجستير.
بعد ولادة طفلتها الأولى، أصبحت القاضي تهتم بتنمية الطفولة المبكرة وبدأت تسجل يوميات سلوكيات ابنتها. وعندما أخذتها إلى دار حضانة في لندن، انصدمت لدرجة اختلاف هذه الأخيرة عن تلك التي في السعودية. فتقول: "حالما دخلت ابنتي إلى صفها، كان الطاقم هناك متحمساً لرؤيتها ونزلوا إلى مستوى نظرها ورحبوا بها باسمها وعانقوها. في السعودية، عندما كنت طفلة، لا أذكر سوى أنني أمرت بأن أدخل وأجلس وألزم الصمت". هذه التجربة حمّستها على تعلم المزيد حول التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة للالتحاق في نهاية المطاف ببرنامج ماجستير في التعليم.
تقدم وزارة التربية الآن التمويل إلى دور حضانة الأطفال ذات الجودة العالية وفقاً للدخيل التي أضافت أنّ بحوثها تبين أنّه من بين الـ 2.5 مليون طفل في عمر الحضانة، لم يتم تسجيل سوى 130 ألف. تخطط "مدارس السفراء" إلى الاستمرار في التوسع في السعودية وفي أنحاء المنطقة.
تشير الدخيل إلى أنّ جيل الأهل الجديد انتقل من ثقافة توظيف "مربية قوية" التي كانت سائدة في الماضي. وتضيف: "أرى اليوم نقلة نوعية في العقليات، حيث بات الأزواج الشباب يتجنبون ترك أطفالهم مع المربيات. الأمر أشبه بمرحلة نضج نمرّ بها. وأنا أؤمن فعلاً أنّ المهارات التي نتمتع بها كراشدين تأتي من مرحلة الحضانة أو من كان يهتم بنا في ذلك العمر".
بدأت القاضي ترفع وعي سائر الأهل بشأن أهمية التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، وتقول: "يتفق العلماء وعلماء النفس وأطباء الأعصاب على أنّ كل تجربة يمر بها الطفل في أولى سنوات حياته سواء كانت جيدة أو سيئة سترسم مستقبله". وأضافت القاضي أنّه على الصعيد الاقتصادي أيضاً، يسفر الاستثمار في الطفولة المبكرة عن "زيادة في معدلات التخرج من المدارس الثانوية والمداخيل ومعدلات التطوع كما وعن انخفاض في العنف وتكاليف إعادة التأهيل". كل هذه الإدراكات أدت إلى اتخاذها قرار إنشاء منظمة "الطفل العربي" بفرع أول مقره في دبي.
وهي تقول إنها جلبت أفضل الممارسات الدولية في ما خصّ تعليم الأطفال والعناية بهم إلى المنطقة، بدءاً من جهودها لإنشاء علاقات مع وزارات عدة وصنّاع سياسات. كما أعدّت القاضي سلسلة من المنتجات الفعلية التي يمكن أن يستفيد منها مهنيون في قطاعات مختلفة تتعامل مع الطفل. ومن هذه المنتجات مبادرة للمعلمين توفر لهم 120 ساعةً من التدريب المكثّف وتمنح المشاركين رخصة دولية – برنامج اعتماد "مساعد لتنمية الطفل" Child Development Associate الذي أطلقته في الشرق الأوسط للمرة الأولى. أما المنتج الثاني، فهو حزمة لتطوير مهارات الأهل مسمّاة "لنلعب" Let’s play تضم بطاقات أنشطة وألعاب وموارد للأهل ليعززوا مهاراتهم مع أطفالهم الصغار.
غير أنّ إنشاء الشركة لم يكن بالأمر السهل وفقاً للقاضي لأنّها تركز على قطاع ما زال متخلفاً وغير منظم إلى حد كبير وضعيف الأجر. ولكن، على الرغم من هذه التحديات، أصبحت منظمة "الطفل العربي" أول مركز تدريب مرخص لمعلمي مرحلة الطفولة المبكرة، وساهمت في تطوير المعايير الوطنية لمراكز رعاية الأطفال في الإمارات العربية المتحدة. كما شاركت منظمة "الطفل العربي" في برنامج "قادة عالميين للأطفال الصغار" Global Leaders for Young Childrenالذي يدعم ويدرب مدافعين آخرين عن حقوق الطفل من فنلندا والإمارات والكويت والسعودية.
محو وصمة العار
"غالباً ما تُلقى وصمة عار على من يعمل في تربية الأطفال"، بحسب ما قالته للقاضي خلال فعالية "تد أكس دبي" حول الموضوع. ففي اليوم الأول من التدريب مثلاً، وصفها أحد المعلمين بصوت منخفض بأنّها جليسة أطفال أو معلمة حضانة. ولكن، بحلول نهاية التدريب، تقول القاضي: "يمكن فعلاً رؤية أنهم باتوا يرفعون رأسهم ويقولون بكل فخر إنّهم معلمي مرحلة الطفولة المبكرة، لأنّهم باتوا يفهمون أثر عملهم".
تتذكر القاضي بعض الصعوبات التي واجهتها في البدء مثل العمل مع عاملين من المنزل وبيعها ممتلكاتها الشخصية لتسديد المدفوعات واقتراض المال ومحاولة إيجاد الوقت الكافي للدراسة وتطوير منظمة "الطفل العربي" وآداء واجباتها كوالدة وزوجة.
وهي تخصص قسماً كبيراً من عملها الآن للاستمرار في رفع الوعي عبر الاجتماع مع صناع السياسات والمستثمرين والصحفيين ومناصرة الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. ومن النصائح التي تقدمها القاضي التحضر دائماً والتخطيط جيداً للاجتماعات قبل دخولها. فتقول: "بمجرد أنّك تفكر في موضوع معيّن ليلاً نهاراً وتعتبره هاماً، لا يعني أنّه هام لـ [من هم في منصب السلطة]... ركّز على هدف تحقيق جودة تعليم عالية للأطفال الصغار ولكن، كن مرناً في الوقت عينه بالنهج الذي تتبعه، واسمح [للآخرين] بمجادلتك واحترمهم. وعندئذٍ ستلحظ التغيير".