قصّة ريادي أطلق أول مساحة عمل مشتركة في لبنان
مشاركون يعملون على مشروع خلال إحدى فعاليات "ألت سيتي" (الصورة من فايسبوك)
حين ترى ديفيد منير نبتي أمام حاسوبه المحمول وهاتفه الكبير، قد تظنه الزبائن المنكبين على العمل في مقهى "ألت سيتي". طريقة جلوسه متواضعة جداً إلى درجة أنّ أي شخص يزور هذه الفسحة للمرة الأولى في شارع الحمراء، غرب بيروت لن يدرك بتاتاً أنّه أحد الأشخاص الذين أسسوا أولى مساحة عمل مشتركة في لبنان لرواد الأعمال والشركات الناشئة اللبنانية.
يخبر نبتي ومضة: "فرص الإفادة هائلة. لم يتم إنشاء المقهى من باب الصدفة". الهدف من افتتاح هذا المقهى عام 2013 ليس فقط لتقديم السلطات والسندويشات المعروفة دولياً لتوليد عائدات لمساحة العمل المشتركة فحسب، بل أيضاً وكما يشدد نبتي لكي يناقش الناس الأفكار ويكتشفوا الأمور معاً؛ فلم يولد الجميع للعمل في مكتب.
منذ أن افتتحت "ألت سيتي" أبوابها عام 2011، تغيرت الكثير من الأمور. فما يقوم به نبتي الآن في بيروت كمنظمٍ للمساحة ورئيس المشروع بعيد كل البعد عن ما قام به في كاليفورنيا، أو هذا ما نراه على الأقل.
اختيار المسار التقني
يقول نبتي: "لقد أثارت أمور التكنولوجيا اهتمامي منذ أن كنت في المدرسة الثانوية". كانت وظيفته الأولى بعد التخرج بشهادة في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، كنايةً عن مهمةً قصيرة في "ستانفورد" في برنامج الصحافة المخصص للخريجين، وعمل في الوقت عينه كمحلل للامتثال للسياسة في "جوجل". يصف هذه الفترة على صفحته على "لينكد إن" بأنّها "فترة مثيرة للاهتمام لكن العمل لا يثير التحدي"، لكنّه سرعان ما يضيف أن هذه الشركة التقنية ألهمته بالكثير.
وعندما قرر وأخيراً عبور البحار، انتقل إلى سوريا حيث عمل مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة ودرس في الوقت عينه للحصول على شهادة بكالوريوس أخرى، هذه المرة في الدراسات الشرق أوسطية في الجامعة الأميريكية في بيروت. ويقول نبتي: شعرت بالأرق في كاليفورنيا. فقد ركّزت في دراستي على الفترات الانتقالية في السياسة وفي الاقتصاد لذا أردت العيش في بلدٍ يمر في مرحلة انتقالية".
وكان لبنان الخيار الأمثل. إذ كان له بعض الأقرباء الذين أراد أن يمضي بعض الوقت معهم وكانت بيروت هي مفهومه للبيئة الأمثل التي يمكنه أن يطبق فيها اهتمامه في التكنولوجيا والإعلام والفنون وريادة الأعمال والسياسة. ويقول في هذا الإطار: "تحدث أمور رائعة حالياً في لبنان من حيث تعزيز وجود الشركات الناشئة، إذ تشعر بطاقة إيجابية من فئات عدة ودعم متزايد من الحكومة وتنامي أوساط الشركات الناشئة "، شرحاً للسبب الذي دفعه إلى رؤية لبنان كمنطقة واعدة. "أردت المساعدة في تعزيز وتحفيز الانتقالات الإيجابية والمستدامة. لكن من الواضح أنّ كل ذلك ما زال قيد التنفيذ".
تجربة لبنان الأولى
يقول نبتي: "من الأمور الأولى التي أردنا القيام بها جلب الحيوية والدينامية الموجودتين في "سيليكون فالي" إلى أماكن تحتاج إليها فعلاً. أمور مثل الإعلام والتقنية والإبداع إلى بلدان نامية وخارجة من صراعات. لم نخطط لإنشاء مساحات مشتركة أو مسرعات نمو، لكنّ هذا ما حصل". وبعد أنّ حدد نبتي ومعاونوه الحاجات الإدارية والتقنية التي يحتاج إليها من يريد إطلاق عملٍ تجاري، أدركوا أنّ مساحة العمل المشتركة التعاونية هي أكثر ما يحتاج إليه رواد الأعمال في لبنان.
وفي العام 2007، تمكن نبتي من الاشتراك في أول تجربة عمل مشترك. فأخذ مساحةً مع مجموعة من أصدقائه في منطقة الصيفي بالقرب من مرفأ بيروت، لإنشاء "مساحة جماعية للابتكار والاحتضان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة" وسموها "روت سبايس" RootSpace. ويقول مضيفاً: "تعلمنا الكثير. علمنا أنّها كانت نقطة انطلاق لنا. كان ذلك المكان الأول في لبنان من نوعه".
الانتقال إلى "ألت سيتي"
انكبّا بشدّة في بيئة ريادة الأعمال وعلى مرّ ثلاث سنوات، وصلت "روت سبايس" إلى نقطة حيث احتاجت إلى أن تتوسع وتغير موقعها. لم تكن منطقة الصيفي المكان الأمثل للتنقل في زحمة السير، كما أرادوا الانتقال من نموذج عمل غير هادف للربح إلى نموذج يسهّل عملية التوسع. ويقول في هذا الإطار: "أهم ما تعلمناه هو أنّ وفورات أو اقتصاديات الحجم هامّة، وبخاصة في لبنان حيث يمثّل التعامل مع البنية التحتية الأساسية صعوبةً أصلاً". وهكذا أبصرت "ألت سيتي" النور.
وفقاً لتقديرات نبتي، فقد رأى فريق "ألت سيتي" الأساسي – أي نبتي وشريكيه المؤسسين سامر عزار وديما صابر – حتى يومه هذا حوالى عشرة آلاف شخصٍ دخلوا المؤسسة واستضاف حوالى 800 فعالية. لقد كانت المشاريع مثيرة للتحدي ونظراً إلى أوضاع المنطقة، فعلى الأرجح أن الأمور لم تحرز التقدم المنشود بالسرعة التي يُحرَز فيها في أوروبا أو في الولايات المتحدة. لكنّ أياً من ذلك لم يوقف حماسه تجاه عمله، مثل العمل الذي يقوم به فريق "ألت سيتي" على سبيل المثال مع مصرف لبنان. ويقول نبتي: "إنّه برنامج معسكر تدريبي للشركات الناشئة". والهدف هنا تصميم برنامج من شأنه أن يوفر الدعم لمئة شركة ناشئة على مرّ عامٍ، وصولاً إلى طلب التمويل في أولى المراحل، والذي يرى نبتي أنّ من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق ثلث الشركات بشكل ناجح.
تغيير العقلية
في حديث نبتي عن العمل الذي تقوم به "ألت سيتي"، من أكثر الكلمات التي يعيد تكرارها "الإبداع". فيقول: "أنا أعتبر نفسي مزيجاً من الإبداع والعمل التجاري. سمعت أحداً يقول مرّةً: "يمكنني أن أكون مبدعاً ومديراً ولكن، ليس في اليوم عينه" وذلك ينطبق عليّ". ويُذكر في هذا الإطار أن نبتي يتقن فنّ تعدد المهام. فيقول إنّ رواد الأعمال كلهم يقومون في بادئ الأمر بمهام متعددة في الآن عينه لتسيير أمور عملهم، ولكن، يبدو أنّه حتى بعد أربع سنوات من تأسيس "ألت سيتي"، بدأ نبتي للتو يتعلّم كيف يستريح قليلاً. فقد مضى وقتٌ طويل منذ أن ذهب الشاب في عطلة، وها هو يبذل جهداً أكبر منذ ستة أشهر لإمضاء المزيد من الوقت بعيداً عن حاسوبه النقال وبالقرب من أصدقائه وعائلته.
ويشرح نبتي هنا: "الكثيرون يفكرون أنّه من الغريب أنّني غادرت كاليفورنيا طوعاً". لكنّ هذه العقلية هي جزء ممّا يحاول تغييره – فكرة أنّه من الغريب لأي شخص أن يرغب في المجيء إلى لبنان والعمل على تأسيس شركة ناشئة. ويضيف: "آمل أن يصبح لبنان مركزاً لرواد الأعمال والشركات الناشئة في الشرق الأوسط وأن يصبح قادراً على التنافس على الصعيد العالمي". .
راجع الموقع في أواخر هذا الشهر لمقال حول نموذج عمل "ألت سيتي" وعملياتها وخططها للتوسع.