ما الذي يعيق الاستثمارات في الشركات الناشئة؟ هل للأمر علاقة بالمال؟
نسخة بتصرّف من مقال نشر على موقع Techies.pk في 20 أيار/ مايو 2013.
لا شك أن الإنترنت جعل عملية التوسّع والتسويق لخدمات إلكترونية أسهل وأوسع النطاق. وقد زاد اجتياح الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة من انتشار هذه الخدمات. وحتى مزودي خدمات الإنترنت للشركات مثل شركة "فرش دسك" FreshDesk في الهند التي يملكها صديقي جيريش ماثروبوثام، تشهد ازدهاراً بفضل الإنترنت الذي يقدّم فرصًا متساوية للجميع.
فبالنسبة لشخص يستخدم خدمات على الإنترنت مثل "فايسبوك" على شاشة بحجم 17 إنش في المنزل، ما يهمه فقط هو القيمة الجيدة المترافقة مع تجربة مستخدم عظيمة. وغالباً ما لا يهتم مستخدمو الخدمات الإلكترونية بمقرّ الشركة سواء كان في بالو ألتو في كاليفورنيا أو تشيتشون كي ماليان في باكستان.
وبالنسبة لشركات التكنولوجيا، فلم يعد اتخاذ موقع قريب من المستهلك أمراً مهماً بعد الآن. وحتى الشركات المندرجة على لائحة "فورتشن 500" Fortune500 اليوم تستعين بمراكز اتصال خاصة من أماكن نائية في العالم من أجل خدمة زبائنها.
غير أنه مع اكتساب الشركات الناشئة في البلدان النامية شعبية متزادية وبسبب رغبتها في توسيع أعمالها، تزداد الحاجة إلى رأس المال. وهنا يستنتج الكثيرون أن البنية القائمة ليست جيدة بما فيه الكفاية. فالوصول إلى رأس المال المخاطر أو الاستثمار التأسيسي في الدول النامية هو مشكلة كبيرة بغض النظر عن مستوى النمو في الشركة التكنولوجية.
وشركات التكنولوجيا في هذا الجزء من العالم، التي تقف على حافة فجوة تكنولوجية غالباً ما تجد أنّ هذه الفجوة أوسع وأعمق بسبب غياب إمكانية الحصول على التمويل.
والأسباب وراء ذلك كثيرة، وسأحاول أن أشير إلى بعضها في ما يلي بناء على نقاشات مع الكثير من السكان المحليين والمستثمرين الدوليين، وأيضًا على تجربتي الشخصية في العمل في وادي السيليكون وفي باكستان.
تدفق غير ملائم للرأسمال المخاطر والاستثمارات التأسيسية
في نهاية المطاف، يعتبر الرأسمال المخاطر أو الاستثمار التأسيسي، لعبة أرقام. فبغض النظر عن وعي المستثمرين وتجربتهم وسجلّهم، فإن كل استثمار جديد على الرغم من الجهد الذي يتطلبه، هو خطوة محفوفة بالمخاطر لأنه ثمة الكثير من العوامل المتغيرة التي تحدد نجاح أو فشل الشركة الناشئة.
ومن أجل تحصين رهاناتهم، عادة ما يتطلع المستثمرون إلى سوق فيها مجموعة كبيرة من الشركات الجيدة للاختيار منها كي يتمكنوا من الاستثمار في عدة شركات وفي عدة قطاعات إن لم يكن صندوقهم الاستثماري يركز على التكنولوجيا. ولكن باكستان والأسواق النامية الأخرى تفتقد إلى هذا التنوع في العروض، لذلك تفشل في جذب المستثمرين المحليين. أما الصناديق الدولية التي لديها تركيز إقليمي واسع فبإمكانها أن تحصل على تنوّع في العروض عبر تجاوز حدود الدول ولكنها تحتاج إلى الاطلاع على العروض المحلية وتلقي بعض الدعم من المستثمرين المحليين ـ وهي مواضيع سيتم التحدث عنها بشكل منفصل أدناه.
يعتبر الصندوق ومسرّعة النمو "جلوبل سوبر أينجلز فوروم" Global Superangels Forum ومقره الهند مثالاً عظيماً على مشروع محلي يحصل على دعم من شركة "500 ستارتبس" 500 startups عالمية وشهيرة ومن "سيد كامب" Seedcamp الأوروبية.
الخوف من المخاطرة؟
معظم أصحاب الرساميل المخاطرة سيقولون لكم إن أقل من ثلث الشركات التي استثمروا بها طبقت استراتيجية خروج لائق. ولكن منذ بضع سنوات، بلغت نسبة العائدات على الرساميل المخاطرة على مدى عشر سنوات ناقص 4.6% (نعم ناقص 4.6%) وبالكاد ارتفعت لتصل إلى نسبة متدنية هي 5.3% مع حلول منتصف 2012.
ثمة ضغط متزايد من الشركاء المحدودين (الذين يضعون مالهم في صناديق الرساميل المخاطرة) على الشركاء العامين (الذين يديرون الصناديق) من أجل زيادة العائدات على استثماراتهم. ويحذر المستثمرون التأسيسيون أيضاً من هذه العائدات التاريخية ويعلمون أن الاستثمارات في التكنولوجيا تحمل مخاطر أكثر.
وقاد كل ذلك إلى توجه أصحاب الرساميل المخاطرة والمستثمرين التأسيسيين إلى أسواق "أكثر أماناً" والاستثمار بعقلية جماعية إلى جانب مستثمرين آخرين. فالمخاطر التي يحتوي عليها بلد ما والمخاطر الأمنية والجيوسياسية (بعضها حقيقي ومعظمها مفترض) المرتبطة بالدول النامية مثل باكستان، تميل إلى إبعاد المستثمرين الذين يحاولون الانفصال بعيداً عن المجموعة.
ولكن هذه المقاربة الجماعية التي تبدو رهاناتها آمنة، هي مكلفة أيضاً. أولاً، لأن المستثمرين يغطون أسواق أقل، فإن العروض تصبح بشكل طبيعي أكثر كلفة بسبب ارتفاع الطلب. وثانياً، تصبح الاستثمارات خاضعة للظروف الخاصة بالاقتصاد الكلّي في أسواق "آمنة" مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك سيدرك المستثمرون قريباً أن تحقيق عائدات عالية على الاستثمارات المبكرة أثناء تعزيز الابتكار والتنوّع، يتعارض مع روح الرأسمال المخاطر الذي يعني المخاطرة الكبيرة. والقليل من المستثمرين مثل الأخوة ساموير المالكين لـ"روكيت إنترنت" مع صندوقهم للمؤسسين العالميين البالغة قيمته 150 مليون يورو بالتأكيد سيبتعدون عن الجماعة ويدركون القدرة الكامنة في الرياديين الناشئين في الدول النامية الذين لا يعلو عليهم أحد في الابتكار والاندفاع والشغف والموارد والذين يعملون بجد من أجل تنمية شركاتهم على الرغم من التيار المعاكس لهم.
غياب الوعي العالمي بالشركات الناشئة المحلية
على الرغم من أن الصناديق والمستثمرين العالميين الجيدين يسعون بشكل ناشط للحصول على عروض في الدول التي تكون منطقة تركيزهم مثل الهند والصين، فإنهم غالباً ما يشكلون ورقة رابحة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وباكستان حين يتعلق الأمر بتسليط الضوء على وجودها في السوق. فالصحافة التقليدية والإعلام الإلكتروني نادراً ما يغطيان الشركات المقبلة والواعدة خصوصاً حين تكون الشركات تركز على التكنولوجيا. فالمدونات المتخصصة والإقليمية التي تركز على الريادة مثل "ومضة" تقوم بدورها أيضًا، إلاّ أن الرياديين أنفسهم يحتاجون إلى الكتابة أكثر عن أنفسهم وعن شركاتهم وأن يستثمروا بعضاً من المال التأسيسي من عائلاتهم وأصدقائهم في الترويج لشركاتهم عبر المواقع الإلكترونية والمدونات. فأنا بالكاد أرى مؤسسين محليين يشاركون في أي من المؤتمرات أو اللقاءات في فعاليات تحاور وتشابك لمعرفة ما الذي يحصل خارج شركتهم.
وبشكل عام أربط ذلك بالطبيعة الانطوائية لمعظم الرياديين الواعدين الذين التقيتهم هنا في باكستان وما أسميه نمط "الشركة الناشئة الخفية". ولكن التعرف التدريجي على مرشدين أصحاب خبرة والمشاركة في مؤتمرات دولية عبر أدوات مثل "جوجل هانج أوت" يحقق ببطء التغيير الضروري لمعالجة هذه المسألة. والإعلام السائد يسير مع هذا التيار أيضاً وهو يسلط الضوء على الجهود المحلية لتعزيز الريادة.
عقلية مؤسسي الشركات الناشئة
هذه العقلية مذهلة بالنسبة إلي، ولكن من المفهوم أنها نتيجة لإقامة مشاريع أعمال في بيئة تفتقد بشكل عام إلى الثقة وتشريع غير مناسب لحماية الملكية الفكرية وعدم وجود ما يكفي من الاختبارات السابقة.
والمؤسسون، شباباً كانوا أو كباراً في السن، قليلي الخبرة أم خبراء، يعتمدون عادة أسلوب "الشركة الناشئة الخفية". فهم لا يحبون التحدث عن شركاتهم، ولا حتى مع مرشديهم أو المستثمرين المحتملين. (تعرفت أيضاً على بعض ممن يريدون إخفاء معلومات دقيقة عن نموذجهم التجاري حتى عن المستثمرين المحتملين).
وقد يكون هذا بسبب الخوف من أن يسرق أحد فكرتهم وينفذها بشكل أفضل منهم، على الرغم من أن التميّز الحقيقي التنافسي لأي شركة ليس في مدى حداثة الفكرة أو المنتج بل بمدى السرعة في تنفيذها واستمرار تطورها وبقائها مبتكرة. والسبب الثاني والمعقول أكثر هو الخوف المتأصل من الفشل. فالنظام التعليمي والثقافة في الدول النامية مثل باكستان عامة لا يشجّعان على الفشل بل ينظران إليه بازدراء بدلاً من اعتباره مرحلة سابقة للنجاح.
إن أفضل خاصية في وادي السيليكون هي برأيي، ثقافة عدم المعاقبة على الفشل بل وحتى التشجيع عليه. ولتكرار هذه العقلية في مكان آخر، يحتاج الأمر إلى الوقت والمثابرة من جانب المستثمرين وبناء فرق واعدة من خلال الكثير من النماذج.
التأثير الجانبي المثير للاهتمام في هذه العقلية هو أن المؤسسين يتعلقون بأسهمهم كثيرًا ما يجعلهم يترددون في الدخول في مفاوضات مجدية مع مستثمرين في الأسهم. والنمط المفضّل للاستحواذ على رأس المال من قبل المؤسسين هو الدَّين والذي لا نحتاج أن نقول إنه غير جذاب لأصحاب الرساميل المخاطرة والمستثمرين التأسيسيين.
ويؤدي ذلك أيضاً إلى دفع المؤسسين إلى البحث عن نصائح مجانية من قدامى في القطاع بدلاً من إقامة علاقة رسمية معهم كمستشارين للشركة أو أعضاء مستقلين في مجلس الإدارة. فغالبًا ما يُنظر بطريقة سلبية إلى كلّ من له شخص يعود إليه ويستشيره ويعدّ تقييدًا غير ضروري.
هذا أمر يحتاج الرياديون لمعالجته بأنفسهم. فالتجربة ستعلمهم في النهاية ولكني متفائل لرؤية رجال أعمال شباب ونساء يتقبلون النصيحة الجيدة من المستثمرين والمرشدين ويختارون أن يكونوا أغنياء بدلاً من أن يكونوا ملوكاً.