تاكسي النيل: هل هو الحل المنتظر لزحمة السير في القاهرة؟
ان كنت في مصر حالياً، لا تستسلم للموجات الحارة وارتفاع الدرجات بأكثر من 40 درجة مئوية، بل اهرب إلى الكورنيش واركب "تاكسي النيل" طمعا ببعض النسمات المنعشة تستعين بها عن حرارة الجو في غياب المكيفات مع استمرار الحكومة في قطع التيار الكهربائي.
تاكسي النيل وسيلة نقل مائية جديدة لطالما انتظرها رواد النيل من سياح أو سكان محليين، وجدت أخيرا طريقها للمياه منذ فبراير/شباط الماضي بعدما تمكن الفريق من الحصول على كافة التراخيص الرسمية للمراكب والسائقين، ولم يتبق سوى تسجيل الشركة نفسها كشركة خاصة تعنى بالنقل النهري.
وكانت قد قدّرت دراسة للبنك الدولي في العام الماضي تكلفة الزحام في القاهرة بنحو 50 مليار جنيه مصري أو 4% من حجم الناتج القومي المحلي، وحاولت العديد من الشركات الناشئة المصرية، خاصة التقنية، مقاربة مشكلة زحمة السير ولكن لم ينتج أي منها تغييرا ملموسا على الأرض.
وقد أطلق المشروع مجدي كيرولوس، وهو خبير في تصنيع المراكب، مع عمرو أبو السعود، الذي يمتلك خبرة طويلة في إدارة المراسي، بتخصيص أربع مراكب (أو لانشات) تم شراءها ليستوعب كل منها عشرة أفراد. ثم ابرم الشريكان اتفاقات مع 22 مرسى حتى الآن يمكن للتاكسي الوقوف فيها لتحميل أو تنزيل الركاب بدءا من المرسى الرئيسي للتاكسي أمام "أركاديا مول" في منطقة بولاق أبو العلا، ومرورا بالزمالك والجيزة وجاردن سيتي والمنيل حتى حي المعادي جنوب القاهرة.
حلم يتحقق
يلاقي المشروع رواجا متزايدا بين سكان القاهرة وخصوصا الموظفين الذين بات بعضهم يستقل تاكسي النيل في رحلة العمل اليومية هروبا من الزحام وحر العاصمة وتوفيرا للوقت. فالرحلة من المرسى في بولاق أبو العلا إلى المعادي لا تتجاوز النصف ساعة في تاكسي النيل ولا تتعدى الثلاثين جنيها (نحو 4 دولارات)، بينما في شوارع القاهرة وفي أيام العمل فلن تستغرق أقل من ساعة.
تعريفة التاكسي أو "الأجرة" تتراوح بين 10-30 جنيه مصري حسب المسافة، وهو يعمل خمسة أيام في الأسبوع في ثماني رحلات منتظمة يوميا في مواعيد العمل الصباحية وعند العودة مساء بالتعرفة المحددة. ويعمل أيضاً خارج هذه المواعيد وفي العطلات الأسبوعية حسب الطلب وأحيانا بتعريفات أعلى حسب المكان. ويتيح تاكسي النيل خدمة الاشتراك الأسبوعي والشهري لركابه مع تقديم 5%-10% خصم. ويدفع الركاب الأجرة في نهاية الرحلة، وسيمكنهم دفعها مقدما عند الحجز أونلاين مع إطلاق الموقع الإلكتروني قريباً.
لكن مع بداية الشهر الجاري، بدأت خدمة جديدة وهي "توصيلة وسط البلد" أو Downtown Ride يدور فيها التاكسي على بعض المحطات أثناء النهار وفي خارج المواعيد المحددة لأخذ الركاب ونقلهم لمسافات قصيرة في منطقة محددة تشمل وسط المدينة والزمالك وغيرهما.
ومع بداية شهر رمضان في يوليو/تموز القادم، ينضم مركب جديد Speed Boat لتاكسي النيل يسع 16 فردا وهو أول مركب تم صنعه خصيصا للمشروع، يتميز بلونه الأصفر وعلامة التاكسي الضوئية، بواسطة مصنع مراكب يديره كيرولوس صاحب المشروع.
التجربة ممتعة بالاضافة الى انها توفر الكثير من الوقت وتعيد الراكب إلى بيته منتعشا بعد يوم عمل مرهق، لكنها لم تصل للمرونة الكافية بعد، فلكي تستقل تاكسي النيل، عليك أن تتصل بهم لتحجز مقعدك في موعد محدد ومن مكان محدد، وقد رأينا مدير العمليات يعتذر لبعض المتصلين أثناء لقاءنا لعدم تمكنه من إقلالهم في الوقت المراد. ويبدو منطقيا أن المشروع في مرحلة البداية Pilot يستهدف الموظفين لسهولة تحديد مواعيد العمل ذهابا بدءا من الثامنة صباحا وإيابا من الرابعة مساء.
نقطة أخرى هي أن وسيلة النقل النهري هذه ليست بتاكسي خصوصي بل أشبه بباص نهري لأنك تضطر لانتظار باقي الركاب الحاجزين، وقد تقف في محطات أخرى لأخذهم ومواصلة الرحلة.
ثقافة المواعيد
تحدثت مع فريدة الفقي، إحدي الراكبات، عند عودتها من عملها إلى المعادي في تاكسي النيل وهي تعمل في إحدى الشركات بأبراج النيل بجانب مرسى تاكسي النيل، لم تكن مشكلتها فقط في طول المسافة بل في صعوبة ايجاد مكان لركن سيارتها بالقرب من موقع عملها، مع غلاء أسعار موقف السيارات الخاص بالأبراج.
فكرت فريدة وبعض زملائها وكلهم يسكنون بالمعادي في استحداث وسيلة نقل نهري، فجربوا الفلوكة بالموتور لكن الرحلة استغرقت ساعة كاملة، فألغوا الفكرة، ثم ظهر مجدي بمشروعه، فاشتركوا جميعا فيه منذ البداية. "الآن أذهب للعمل وأعود للبيت في جو هادئ مريح أتمتع بالمناظر الطبيعية ومزاجي رايق"، كما تقول فريدة.
بعض المستجدات التي طرأت على التاكسي بعد اشتراك دام ثلاثة أشهر حتى الآن كما تقول فريدة هي زيادة مدة الرحلة نتيجة لتوقف التاكسي في عدة مراسي لأخذ ركاب مما قد يثير حفيظة البعض في حال تأخرهم واضطرار باقي الركاب لانتظارهم، وهو ما شهدته بنفسي خلال رحلتي معهم.
لكن مجدي اعتبر أن هذا استثناء ووصفه بـ"الخطأ" وأن الأصل هو أن التاكسي يسير بالمواعيد كغيره من وسائل المواصلات مثل القطار أو الطائرة، وهي ثقافة تفتقدها مصر إلى حد كبير فحتى مترو الأنفاق أو الباصات لا تعمل بالمواعيد، وإن كان الجمهور المستهدف للتاكسي غالبا ما ينتمي لطبقة اقتصادية واجتماعية تحترم المواعيد فيما يمكن أن يطلق عليه "ثقافة التوقيت" التي لو انتشرت عند عموم المصريين لتغيرت مصر كثيرا.
ويضيف مجدي: "أما من يريد الركوب في مواعيد غير محددة فلدينا خدمة On Call حيث يهاتفنا الراكب ويحدد موقعه ليذهب إليه التاكسي".
وعن معايير السلامة الشخصية، يقول بيتر وحيد، مدير العمليات، إن كل لانش يحمل سترات نجاة Life jackets، كما يحتوي على جهاز GPS للتتبع في حال حدوث أي مشاكل.
يجري كيرولوس وأبو السعود محادثات مع هيئة النقل النهري لفتح الباب أمام شركات النقل النهري الخاصة والمنظومة الكاملة المصاحبة لذلك من انشاء وتطوير مراسي ومحطات وقود نهرية. ولا يبدو كيرولوس منزعجا من المنافسة مؤمنا أنها تخلق أفضل خدمة.
ويختتم قائلا:"نحن ما زلنا نتجسس الأرض ومنشغلين في التراخيص لهذا لا أستطيع أن أتوقع متى يمكننا أن نغطي مصاريفنا ونبدأ في تحقيق الربح، لكن اللافت أن كل هذا الإقبال على الخدمة جاء تلقائيا فنحن لم نبدأ أي دعاية ولم نسوّق للمشروع بعد، بل إننا ننفق الكثير الآن لأن اللانشات تعمل في المرحلة التجريبية الحالية بالبنزين وليس السولار، لكني واثق أن السوق واعدة".