ثلاث طرق ساعدت شركة تكنولوجية تونسية في الصمود بعد الثورة
غالبًا ما تكون الاستعانة بخدمات شركات أخرى (تعهدات خارجية) أو Outsourcing موضوعاً حساساً. فبعض السياسيين يدعون إلى إيقاف هذا النموذج، إذ أنّ مراكز الأعمال الجديدة في الهند تهدد الشركات المحلية. وعند الجانب الآخر للبحر المتوسط، اكتسب هذا القطاع شهرة أكثر حيث استفاد الآلاف من المهندسين في شمال إفريقيا من عقود التعهدات الخارجية المربحة، ما نتج عن إنشاء عدد كبير من شركات البرامج التي تقدم خدمات لأوروبا فقط.
بسبب انعجابها بكفاءة المهندسين التونسيين، اتخذت شركات تكنولوجية مثل "ألكاتيل" Alcatel و"إيريكسون" Ericsson و"أس تي مايكرو إلكترونيكس" STMicroelectronics، "الغزالة" وهي إحدى ضواحي تونس العاصمة، مقراً لها في شمال إفريقيا. وشهدت خدمات مراكز الاتصالات أيضاً نمواً مثيراً للإعجاب وساهمت بشكل كبير في الاقتصاد التونسي، من خلال توظيف الآلاف من الخريجين الشباب.
تخطي الأزمة السياسية
ألحقت الثورة التونسية عام 2001 ضررًا بجاذبية تونس على صعيد التعهدات الخارجية، حيث تسببت الأزمة الاقتصادية بانهيار الشركات باستثناء الأكثر صلابة منها.
وكان الريادي التونسي وليد بودبّوس أحد القادرين على الحفاظ على شركته المتخصصة بالتعهدات الخارجية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، "Acceleate".
فحين تأسست عام 2006، اتبعت Acceleate طريقاً مرسوماً بشكل جيد في قطاع التعهدات الخارجية. وبعد ما عمل لأكثر من عشر سنوات مع زبائن بارزين بصفة مستشار في تخطيط موارد المؤسسات في أوروبا، رصد بودبّوس فرصة لتلبية حاجات الزبائن، وفي الوقت ذاته دفع تكاليف تشغيلية أقل وذلك انطلاقاً من بلده الأم، تونس.
وبعد أن أبرم الكثير من الشراكات، بدأ في تدريب المواهب المحلية على تكنولوجيات زبائنه كي تتمكن Acceleate من القيام بصيانة الأنظمة وتلبية رغبات الزبائن. ومع تقديمها خدمات هندسية من خبراء بكلفة أقل من معظم الشركات المتطورة في فرنسا، فازت Acceleate بالكثير من العقود في تونس والسوق الأوروبية.
قد يبدو الأمر سهلاً في البداية، ولكن المنافسة المتنامية من دول أخرى والخسارة التي تكبدتها جراء الانتفاضات العربية، قد دفعتAcceleate إلى الابتكار بشكل مستمر للبقاء في المقدمة.
وفي ما يلي ثلاث طرق اتبعتها Acceleate لمواجهة تحديات تأسيس شركة بعد الثورة:
1 ـ تدريب اليد العاملة المحلية
غالباً ما يواجه المغتربون الذين يعودون إلى الشرق الأوسط صعوبات في تكييف توقعاتهم مع واقع المواهب المحلية، نظراً إلى الثغرات المحلية على صعيد التعليم والتكنولوجيا. ولمواجهة هذا التحدي، بدأ بودبّوس توظيف طلاب خريجين يسعون للعمل في مشروع لمدة ستة أشهر. ومن ثم درّب هؤلاء الطلاب على مهارات في الاتصالات وإدارة المهام وأخلاقيات العمل.
وقال "الفكرة هي تفادي الإدارة المصغّرة (التي تتطرّق إلى كافة تفاصيل سير العمل)، وجعلهم يشعرون وكأنهم مسؤولون عن المشروع. قد يرتكبون أخطاء ولكن في النهاية سوف يشعرون بأنهم المحركون الحقيقيون لمستقبل الشركة، وهو أمر مفيد جداً في أوقات الأزمات والضغوط المالية".
2 ـ التكيّف لإيجاد أسواق محلية جديدة
التعهدات الخارجية ليست عملاً سهلاً. وقد لا يشكل اللاعبون الهنود تهديداً مباشراً لقطاع تكنولوجيا الاتصالات في تونس، لسبب أساسي هو أنهم لا يتحدثون الفرنسية، ولكن المنافسة من أوروبا الشرقية والمغرب يجب أن تُراقب عن كثب. وهل سيلاحظون في أوروبا التوجهات التي بدأت في الولايات المتحدة للتعهدات الداخلية؟
صحيح أن هذه التوجهات تزدهر، إلاّ أن الحفاظ على علاقات وثيقة مع الزبائن المحتملين ساعدت Acceleate على الاستمرار في أعمالها خلال الثورة. وحين دفع الوضع المحلي في تونس بعض الزبائن الأوربيين إلى عدم تجديد عقودهم، بدأ بودبّوس يركّز أكثر على الشركات التونسية التي تشكّل الآن 40% من زبائن الشركة. والقليل من الابتكار ساعد أيضاً، حيث استقطبت منتجات ذات أسعار مقبولة ومصممة للحاجات المصرفية المحلية اهتمام أبرز المصارف في تونس. وأشار بودبّوس إلى أن "التعهدات الخارجية هي سوق قائمة بحدّ بذاتها، وعليك أن تبحث دائما ًعن فرص جديدة وتكنولوجيات جديدة وطرق جديدة لتقديم خدمة مختلفة".
3 ـ التركيز على إيجابيات الانتفاضات العربية
شكّل العام 2010 فترة نموّ رائعة بالنسبة لـ Acceleate، ولكن للأسف كان للثورة التونسية أثرًا سلبيًّا على الشركة عام 2011. وبالرغم من تفاقم الفساد وغيات الشفافية منذ ذلك الوقت في البلاد، إلاّ أن الوضع المصرفي تحسّن، وأراد لاعبون بارزون الإصلاح والالتزام بمعايير أفضل والتركيز أكثر على عروضهم الخاصة بتكنولوجيا المعلومات. والتركيز على الإيجابيات قد دفع Acceleate إلى اغتنام هذه الفرص. ويعترف بودبّوس بأن "الثورة أصابتنا في الصميم ولكني أبقى متفائلاً جداً بشكل عام".