الشرق الأوسط: فرصة للاستثمارات المغامرة يتمّ الإغفال عنها
نشر هذا المقال في الأساس في مجلة "هارفرد بنزنيس ريفيو" Harvard Business Review في 17 نيسان/أبريل 2013.
تتجاهل شركات رأس المال المغامر منطقة الشرق الأوسط لأسباب خاطئة، علماً أن استغلالها المنطقة بشكل آمن سيخلق فرصاً جديدة.
أجريتُ مقابلات مع أكثر من 150 ريادياً ومهندساً شاباً مثيراً للإعجاب في أنحاء المنطقة العربية. وقد سبق للكثير من هؤلاء أن زاروا الولايات المتحدة أو يرغبون في ذلك، ولكن معظم هؤلاء تقريباً خصوصاً بعد الانتفاضات قبل عامين، يريدون البقاء في بلادهم على المدى الطويل. فهم يهتمون لأمر عائلاتهم ومجتمعاتهم. ويعتقدون أنه على الرغم من الغموض السياسي الأخير، سيستطيعون التحكم بمصائرهم. ويعلم هؤلاء أيضاً أن الفرص الهائلة في السوق هي بين أياديهم.
يعيش هؤلاء الرياديون في مجتمعات لديها أكثر من 350 مليون زبون ناشط، وهم مهيئون بشكل ممتاز للتوسع إلى أسواق شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. وتصل في هذه المجتمعات نسبة استخدام الهاتف المحمول إلى 100% وهذا يعني أن الزبائن في أنحاء الشرق الأوسط مرتاحون في الوقت الراهن في استخدام منتجات المحمول الجديدة. وقال لي الكثير من المسؤولين التنفيذيين في شركات المحمول إنه في حين أن نسبة استخدام الهاتف الذكي منخفضة في الوقت الراهن، إلاّ أنهم يتوقعون أن تصل هذه النسبة إلى 50% في أماكن مثل مصر خلال ثلاث سنوات. والنسبة في الخليج تفوق أساساً هذا الرقم الآن.
نجد الآن أن قاعدة كبيرة من الزبائن على وشك اعتماد بطاقة الائتمان والدفع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية على نطاق واسع. ويتعطش هؤلاء لإيجاد فرص في مجال الصحة والتعليم والبنية التحتية التي تحتاج الحكومات إلى سنوات أو حتى عقود لمعالجتها. ويقومون بشكل جماعي بمشاركة أفكارهم وما تعلمونه وخبراتهم وإبداعهم الفني بطريقة واسعة النطاق وغير محدودة لم يكن أحد يتخيلها قبل ثلاث سنوات.
وقد لاحظ ذلك، وادي السيليكون والشركات التقنية العالمية. وقام أبرز اللاعبين في مجالي الأجهزة والبرامج ("جوجل"، "فايسبوك"، "تويتر"، "إنتل"، "سيسكو" و"مايكروسوفت") ومعظم اللاعبين الكبار في مجال المحمول، بتوسيع عملياتهم في المنطقة وهم يعملون بنشاط مع الأوساط الريادية لمساعدتها على التواصل والتوسّع. فقد افتتحت "باي بال" PayPal مكاتب في الشرق الأوسط في أواخر العام الماضي، كما أن "لينكد إن" LinkedIn الذي لديه خمسة ملايين عضو من الشرق الأوسط من دون أي وجود هناك، افتتح للتو عملياته في المنطقة وفي إفريقيا.
إلاّ أن الغائب الأكبر من هذه المعادلة هم المستثمرون الأميركيون، فعدد قليل منهم ـ "جنرال أتلانتك" General Atlantic و"تايجر كابيتال" Tiger Capital و"جاي بي مورجان فنتشرز" JP Morgan Ventures و"كلينيرت بيركينز" Kleinert Perkins و"ساميت بارتنرز" Summit Partners ـ دخلوا اسطنبول ودبي، ولكن أين هم الباقون؟
وفي وقت تستثمر كل شركة كبرى أو تفتح مكاتب لها في أسواق ناشئة حيث تواجه صعوبات متزايدة، إلاّ أن الخطر السياسي وعدم الاستقرار ليسا سبب كلّ شيء. لذلك، خلال عملية البحث التي أجريتها لكتابي التالي "نهوض الشركات الناشئة: ثورة ريادية تعيد صناعة الشرق الأوسط" Startup Rising: The Entrepreneurial Revolution Remaking the Middle East، تحدثت أيضاً إلى أصدقائي في وادي السيليكون لمعرفة آرائهم.
وتقريباً جميع الأشخاص الذين أجريت مقابلات معهم، كانوا متحمسين للاعتماد السريع لتكنولوجيا المحمول، ويعتقدون أنه سيكون هناك على الأقل خمسة مليارات هاتف ذكي خلال عقد من الزمن. واتفقوا، كما سبق أن كتبت هنا مؤخراً، على أن هذا الأمر يجب أن يكون نتيجة روح ابتكارية مثيرة للإعجاب آتية من أماكن مفاجئة.
وكانت استراتيجياتهم ولا تزال تاريخياً وبشكل عام ذات وجهين.
أولاً، كما قال مستثمر لطالما كان لديه مكاتب في الصين والهند، "علينا أن نلحق سقف السوق، فقد نفقد فرصنا في الصين على المدى القصير ولكن يجب التواجد هناك إذ أنه بلد كبير". وثانياً، يواصل المستثمرون الذين يسلّمون بأن المهارات الهندسية لطالما كانت غير محدودة، في التركيز على الأسواق الناشئة كأماكن للاستعانة بمصادر خارجية في مجال البرمجة والخدمات، بأقل كلفة وأكثر فعالية. وكما أوضح أحد المستثمرين فإن الشرق الأوسط "يمكن أن ويتجه أكثر فأكثر ليكون سوقاً حيث هناك تجار أكثر من الشارين بالنسبة إلينا، لأن المزيد من المواهب الجديدة والتي يمكن الاعتماد عليها تظهر بشكل منتظم في كل فترة زمنية".
وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط يتطابق بشكل متزايد مع هذه المعايير، إلاّ أن المستثمرين يتساءلون لماذا يجب الإسراع للدخول إليه؟ وقد قال لي بعضهم إنهم ببساطة يستطيعون البحث عن فرص جديدة في المنطقة من محاورهم الإقليمية الأخرى، أو شراكاتهم في مجال الأعمال. والبعض الآخر يعتبر أن البيئات الحاضنة للمواهب المثيرة للإعجاب والقوانين في أماكن مثل واديي السيليكون، ستخلق فرصاً كثيرة ويمكن الاعتماد عليها، وحين يكتشفون رياديين رائعين في هذه الأسواق، سيقومون، كما قال أحد المستثمرين "بنقلهم إلى وادي السيليكون".
ثمة منطق هنا، ولكن الأمر فاجأني إذ رأيت فيه نظرة رجعية. فالأمور التي استغرقت الأسواق الناشئة الأخرى سنوات إن لم نقل عقود لبنائها، هي الآن موجودة في الشرق الأوسط، بفضل توفّر أمثلة يُحتذى بها وزيادة الانفتاح العالمي واعتماد التكنولوجيا. ويتسابق الرياديون البارزون، بسبب تحديات البنى التحتية، إلى الابتكار بوتيرة تغيّر مجتمعاتهم. فمن منزلهم يستطيعون الوصول إلى مئات الملايين من الأسواق المحلية والإقليمية ويمكنهم الوصول إلى العالم بأسره بكلفة قليلة وفعالية كبيرة.
تتحدث المبتكرة والداعمة للريادة العالمية ليندا روتنبرج وفريقها في "إنديفور جلوبل" Endeavor Global، الشركة التي شاركت في تأسيسها، بحماسة كبيرة عن ظاهرة الاستثمار الجديدة التي تقوم على التبادل ما بين الأسواق الناشئة (e-to-e). وهذه الظاهرة لا تهدف فقط إلى دعم الأوساط الاستثمارية المحلية التي تنشأ جديدًا بل أن دعم الرياديين في الأسواق الناشئة المحيطة.
وفي الواقع، بدأت شركات رأس المال المغامر في التواصل مع عشرات وعشرات صناديق الاستثمار التأسيسية المحلية والإقليمية وحاضنات الأعمال والمستثمرين الحكوميين، للعثور على شركات عظيمة مجاورة لها. وبإمكان الباقين أن يواصلوا مشاريع الأعمال كالمعتاد أو الجلوس والانتظار. إلاّ أن هناك أمر واضح أنهم مع الوقت سيجدون الفرصة المناسبة.
الصورة من "مراقب ناسا للأرض" NASA Earth Observatory