ما هي أوجه الشبه بين كينيا والأردن؟
خلال مشاركتي في نقاش حيوي على طاولة مستديرة بين رياديين شباب في مجال التكنولوجيا في "أويسيس500" Oasis500، وهي شركة استثمار تأسيسي وحاضنة مشاريع رائدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دخل شخص غير متوقع ليعرض فكرة مشروعه: الريادي الكيني ويلفريد نجاغي.
منذ سنتين وأنا أغطي أخبار الشركات الناشئة التكنولوجية في العاصمة الكينية نيروبي، التي تعرف بـ"سافانا السليكون" للابتكار (على غرار وادي السليكون). ومنذ تلك الفترة وأنا أشهد النهوض اللافت لبيئتها الحاضنة وازدهار الحاضنات ومراكز تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بوتيرة مثيرة للإعجاب، وأستمع إلى عشرات الرياديين وهم يعرضون أفكارهم. ولكن لم يسبق لي أن سمعت أحداً يذكر الشرق الأوسط. وحتى في الأردن، لم أسمع أحداً يذكر كينيا.
تقع نيروبي التابعة لـ"سافانا السليكون" وعمان التابعة لوادي السليكون على جانبي الأخدود الإفريقي العظيم، وهو مكان شهد هجرة تاريخية للبشر والحيوانات والطيور، ويبدو أنه سيشهد الآن هجرة أفكار خاصة بالشركات الناشئة. غير أن البيئتين الحاضنتين للأردن وكينيا تبدوان متشابهتين إلى حد غريب. وإليكم لمحة بسيطة عن البيانات:
كينيا | الأردن | |||
السكان |
|
|
||
الناتج المحلي الإجمالي |
|
|
||
حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي |
|
|
||
معدّل الفقر الفردي |
|
|
||
المعدل السنوي لنمو تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات |
|
|
||
نسبة استخدام الإنترنت |
|
|
||
نسبة استخدام المحمول |
|
|
||
نسبة المشتركين في الخطوط الخلوية المسبقة الدفع |
|
|
(مصادر: بيانات البنك الدولي، ولجنة تنظيم قطاعات الاتصالات الهاتفية، ولجنة الاتصالات في كينيا، والجمعية الأردنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات INTAJ).
ثمة نقطة مهمة يجب لفت النظر إليها ألا وهي أنه في حين تتشابه معدلات البلدان على صعيد الناتج المحلي الإجمالي واستخدام المحمول ونمو قطاع الاتصالات والمعلومات، إلاّ أنهما يختلفان جداً من ناحية مستويات الدخل. كما أن عدد سكان كينيا أعلى بسبعة أضعاف من عدد سكان الأردن، ما يجعل الدولة الإفريقية سوقاً كبيرة ليتم استهدافها، في حين أن الأردن تعتبر منصة إطلاق للشرق الأوسط. إذا، ما هي نقاط التشابه بين ميداني الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في البلدين؟
محفّز أولي
يمكن أن تَرصد ازدهار تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في كينيا والأردن، من حدث محوري واحد أو شركة أشعلت شرارة النمو في القطاع. ففي كينيا، أطلق نجاح شركة "أم بيزا" M-Pesa الكبير في العام 2007 ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في كينيا. أما في الأردن، فقد ألهم استحواذ "ياهو" Yahoo على "مكتوب" Maktoob عام 2009، وهي خدمة الرسائل الإلكترونية العربية، ازدهار التكنولوجيا هناك. فهذان الحدثان صوّبا اهتمام الرياديين الشباب والحكومات إلى قطاعي تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في البلدين وقادا إلى موجة جديدة من الاختبارات والتجارب.
الأفكار
قال لي ريادي في عمّان، إنّه ثمة 3 إلى 4 شركات على الأقل تدير الطلبيات على الإنترنت وخدمة التسليم للمطاعم في الأردن. والأمر شبيه في نيروبي أيضاً إذ يمكنني أن أطلب السوشي على الإنترنت من 3 شركات ناشئة على الأقل.
والتشابه يطال التجارة الإلكترونية أيضًا، طبعاً بموازين مختلفة. فقد حصل للتو موقع "سوق دوت كوم" Souq.com، وهو سوق تجاري إقليمي على الإنترنت مصمم على شاكلة "إي باي" Ebay، على استثمار بقيمة 45 مليون دولار هذا العام، كما أنجز مؤخرًا موقع الصفقات ذات المهلة المحدودة "ماركة في آي بي" MarkaVIP، الذي انطلق في الأردن أيضاً، جولة استثمار بقيمة عشرة ملايين دولار.
قد تحظى التجارة الإلكترونية في نيروبي باستثمار أقل، ولكنها تنمو. فقد استثمر مسرّع النمو "88 أم بي أتش" 88MPH مؤخراً في "كلوزت49" Closet49، وهي بوابة للأزياء تسمح للنساء الكينيات بشراء وبيع ومقايضة ملابس المصممين. وغيرها، مثل "كابيسا دوت كوم" Kabsia.com التي تقدم صفقات على الهواتف.
الفجوة بين المطوّر والريادي
تُخرّج كلّ من كينيا والأردن وتصدّران آلاف طلاب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولكن معظم هؤلاء الطلاب يفتقرون إلى المهارات الأساسية في مجال الأعمال التي يحتاجون إليها لإطلاق أية فكرة لديهم. فهم مطوّرون وليسوا مدراء تنفيذيين.
وبالنتيجة، يُنظر إلى الإرشاد على أنه مركّب أساسي ضروري لتنمية البيئتين الحاضنتين في البلدين. فالكلّ يحاول أن يساعد التكنولوجيين على أن يصبحوا رياديين أكثر نجاحاً ـ بدرجات مختلفة من النجاح. وإشراك المتخرجين في مجال الأعمال أكثر هو خطوة أساسية يمكن أن تساعد.
وثمة أمر أثار اهتمامي في الأردن وهو أن الجمعية الأردنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (إنتاج INTAJ)، وهي مبادرة حكومية، تقدم للشركات الأردنية الناشئة محفزاً لافتاً لتوظيف المواهب المحلية، حيث تدفع نصف أجر المتخرجين الجدد لمدة عام، أي حوالي 215 دولار في الشهر. وأشكّ بأن يحصل هذا الأمر في كينيا.
مستثمرون مفقودون
يبدو أنه ثمة حاجة في السوقين إلى المزيد من المستثمرين في مرحلة التأسيس. وتصف "أوزيس500" التمويل المبكر بالأردن بأنه "صحراء"، وهو، مثل كينيا، يدعمه عدد كبير من الشركات الحاضنة والمسرعة للنمو ومسابقات عرض أفكار المشاريع. وصحيح أن الأمور تتغيّر ولكن ليس بالسرعة الكافية.
الذروة
بعد عشرات المقالات التي أشادت بكينيا كأفضل مركز للابتكار في إفريقيا، قد يبلغ مسرح التكنولوجيا في نيروبي أوج ذروته. والمفاجئ أن الأردن قد تسير على الطريق ذاته. تأسست "أوزيس500" و"آي هوب" iHub في الفترة نفسها (قبل عامين)، والكثير من المشاريع التي تخرجت منهما بدأت تشهد ظروف "فشل أو نجاح" محورية. وهنا ستتمكن الشركات الناجحة من تجاوز هذه الظروف ولكن يجب أن يتوقع الناس أن تكون نسب الفشل عالية وهذا أمر طبيعي. فأكثر من 70% من الشركات الناجحة في وادي السليكون تفشل، ولا يجب أن تختلف البيئتان الحاضنتان المتناميتان في هذا. ونأمل، ألاّ يكون هذا مثبطاً كثيراً لعزيمة الرياديين.
الإخفاقات الخفية
استكمالاً للفكرة السابقة، يبدو أن البيئتان الحاضنتان تخشيان الفشل، وذلك بسبب الوصمة الاجتماعية. ويُكتب القليل عن حالات الفشل ولا يتم الحديث عنها إلاّ نادراً. وثمة القليل من الإخفاقات العلنية لأن البيئتين الحاضنتين يافعتان جداً، ولكن يجب إعطاء أهمية أكبر للإخفاقات التي لم يعلن عنها، فعلى الرياديين أن يتعلموا الفشل كما يتعلمون النجاح.
أفكار ختامية
لدى شرق إفريقيا والشرق الأوسط نقاط مشتركة أكثر مما يعتقد المرء. فالمستثمرون من وادي السليكون يتجهون إلى المنطقتين ويختبرون السوق فيهما فلماذا لا تتعلم هاتان المنطقتان من بعضهما البعض؟ فعلى المؤتمرات في عمّان أن تبدأ بدعوة أشخاص مطّلعين من سافانا السليكون والعكس أيضاً. فالبيئتان الحاضنتان في نيروبي وعمّان يافعتان ولكنهما تنموان بسرعة، وثمة الكثير من الأفكار العميقة والخدع والصعوبات المتزايدة التي يجب أن تتشاركانها. إذاً، حان الوقت لأن يلتئم الأخدود العظيم من جديد وهذه المرة حول التكنولوجيا.