الحرّيات على الانترنت في الشرق الأوسط
هذا المقال مأخوذ عن موقع Access
شهد الأسبوع الفائت حركةً ملفتة على صعيد الحرية الرقمية في الشرق الأوسط، بحيث أدّى مشروع قانون الرقابة المقدم إلى البرلمان الأردني إلى التالي: تعتيم على بعض المواقع الإلكترونية المحليّة، استقالة وزير الإتصالات العراقي التي قد تمهد لصدور قانون تعتيم ورقابة على المواقع الإلكترونية، إدانة وزير الاتصالات اللبناني الرقابةَ على الإنترنت خلال مقابلة على "تويتر"، إعلان البحرين عن إمكانية اعتماد قانون يحرّم الإساءة إلى أعضاء العائلة الحاكمة وحلفائها على تويتر، ونهايةً، انتقال تونس من كونها أسوء منتهك إقليمي إلى أول عضو في تحالف الحرية الرقمية الدولية.
بعد مضيّ أكثر من سنة ونصف على الثورة التونسية التي جعلت قوة التكنولوجيا الإجتماعية تتصدّر الأخبار، بدأت النقاشات في بلدان المنطقة تتضاعف يومًا بعد يوم حول نوع الإنترنت المراد.
منذ سنتين، وقبل حلول ثورات "الربيع العربي" في شمال إفريقيا، كانت الرقابة أمراً عادياً بالنسبة للكثير من الدول العربية، وكانت الحكومات تسبط سلطتها على محتوى الإنترت، فتمنع كلّ ما تعتبره إباحياً أو مجدّفًا أو كلّ ما يهدّد الاستقرار السياسي. وبالرغم من استنكارالمدافعين عن حرية التعبير، تفادت وسائل الإعلام المسألة ضمنيًا وفشلت في لفت الأنظار وتحويلها إلى موضوع مناقشة عامّة.
وفقًا لتقرير صادر عن مبادرة الشبكة المفتوحة Initiative Open Net عام 2011، استخدمت تسع دول عربية على الأقلّ أدوات رقابة غربيّة على الشبكة الإلكترونية، منها البحرين، الكويت، سلطنة عمان، السعودية، السودان، تونس، الإمارات واليمن. أما الدول التي تفتقر إلى أدوات رقابة سائدة فتعتمد وسائل أخرى، كالمضايقات والحجز، بهدف إخماد العصيان. صدر تقرير عام 2005 عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch قد تناول موضوع الرقابة في منطقة الشرق الأوسط، وأظهرت دراسة حول أصحاب المدوّنات الإلكترونية في لبنان والأردن وسوريا أنّ أكثر من 80% منهم "مارسوا شكلاً من أشكال الرقابة الذاتية."
لغاية اليوم، ما زالت دول كثيرة تطبق بحزم الرقابة الإلكترونية، وما زالت مسألة الانفتاح تشكل صراعاً لدى دول الخليج العربي. لكنّ مساعي الحكومات إلى منع الحريات على الإنترنت تلاقي مقاومة شعبية واسعة متزايدة من القطاع الخاصّ والمواطنين العاديين، بالإضافة إلى مجتمع الناشطين التقليديين.
الأردن
في أواخر شهر آب/أغسطس، وافق البرلمان الأردني على تعديل قانون الطباعة والنشر للسماح للحكومة بممارسة رقابة المواقع "الإباحية". ثار المجتمع الرقمي الأردني غضبًا، معتبرًا أنّ التشريع شامل للغاية وغير محدّد، ما يفسح المجال أمام تجميد عشوائي لمادّة النشر ولمحتوى وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعية، وأنّ إدخال آليات رقابة تقنيّة على نطاق واسع قد يُستخدم بسهولة لمنع أي شكل من أشكال المحتوى، بما فيه الرأي السياسي.
ما ميّز الصرخة الرافضة هذه المرّة في عمان هو تنوّع المعنيين، إذ انضمّ إلى المدافعين عن حرية التعبير مجتمع الشركات الناشئة الأردنية الصاعد، احتجاجًا على القوانين الجديدة. (الأردن هي موطن Oasis500، وهو برنامج تسريع تنافسي شهير مدعوم علنًا من قبل النظام الملكي الحاكم، إضافة إلى أن قطاع الاتصالات يساهم بنسبة 14% في الناتج المحلّي الإجمالي). حتى أنّ وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق ضمّ صوته، وأوضح في حديث إلى "ومضة" أنّ الخطوة محدودة الرؤيا مضرّة بقدرة البلد على النمو والتطوّر كمنافس فاعل على صعيد إقتصاد التقنيات العالية.
قال الوزير السابق "إنّ هذه الخطوة تعاكس تموضعنا كبلد متقدّم. عندما تمنع الحرية، تمنع التفكير والتأمّل. وإن كنّا فعلاً جدّيين في جعل الأردن محورًا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، علينا أن نستثمر الأموال حيث مصدر رزقنا. يتعيّن على الحكومة أن تبحث عن طرق لدعم الريادة والمبادرات. فهذه الخطوة المتّخذة تخلق بيئة معاكسة وغير سليمة."
ردًّا على الصرخة التي أُطلقت، مدّدت وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات مدّة التشاور مع القطاع الخاص. انتهز الناشطون والفاعلون التكنولوجيون هذه الفرصة لزيادة الوعي وممارسة الضغط على الحكومة، فاستوحوا من المعارضة العالمية، التي تظاهرت ضد قانون وقف القرصنة على الإنترنت وقانون حماية الملكيّة الفكرية الأميريكية (SOPA/PIPA)، وجعلوا المدوّنات والمواقع الإلكترونية تكتسي اللون الأسود في 29 آب/أغسطس. للمفاجأة وجد هؤلاء حليفًا مميزًا: الملكة نور، أرملة الملك حسين الراحل، التي شجبت مشروع القانون على موقع "تويتر".
في 11 أيلول/سبتمبر، رُفع مشروع القانون إلى مجلس النواب. ردًّا على ذلك، نظّم موقع 7oryanet.com المعني بحرية الإنترنت مسيرة جنازة ساخرة أمام مقرّ البرلمان الأردني. أشار أحد المنظّمين، فؤاد جرجس، أنّ المشاركين كانوا حوالي 150 شخصًا من المساهمين في المواقع الإخباريّة الشعبيّة، والناشرين في مجال وسائل الإعلام والتواصل الجديدة والمحتوى الرقمي، وأعضاء في صناعة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ورواد أعمال، وعامّة الشعب. كشف جرجس أيضًا أنّ المعارضين مُنعوا من حضور الجلسة، استناداً لحقّهم الدستوري.
صورة بعدسة
فؤاد جرجس، 7oryanet.com.
العراق
في العراق، يكافح أصحاب المدوّنات منذ وقت لاستقطاب انتباه الشعب نحو القانون المقترح ضدّ جرائم الفضاء الإلكتروني. استنكر العراقيون ومجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان الدولية على حدّ سواء مشروع القانون هذا، منتقدين غموض أحكامه وقابليّة تفسير هذه الأخيرة التي تحدّ من حرية التعبير، تجرّم الآراء المعارضة وتجيز العقوبات "القاسية" جرّاء المخالفات، كالسجن المؤبد (راجع تحليل موقع Access حول النسخة السابقة من مشروع القانون المقترح). وُضع مؤقتًا مشروع القانون جانبًا، لكن توقّع الكثير من المراقبين إعادة فتح الملفّ في فصل الخريف للمزيد من الدراسة.
في 27 آب/أغسطس، إستقال معارض مشروع القانون محمد علاّوي من منصبه كوزير الإتصالات إثر ما سمّاه بالتدخل السياسي. لطالما أثارت وزارة الإتصالات العراقية شللاً سياسيًّا بين مختلف الفرقاء، وهي التي تشرف بنفسها على تنظيم قطاع الإتصالات المثمر. إنّ الوزير السابق علاّوي، وهو عضو في حزب معارض، إتّهم رئيس الوزراء بالتدخل في شؤون الوزارة. على الإثر، يخشى الناشطون على الشبكة الإلكترونية والمراقبون الدوليون أن يُطرح مشروع القانون للتصويت، برحيل علاّوي، من دون أن يلاقي أي مقاومة.
لبنان
لعلّ لبنان يُعتبر البلد الأكثر حرية في المنطقة على صعيد حرية الفرد، وقد امتنع تاريخيًّا عن ممارسة الرقابة على الإنترنت. إلاّ أنّه نال حصّته من التشريع السيئ عام 2010 من خلال مشروع قانون تنظيم المعاملات الإلكترونية المقترح، والذي أسماه أحد المدوّنين "قانون الغيستابو" Gestapo أي قانون القمع، ويشمل أحكامًا مسؤولة عن "منح الترخيص" وتعليق نشاط مستخدمي الإنترنت، ناهيك عن حيازة بيانات أو حواسيب المستخدم. هُمل المشروع بعد معارضة صاخبة من قبل أوساط القطاع الخاصّ والمستخدمين. في 2012، دعا مشروع قانون التسجيل على الإنترنت (LIRA) إلى تسجيل "المواقع اللبنانية" كلّها. سقط الاقتراح أيضًا إثر حملة إنتقاد منظّمة.
في 2 أيلول/سبتمبر، وافق وزير الإتصالات اللبناني نقولا صحناوي على منح "ومضة" مقابلة على موقع "تويتر". ردًّا على سؤال "ومضة" حول رأي الوزير في التوجّهات الإقليمية نحو الرقابة أجاب:
"إنّها لفضيحة. فهي تنافي مفهوم الإنترنت من أصله، أي وصل الناس بعضهم ببعض من دون حدود."
لا يعتمد لبنان حاليًّا أيّة سياسات رسمية أو تشريعات أو سابقة قضائية تعالج بالتحديد مسألة حرية التعبير على الإنترنت. سيترشح الوزير صحناوي على الإنتخابات النيابية مجدّدًا في 2013.
البحرين
أعلنت البحرين في 10 أيلول/سبتمبر عن إطلاق حملة إجراءات صارمة في حقّ "التشهير على الإنترنت"، كردّة فعل على "حبّ" البلد الكبير لوسائل التواصل الإجتماعي، يرافقها إطلاق موقع إلكتروني للتبليغ عن شكاوى تتعلّق بوسائل التواصل الإجتماعي. وأشار متحدث باسم وزارة الداخلية إلى ارتفاع في نسبة استخدام "أدوات التواصل الحديثة" بهدف توجيه "الشتائم والإهانات الشخصية" إلى "شخصيّات عامة" أو "رموز وطنية"، داعيًا إلى محاكمة "المقترفين" ومعاقبتهم. وفقًا لبعض التقديرات، تحتلّ البحرين المرتبة الثانية بين دول المنطقة على صعيد نسبة المستخدمين مقارنة بالعدد السكاني، أي أنّ 4.3% من السكّان مسجّلين كمستخدمين في خدمة المدوّنات الصغرى.
إستعمل البحرينيون "تويتر" بكثافة كوسيلة توثيق قصص وقضايا ومعلومات حول الصراعات الأهلية الجارية وتعميمها والطعن بها. منذ بدء الإحتجاجات يوم 14 شباط/فبراير 2011، استخدمت علامة المربّع (#) مع كلمة #Bahrain 2.8 مليون مرّة، وكلمة #بحرين 1.48 مليون مرّة، ما يجعل منه الموضوع الأكثر تداولاً بين المستخدمين في المنطقة. غير أنّ المحتوى ليس أصليًّا بالكامل. تشير جيليان يورك من مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) إلى أنّ الأحداث المتنازع عليها أدّت إلى ظهور أوّل عمليّة وسم سياسية بالعلامة المربّعة لإرسال بريد طفيليّ غير مرغوب فيه (spam) وللتصيُّد (الترولينغ، أي التعليقات المثيرة للجدل والخارجة عن الموضوع)، ما أنتج تفاعلاً لا معنى له على الشبكة الإلكترونية.
نفى وزير الداخلية أن تنتهك الإجراءات حرية التعبير، غير أنّ نقّادًا ينتمون إلى منظمات المجتمع الأهلي الإصلاحية في البلاد أدانوا الخطّة، مؤكدين أنّ القانون القائم يكفي لملاحقة مرتكبي القدح والذمّ، من دون الحاجة لمراقبة الإنترنت على نطاق واسع. تزامن الإعلان في اليوم نفسه مع إعلان الناشط لحقوق الإنسان نبيل رجب، صاحب المدوّنة المسجون الأشهر، أنّه سيستأنف حكم إدانته والقرار بسجنه ثلاث سنوات لتنظيمه "نشاطات غير قانونية". وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (ANHRI) قد انتقدت الحكومة البحرينية لاستهدافها تعليقات رجب على تويتر خلال تحقيق جرى عام 2011.
تونس
شهد الأسبوع الفائت في كينيا تحوّلاً محوريًّا لتونس. فبينما كانت تُعَدّ من بين الدول "العدوّة الإنترنت" الأسوأ في العالم، أصبحت اليوم الدولة العربية الأولى المدافعة عن حرية الإنترنت، وتجلى ذلك عبر انضمامها إلى التحالف من أجل الحرية على الإنترنت، وهو تحالف يضمّ مجموعة من البلدان أعلنت إلتزامها دعم الحرية على الإنترنت باعتبارها مسألة سياسية محليّة وخارجيّة جوهريّة، مثل هولندا والولايات المتحدة الأميريكية وكينيا والجمهورية التشيكية.
في 7 أيلول/سبتمبر، تحدّث رئيس الوكالة التونسية للإنترنت (ATI بالفرنسية) د. معيز شكشوك أمام جمعية عمومية تضمّ ناشطين من المجتمع المدني وأصحاب مبادرة وديبلوماسيين في مقرّ الأمم المتحدة في نايروبي. أقرّ أمام الحضور بتاريخ تونس المعروف برقابة المحتوى على الإنترنت، وأعلن عن دعم تونس التحالف الدولي وعن استعدادها لاستضافة المؤتمر في السنة المقبلة. أمّا في تونس، عقد وزير تكنولوجيات الاتصال منجي مرزوق مؤتمرًا صحفيًّا يكرّر فيه أنّ الدولة أوقفت عمليّة الرقابة، ووعد أنّ "الرقابة هي ممارسة قديمة وتونس لن تعيد الكرّة."
رغم توقّف تونس عن مراقبة الشبكة منذ كانون الثاني/يناير 2011، إلاّ أنها لم تعلن رسميًّا عن نواياها في موضوع الحرية على الإنترنت إلاّ الأسبوع الماضي. إلى ذلك اليوم، تعزى حرية الإنترنت إلى مزيج من النوايا الحسنة والوعود الشخصيّة ونتائج قضائية مفضلة. يبقى المشكّكون من جهتهم على رأيهم، فاقتبس موقع Tunisia Live عن رئيس حزب القراصنة التونسي صلاح الدين كشوك أنّ "تونس إعتنقت دائمًا التكنولوجيات المتطوّرة في العالم الرقمي، إنّما نظريًّا. أما عملياً، فالأمر يختلف تماماً." إنّ وجهة نظر كشوك محقّة، فمن أجل أن تصبح الحرية على الإنترنت قانونًا وضعيًّا مطبّقًا، يتعيّن على تونس إلحاق هذا الإعلان السياسي الجديد بضمانات قانونية ملائمة تحتمل المراجعات القضائية.