تيد أكس طنطا تبث الطاقة والشغف
كوني من القاهرة أميل للاعتقاد بأن لا يوجد الكثير من الأمور المثيرة للاهتمام في مصر خارج القاهرة وربما الاسكندرية. لذلك سعدت كثيراً حين ثبت لي خطأ أحكامي المسبقة عبر دعوتي إلى "تيد أكس طنطا" في نهاية الأسبوع الماضي.
كانت هذه الفعالية الثانية لفريق "تيد أكس طنطا"، وكان حدسي الأول، إن أصاب أم أخطأ، هو مقارنة الحدث بـ"تيد أكس القاهرة". كل شيء هنا كان بالعربية وهو أمر دائماً يفرحني. وكان الحدث صغيراً نسبياً إذ اقتصر على 250 شخصاً مشاركاً. ولم يتجاوز متوسط عمر المشاركين 25 عاماً وبدأ أن معظم الحاضرين من الخلفية الاجتماعية والاقتصادية نفسها.
غير أن المتكلمين والعروض على المسرح كانت متنوعة جداً. وقد بدأت الفعالية مع أحمد طارق الذي توّج مؤخراً "أفضل مخترع شاب" من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية، حيث تحدث عن "علم التواصل". وشرح بعض النظريات العلمية المعقدة من خلال استخدام دمى وتشبيهات بسيطة وروح دعابة ذكية. إذا كان أي شخص يعمل في التلفزيون يقرأ هذا، فليوظّف أحمد الآن وليطلب منه أن يعدّ برنامجاً علمياً للأطفال. فهو سيكون قادراً على شرح المفاهيم بطريقة تبقيها مثيرة للاهتمام ومسلية وإيصال المعلومات وترسيخها لدى المشاهد. وكأب، أريد أن يتعلم أولادي من أحمد.
العرض التالي كان لأحمد هيمان الذي تحدث ببساطة عن كيفية حصوله على إذن لتصوير الوجوه. فهو يعشق تصوير "الشخصيات" وقد رأينا صوراً لأشخاص ذوي مظهر "مثير للاهتمام" والعديد من الرجال الملتحين ولكل صورة قصتها. كان الحديث عفوياً جداً. وقد أخبرنا كيف استطاع أن "يسحر" مسؤولاً في متحف ألماني ليدعه يصوّر تمثالاً نصفياً لنفرتيتي. وأنهى حديثه بعرض صورتين مؤثرتين جداً لمصريين أصيبوا في العنف الأخير. وقد صمت الحضور لأن الصورة كانت تساوي مائة كلمة.
لم تغب الثورة عن المسرح. فقد لامسها المتحدثون الواحد تلو الآخر بطريقة أو بأخرى، إما بحث الحضور على أن يحدثوا ثورة في طريقة تفكيرهم أو بإعطاء أمثلة على خطواتهم "الثورية" البسيطة في عالم الأعمال أو الابتكار الاجتماعي. والأكيد أنه من أجل أن تزدهر البيئة الحاضنة للريادة في مصر، يجب أن تحصل تغييرات جذرية في بقية النظام، ليس أقلها الثقافة والموقف من المرأة. وقد تحدثت بثينة كامل عن تجربتها بأن تكون أول امرأة تترشح للرئاسة، وهي خطوة جعلت زوجها هدفاً للسخرية من عناصر أقل تقدمية في المجتمع ولكنها غيّرت النظرة الثقافية للكثيرين.
ومع تقدم الفعالية، كانت الطاقة تزداد شيئاً فشيئاً. وكان هناك عرض رائع للتوازن والقدرة على التحمّل والثبات من راقص تنورة لم يستنسخ النموذج التركي كما هو بل أضاف عليه ابتكاراته المصرية الخاصة. وتأججت الطاقة أكثر حين قدمت فرقة "المغنى خانة" عرضاً دمجت فيه الموسيقى الفولكلورية التقليدية والغناء مع آلات حديثة وأداء حديث، وأدت أغان مختلفة جعلت الحضور يصغي إليها وقوفاً. من الواضح أن هؤلاء الشباب يعشقون الموسيقى، وهو أمر بدا معدياً فحتى بثينة وقفت والابتسامة تعلو وجهها.
انتهت الليلة مع فرقة أخرى هي "برو 9". ولكن المغني الرئيسي فقط استطاع المشاركة، وقد قدم أداء بارعاً لوحده حيث دمج أيضاً الغربي بالمحلي وعزف على الجيتار والكازو وأدى أكثر من أغنية عن الثورة بطاقة وشغف وبدعابة من النادر وجودها في الساحة الموسيقية العربية. يستحق هذا الشخص أن يسمع. فقد جعل خاتمة الفعالية أمراً رائعاً.
رغم أني استيقظت عند الخامسة صباحاً في ذلك اليوم إلاّ أن دماغي كان مستعداً للبقاء متيقظاً لساعات بعد الحدث.
هناك حياة خارج القاهرة وحياة جميلة أيضاً.