مناهج تقييم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة العربية
يعد تقييم الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم في
منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا مزيجاً من الفن والعلم والتفاوض
والثقافة والمراوغة. وتقييم الشركات الخاصة هو ممارسة يومية حول
العالم. ولكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تتفاعل مختلف
القيود لخلق مناقشات مثيرة جداً للاهتمام ومفاوضات مطولة.
تاريخياً، تبنى الشركات العائلية
من الجهد الخاص للمالك الأصلي، وتموّل بشكل خاص من مال نقدي وغالباً
ما تتكبّد ديوناً وتعمل من دون هيكلية إدارية أو في ظل مستوى بسيط من
الإدارة. في هذه الحالة يمكن لتقييم مؤسس الشركة أن يكون ذاتياً
وتحركه عاطفته كونه يسعى للتعويض عن نضاله والجهد الذي بذله في
الماضي، أو للحفاظ على استمرار أسلوب الحياة نفسه الذي اعتادت عليه
عائلته. ولكن العديد من مناهج التقييم المعروفة والمقبولة عالمياً،
سواء كانت مالية أو استراتيجية، غالباً ما لا تنطبق هنا أو ترفض بشكل
صريح من قبل المؤسسين.
وخلال تجربتنا في مؤسسة ريادة
لتطوير المؤسسات، وجدنا أن هذه الحقيقة تنطبق أيضاً على الشركات التي
أسسها مستثمرون فرديون لذلك فهناك حاجة لتعليم السوق المحلية أسس
التقييم ومقاربة المستثمرين في الأسهم الخاصة للوصول إلى وضعية الربح
المشترك مع الشركات المستهدفة.
هناك مناهج مختلفة يمكن أن تستخدم
لتقييم شركة بشكل موضوعي. والمنهج المفضل أو الأمثل يعتمد على نوع
الشركة نفسها وبناء على منهج التقييم التي استخدمناها يكون لدينا
مجموعة من القيم التي تشكّل أساساً للمزيد من المفاوضات.
التدفقات النقدية
المخصومة
هذا منهج تقيّم القيمة الجوهرية
للشركة بناء على التدفقات النقدية المستقبلية الحرة للشركة. وهذا
المنهج هو المفضل لدى الرياديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا
لعدة أسباب لعل أبرزها أن التدفق النقدي المستقبلي يعتمد على خطة
الإدارة التي في الكثير من الحالات لا تعكس الأداء التاريخي للشركة
والتي يمكن تعديلها بسهولة وبشكل تفاؤلي من أجل تلبية حاجات مختلفة.
وقد رأينا بشكل مستمر خططاً مالية لشركات صغيرة ومتوسطة الحجم تعكس
انطلاقة صاروخية في العائدات وتدفقاً عارماً للنقد من دون خطة
استراتيجية مستدامة ترتكز عليها.
وفي معظم الوقت، يمكن للمستثمرين
بسهولة أن يدحضوا الافتراضات ومحركات الأعمال التي تقف وراء نمو
التدفق النقدي وأن يخفّضوها، وذلك على حساب فريق الإدارة المستهدف.
وبشكل متّسق، فإن معدل الخصم الذي يطبقه المستثمرون يأخذ في الاعتبار
مخاطر تشغيل الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط، في حين
أن الرياديين ورؤساء الشركات يفضلون معدلاً أقل بكثير تعتمده الشركات
العامة المتعددة الجنسيات. ومن هنا فإن التقييم جوهري باستخدام منهج
خصم التدفقات النقدية ليس هو التقييم الأمثل، ويختلف بصورة عشوائية،
وينبغي استخدامه فقط كنقطة بيانات.
مقارنة الأداء المالي مع
شركات مماثلة
هذه المقاربة يحرّكها السوق وتستخدم
معدل الربح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك
(EBITDA) أو معدل السعر إلى الأرباح، كأساس للتقييم. ويقاس
الأداء المالي للشركة الصغيرة أو المتوسطة الحجم عبر مقارنتها بشركات
عامة (أو بتعاملات جرت مؤخراً) في القطاع نفسه مع تطبيق خصم يأخذ في
الاعتبار الحجم والسوق والنضج والمخاطر الجوهرية للشركة نفسها. فعلى
سبيل المثال ان رقماً مضاعفاً من EBITDA يستخدم بشكل واسع لتحديد
القيمة الأساسية للشركة وهذا النهج هو المفضل بشكل عام لأنه يسمح
للشركة بأن تقاس بشكل مستقل عن مختلف العوامل مثل معدلات الفائدة
والإهلاك.
وتتطلب المقاربة إجراء بحث في
السوق لجمع البيانات المتعلقة بشركات أخرى في القطاع ذاته أو في
قطاعات قريبة وتطبيق معدل خصم معقول ودقيق يأخذ مخاطر الشركة في
الاعتبار. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تتضمن هذه المخاطر
حجم السوق، إقليمياً ودولياً، وقدرة الشركة على تحقيق نمو قوي في
القطاع المستهدف وقدرتها على التوسّع وتنفيذ المشاريع أبعد من الحدود
المحلية وفرادة المنتجات والخدمات التي تقدمها وخصوصاً في أسواق
وبلدان نائية وقدرة الشركة على الوصول إلى مستوى سيولة مؤات وهو أمر
لا يزال مقيداً كثيراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالنسبة
للشركات الصغيرة والمتوسطة. وسيتم خصم قيمة الشركات الصغيرة والمتوسط
في المنطقة بالمقارنة مع نظيراتها في العالم المتطور. وكما هو متوقع،
يواجه منهج التقييم الذي يحرّكه السوق، اعتراضاً من المستثمرين وأصحاب
المشاريع لأسباب أبرزها الخصم المطبّق.
تقييم الويب
والمحمول
التقييم صعب أيضاً للشركات التي
تعمل عبر الإنترنت والمحمول. والمؤشرات الرئيسية التي تسخدم عادة في
العالم المتطور لتقييم الشركات في الأسواق السريعة النمو والأسواق
الاستراتيجية يمكن تطبيقها في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ولكن
بمعدل خصم عال جداً. فعلى سبيل المثال، ان الشركة التي تعمل عبر
الإنترنت والمحمول في مجال البرامج والتجارة الإلكرتونية والإعلام
الإجتماعي وشبكات الإعلان والإعلام الرقمي، ستخضع لخصم يأخذ في
الاعتبار الحقائق المرتبطة بالمعوّقات الخاصة بالإنترنت في
منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
ومن الأمثلة على مناهج التقييم
التي نستخدمها كقاعدة انطلاق في هذا النموذج هي معدل السعر لكل مستخدم
رقمي والعائدات على المستخدمين والسعر لكل ألف ظهور CPM والتكلفة في
مقابل النقر CPC وقيمة المستخدم المسجّل وقيمة المكتبة الرقمية. ومعدل
الخصم المستخدم يأخذ في الاعتبار جوانب مثل غياب اقتصادات مؤاتية
لصعود الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وبطء الحركة في
قطاع الإعلان عبر الإنترنت، وحقيقة ان المنصات المتطورة لبيع
المخزونات على الإنترنت ولإطلاق حملات إعلانية للعلامات التجارية لا
تزال حديثة العهد، وأيضاً حقيقة أن أداء المستهلك على الانترنت لا
يزال في طور النمو، ولم نصل بعد إلى أسواق مفتوحة تماماً، والتجارة
الإلكترونية عبر الحدود في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لا تزال في
مرحلة مبكرة، إلخ..
وفي حين أن الأعمال التجارية عبر
الإنترنت تبشّر بحلول أكثر من نظيراتها في القطاعات الأخرى، فإن الوضع
الهش للإمدادات والطلب بين المستثمرين والشركات التي تعمل عبر
الإنترنت والمحمول يبقي التقييم قيد الاختبار. وحين يتم التخلص من هذه
المعوّقات، نتوقع أن ترتفع قيمة هذه الشركات.
لذلك فنحن نستخدم مناهج مختلفة
للتقييم من خلال خلق مجموعة من القيم التي ستقود المفاوضات والاتفاق
مع الشركة المستهدفة. وسنستغرق الوقت الكافي في المفاوضات كي تكون
شفافة عبر جعل الفريق المستهدف على علم كامل بالمناهج المستخدمة
والمخاطر الجوهرية والقيمة المضافة التي نتوقعها على الاستثمار من أجل
تقليص المخاطر وتسريع النمو.
وفي الخلاصة، ان تقييم الشركات
الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا يزال فناً
أكثر منه علماً. وفي العديد من الحالات، يكون المال الذكي متاحاً
وجاهزاً للإنفاق ولكن التقييم الواقعي للشركة يصبح حجر العثرة الذي
بمجرد تجاوزه، يسهّل المزيد من رأس المال المخاطر، والمؤسسات الممولة
من الأسهم الخاصة. واليوم تزدحم منطقة الشرق الأوسط بفرص غير محققة
وبشركات محدودة للغاية نظراً لمعضلة التقييم، من بين أمور أخرى. نأمل
أن يساعد فهم الفروق الدقيقة بين هذه المقاربات في تسهيل
العملية.