حروب تويتر.. مستثمرون أتراك.. نقاط تحوّل: أين نحن بعد عرب نت؟
مرّ أسبوع على قمة "عرب نت" الرقمية في بيروت، وما زلت أفكر بالحدث. وقد أجريت أنا ومديرة التحرير مايا رحّال معاً حوالي 40 مقابلة في جناح أرامكس ـ عرب نت ـ ومضة، وبالكاد خطونا في القاعة الرئيسية للحدث، ولكن كان من الواضح ان عرب نت هذا العام كان حدثاً مختلفاً.
في العام الماضي التقت "ومضة" معظم أصحاب الشركات الناشئة الذين عرضوا أفكارهم في ماراثون الأفكار ومسابقة العرض التوضيحي للشركات الناشئة من بينها موقع مناقصات (Monaqasat) وهو منصة للمناقصات الإلكترونية نجحت في جذب الجمهور بفضل مناقصات أجرتها لعقود بناء بقيمة مليار دولار هذا العام. وهذا ما أشار إليه مؤسس "عرب نت"، عمر كريستيديس، الذي لا ينال منه التعب، حين قال ان العديد من المشاريع الناشئة التي عُرضت هذا العام ـ من بينها "قرطبة" التي فازت بمسابقة العرض التوضيحي للشركات الناشئة ـ كانت تعلن عن منتجات جديدة بدلاً من البحث عن تمويل.
"عرب نت" نفسها حضرت أيضاً. فقد بذل كريستيديس كل ما في وسعه وها هي جهوده تثمر. فبفضل الأيام الخمسة للقمة (كان هناك ما يرضي الجميع) والعدد الكبير من عارضات الأزياء اللواتي مهّدن للجلسة الحوارية التي أجراها موقع "ماركه في آي بي" (Marka VIP) للمبيعات الخاصّة عبر الإنترنت (جرعة ترحيب مسرحية؟)، ومديري النقاشات الذين توجهوا مباشرة إلى مستخدمي تويتر أو المغردين لسؤالهم عن آرائهم، رسّخت القمة هذا العام دعائمها.
ولكن بمجرد أن بدأت القمة وأخذ كل مكانه، تذكّر هذا المجتمع الأمر الذي يدركه مسبقاً وهو أنه لا يزال فتياً جداً. فأصحاب النجاحات الحديثة العهد أسرّوا لنا بعد أن توقفت الكاميرات عن التسجيل بالمسائل الخطيرة التي يواجهونها. واعترف المستثمرون بترددهم. وأكّد أصحاب المشاريع الناشئة على يفاعة أسواقهم وعبء النضال الذي يخوضونه.
ومن "أيام المنتدى" في القمة، توضّحت بعض الأمور:
1 ـ حرب الكبرياء
لا يزال فضاء التكنولوجيا في العالم العربي حديث العهد، ولم يصبح مشبعاً بعد، حتى في فضاء الصفقات اليومية. ولكن اللاعبين الجدد يناورون في جميع الأحوال، بضراوة من أجل الهيمنة. وقد ردد بعض المستثمرين الأتراك الذين تحدثت إليهم بأن حال فضاء التكنولوجيا في العالم العربي يشبه إلى حد كبير ما كان عليه نظيره التركي قبل 3 و5 سنوات. ولكن أحد هؤلاء المستثمرين قال انها حرب بين الـ"أناوات" الكبيرة (أوليست الفضاءات المتنافسة في معركة أصلاً؟). فوجود لاعبين كبيرين اثنين أو ثلاثة فقط في أحد الميادين، يمكن أن يجعل الأمر بسرعة شخصياً.
ومثال على ذلك حرب اسكتانة/سينموز على تويتر.
فالشركتان تعملان في مجال الفيديو عند الطلب. وبوجود منافسين رئيسيين وحيدين هما Shahid التابع لـ"أم بي سي" وVOD channel التابعة لـ"ياهو مكتوب"، تعتبر سينموز واستكانة أكثر المشاريع الناشئة في هذا المجال شهرة إذا لم يكونا الوحيدان. فبعد عام من التطوير، أقر سامر عابدين أحد مؤسسي "استكانة" ان فريقه كان واثقاً بحذر أن هناك سوقاً للفيديو عند الطلب في المنطقة. وفي حين يبقى أن نعرف حجم هذا السوق، كان دخول "استكانة" إلى "عرب نت" صاخباً إذ أعلنت عن شراكة مع راديو وتلفزيون العرب أحد أكبر مصادر الأفلام العربية.
وكي لا يهمّش، وزع سينموز ملصقات لاصقة للحدث في مواقع مختلفة في حملة تسويقية حذقة ولكن غريبة من حيث حذرها ودقتها. وقد سألني صديق "هل وضعت ذاك الملصق على قارورة الماء؟"، وهو متأكد من أن أحداً لن يعبث بقارورة الماء المفتوحة خاصتي فقط من أجل العلامة التجارية.
ولكن مسؤولَي الشركتين اللذين شاركا في الحدث لم يبدو أنهما خصمان مرجحان. فعبادين، الشريك المؤسس في "استكانة"، حين وصف عمليات التجديد التي قامت بها شركته على مدار السنة، حول عينيه بطرافة، في حين أبدى كريم صفي الدين مؤسس "سينموز" ثقة حيوية حين ناقش شغفه للقطاع.
منتجات الشركتين أيضاً مختلفة، ففي حين ان "استكانة" تبدو مدروسة أكثر، فإن "سينموز" غير متماسكة بشكل مقصود. وفي حين دخلت "استكانة" الاتجاه السائد، مضيفة مجموعة من الأعمال الكلاسيكية، عرضت "سينموز" مؤخراً أفلاماً وثائقية أصلية وأفلاماً مستقلة.
ولكن في جميع الأحوال، فقد تأجج التوتّر المتصاعد بين الفريقين على تويتر، وسيط عرب نت، في اليوم الأول من أيام المنتدى. فخلال العرض التوضيحي ل"سينموز" بدأت الحسابات: @Seeqnce و@Cinemoz و@SamerKaram على تويتر تنشر التغريدات بشكل متزامن مستخفّة بالصفقة بين استكانة وراديو وتلفزيون العرب. وجاء الرد فوراً من محمد شواش (@Moeys) الذي لا يعرف الخجل ويعمل في وضع استراتيجيا الإعلام الاجتماعي في "استكانة"، حيث كتب "عذراً عرب نت هناك العديد من المقلّدين اليوم! استكانة كبرت عاماً ولديها المحتوى نفسه الذي يدّعي سينموز أنه لديه" في حين قفز مصمما المواقع خالد حكيم ورونزا أيوب إلى السجال وحتى كريستوس ماستوراس من "ياهو! مكتوب" والمهذب دائماً شارك أيضاً، إذ لم ينشر التغريدات عن شركته بل قاوم ادعاءات سينموز بالأسبقية.
ولكن بعد لحظات ولعدم منح التفوق لأحد، قام حسابات @Seeqnce و@Cinemoz و@SamerKaram بنشر على تويتر بأن "توقيع شراكة متميزة مع راديو وتلفزيون العرب (لإضافة 10 آلاف مادة) شيء ونشر مادة أسبوعياً هو شيء آخر" في تلميح إلى الوتيرة الكسولة لدى "استكانة".
وبعد ساعات، أوقفت قناة "استكانة" الحرب بنفسها دبلومسياً حين أعلنت أن "استكانة ترغب في الترحيب بسينموز في ساحة الفيديو العربي على الإنترنت. كل التوفيق!" في حين كرر "سينموز" بهدوء ادعاءه بأنه أول محرّك للسوق إذ كتب ان "قاعدة بيانات ـ سينموز هي المنصة الأولى المميزة في مجال الفيديو عند الطلب في العالم العربي ومن أجله" (http://bit.ly/GVjV7x للحشريين، يؤرّخ هذا الرابط لانطلاق سينموز في آب/أغسطس 2011 مع العلم ان "استكانة" انطلقت في عرب نت 2011 في مارس/آذار، حسناً ألاّ يهم ذلك؟).
أثبت هذا الأخذ والرد قوة تويتر كعامل تسلية وصرف للانتباه في "عرب نت" (وهما وظيفتان مطلوبتان). ورغم ان هذا كله كان دراما غير ملحوظة ورغم أن الخصومة بين الشركتين هي في الواقع من ألطف الخصومات في فضاء الإنترنت، إلاّ أن سينموز بدت حادة قليلاً، وهو ما يبيّن المسار العام في هذا الفضاء: أن تبدو الرائد في مجالك مهما كان الثمن.
صحيح ان بعض المناورات هي أمر جيد، إلاّ أنه إذا كان ثمة من سوق للفيديو عند الطلب في المنطقة، فيجب أن يكون هناك مكان للاعبين ولا حاجة للملاكمة على حساب عرض المنتجات نفسها. وهذا الدرس ينطبق أيضاً على قطاعات أخرى: لذلك خففوا الغطرسة وزيدوا الفعل.
2 ـ الأتراك لا يجتاحون بالكامل.. على الأقل حتى الآن.
أثناء مقابلتنا مستثمرين أتراك وأشخاصاً كانوا يعملون في شركات تركية وتجاذبنا أطراف الحديث معهم، سمعنا آراء متباينة حول العلاقة بين تركيا والعالم العربي. وأصر أحد خبراء الألعاب بأن تركيا تتطلع الآن إلى العالم العربي باعتباره سوقا جاهزة ومفتوحة ومتجاورة ثقافيا مع تركيا ومتجانسة لغويا، وطبعاً أقل ازدحاما من أوروبا أو الولايات المتحدة. وبعد رؤية صعود الشركات المدعومة من مستثمرين أتراك مثل MarkaVIP ، ودخول Peak Games إلى المنطقة، يؤكد حضور مستثمرين أتراك قمة عرب نت هذا الاتجاه.
ولكن بإمكاني أن أحصي عدد الشركات التكنولوجية التركية والمستثمرين الأتراك الذين دخلوا العالم العربي على أصابع اليد الواحدة، وبحسب الخبير نفسه فإن "معظم شركاتنا التكنولوجية في تركيا لا تزال إما محلية بالكامل أو عالمية بالكامل. لذلك من المبكر جداً وصفنا بـ"منطقة واحدة".
3 ـ التجارة الإلكترونية هي نقطة تحوّل
اعترف العديد من أصحاب الشركات الناشئة في مجال التجارة الإلكرتونية من بين أكبر اللاعبين الذين أعلنوا هذا العام تحقيق تقدم على مستوى المنصات الجديدة الواعدة، وكذلك مستثمروهم، بأن المسألة الكبرى التي تهدد بإسقاطهم جميعاً هي الدفع نقداً عند الاستلام.
لماذا؟ لأن الزبائن يعيدون الرزم. فشركات التجارة الإلكترونية تتكبد تكاليف الشحن والإعادة، وفي البلدان التي لديها رسوم استيراد باهظة، يعتبر هذا الأمر مدمراً بصفة خاصة. فإذا كانت الشركات تولد 80% من عائداتها عن طريق الدفع عند الاستلام، وهو أمر ليس غير مألوف إذا احتسبنا الأسواق السعودية والمصرية، فإنها لا تستطيع تحمّل وقف استعماله كخيار للدفع. ولكنها في الوقت نفسه لا تحتمل أن تعاد 25% مثلاً من رزمها من دون أن يدفع الزبون شيئاً. لذلك لا بد من تغيير شيء ما هنا وبسرعة. ويجب إجراء المزيد من البحث لمعرفة ما إذا كانت هذه في المقام الأول مشكلة في تنسيق التسليم كما يوضح البعض؟ أم هي قضية بضاعة سيئة؟ شاهد "ومضة" قريباً لاستكشاف لغز الدفع عند الاستلام.
4 ـ الصدق في ارتفاع
ان أحد أكثر الأدوات بساطة وأكثرها فعالية التي استخدمتها "عرب نت" هذا العام كان استطلاع آراء الجمهور برفع الأيدي وذلك من خلال طرح أسئلة خلال جلسات النقاش. وكانت هذه لحظات قليلة مؤثرة جداً استطاعت أن تعطي صورة عن وضع البيئة الحاضنة بدقة أكثر من أي متحدث أو تعليق أو مجموعة تغريدات على تويتر.
وقد وصفت المساهمة في ومضة، فرناندي فان تيتس، كيف سأل محرر شؤون التكنولوجيا في وول ستريت جورنال أوروبا بن روني، الحضور عمّا إذا كان قطاع الاستثمار في رأسمال المخاطر يحقق فعلاً هدفه، ولم يرفع أحد من الحاضرين يده. ويتذكّر كريس شرويدر، عضو مجلس الإدارة في ومضة، موقفاً مماثلاً كان حاضراً خلاله، حين سأل مدير إحدى النقاشات من من بين الحاضرين قد أخفق وإذا بنصف الموجودين في القاعدة يرفعون أيديهم.
وفيما جادل بعض الذين تحدثت إليهم بأن الإخفاق في قطاع التكنولوجيا هنا ليس أمراً محرماً، يتركنا مشهد رفع نصف المشاركين أيديهم اعترافاً بأخطاء مختلفة مع مقياس ملموس للتقدم: وهو أن الصدق والتضامن باسم تغيير الوضع السائد، في ازدياد. ولا بد أن نشكر "عرب نت" لأنها جعلت هذا الأمر مرئياً لنا جميعاً.