ينظر المستثمرون إلى تركيّا باعتبارها سوقا خصبة للشركات الغربيّة لدخول منطقة الشرق الأوسط
بلا شك، فقد شهدت الأسواق الناشئة تقدّما ملحوظا في مجال ريادة الأعمال خلال العامين الماضيين. ولقد لاحظنا نشاطا متزايدا في مجال تنظيم المؤتمرات، وتسارع وتيرة النشاطات الاستثمارية، بالإضافة إلى إطلاق البرامج الرياديّة من قبل القطاعين العام والخاص. في السابق كانت دول مجموعة "البريك" (البرازيل، روسيا، الهند والصين) هي الأسواق الناشئة المحبّبة للمستثمرين، أمّا الآن فنلاحظ زيادة اهتمام المستثمرين بتركيّا ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ومن أهم الملاحظات التي أبداها المستثمرون، خلال عدّة فعاليّات تناقش الفرص الاستثمارية في المنطقة تمّ تنظيمها في اسطنبول مؤخّرا، أنّ تركيّا لا تزال أكثر جاذبيّة كسوق للاستثمارات. بينما أظهر أحد الأبحاث أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الآن تمنح فرصا استثماريّة أكبر من تركيّا، يقول المستثمرون أنّهم يفضّلون تركيّا لأنّها لا تزال تعتبر سوقا أكثر جاذبيّة وأكثر استقرارا. ببساطة، هناك شيء مت يتعلّق بمؤشّر العلامة التجاريّة لتركيّا والتي تبعث على رضا المستثمرين.
في كل من الندوة التي نظّمتها جامعة سابانجي ومنتدى المستثمرين خلال قمّة ويبرازي في اسطنبول، أكّد المستثمرون سواء من تركيّا أو دول أوروبّا الغربيّة الشعور العام بأنّ تركيّا تعتبر سوقا رائدة للدخول إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
خلال ندوة جامعة سابانجي، اعتبر سيم سيسميج الرئيس التنفيذي لشركة نيوتونمور (Newtonmore)، وهي شركة رأس المال المخاطر والأسهم الخاصّة ومقرّها لندن، أنّ الصين، والهند والأسواق الناشئة الأخرى في جنوب آسيا (تايوان، كوريا وتايلندا) أهدافا رئيسيّة للمستثمرين الغربيّين، وأنّ البرازيل تأتي في المرتبة الثانية بعد تركيّا، وأنّ دول أوروبّا الوسطى والشرقيّة تأتي في المرتبة التالية من ناحية جاذبيّة الأسواق. وأشار سيسميج إلى أنّ تركيّا ستحافظ على وضعها كسوق جذّابة للمستثمرين خلال السنوات الست القادمة، بسبب اقتصادها الضخم والنمو الملحوظ في أسواقها.
أكّد ووتر جروت من شركة رأس المال المخاطر آتوميك فينشرز (Atomic Ventures) ومقرّها لندن، خلال مؤتمر ويبرازي، الذي حظي بشعبيّة واسعة بحيث شهد حضور أكثر من 750 شخصا هذا العام، على المكانة المهيمنة لتركيّا. وبالرغم من افتتاح مكتب لشركته في اسطنبول هذا العام، إلاّ أنّه يقول بأنّه كان ينبغي على شركته فتح مكتب اسطنبول في مرحلة مبكّرة. رولاند مانجر من شركة رأس المال المخاطر الألمانيّة إيرلي بيرد فينشرز (Early Bird Ventures) قال أيضا أنّه يؤمن بشدّة في ريادة السوق التركيّة، ويعتبرها البوّابة للشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، قال فنسنت لامبيرت من شركة رأس المال المخاطر سوميت بارتنرز (Summit Partners) ومقرّها بوسطن، بأنّ شركته لا تعتقد بأنّ تركيّا يمكن آن توفّر الأمن الكافي لحماية الاستثمارات. ويتّّفق كل من لامبيرت ومانجر على أنّ العثور على الإبداع وتوفير التمويل اللازم هي من أكبر التحديات التي يواجهونها خلال نشاطاتهم الاستثمارية.
مانجر (شركة إيرلي بيرد فينشرز)، فينسنت لامبيرت (شركة سوميت بارتنرز) وروبين ووترز (شركة تيك كرنش)، خلال قمّة ويبرازي في اسطنبول، أكتوبر/ تشرين الأوّل 2011.
يتميّز جيم سيرتوغلو من شركة يونغ تيرك فنشرز (Young Turk Ventures)، كمستثمر محلّي في العديد من الاستثمارات الناجحة في تركيّا، بأنّه يشارك من داخل موطنه خلال قمّة ويبرازي. يشدّد سيرتوغلو على قوّة سوق الإنترنت التركيّة ويقول بأنّه يصرّ على مواصلة الاستثمار داخل تركيّا، كما أنّه يتوقّع أن يحقّق روّاد الأعمال الأتراك نجاحا كبيرا.
أشار دونكان كلارك، رئيس مجلس إدارة بي دي أي (BDA)، والباحث الزائر في برنامج الريادة في جامعة ستانفورد، والذي قابلتُه مؤخّرا باسم مؤسّسة ومضة، إلى أنّ ما يسمّى باستثمارات "من الجنوب إلى الجنوب" – وهي المعروفة بـ "من الأسواق الناشئة إلى الأسواق الناشئة" مثل من البرازيل إلى الشرق الأوسط – ستنمو خلال السنوات القليلة القادمة، وأكّد على أنّ تركيّا ستبقى السوق المهيمنة.
لذلك، يبدو أنّ المستثمرين الأوروبيّين والأمريكان يتّفقون، على الأقل خلال هذه المؤتمرات في اسطنبول، على دوام تفضيل تركيّا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع ذلك، وبإلقاء نظرة سريعة على نتائج البحث الذي أجرته كليّة إدارة الأعمال (IESE) حول الأسواق ذات الجاذبيّة بالنسبة لشركات رأس المال المخاطر، والمؤسّسات العامّة، نجد أنّ النتائج تظهر توجّهات معاكسة.
يأتي ترتيب مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا قبل دول أوروبّا الشرقيّة، والتي تشمل تركيّا. وبالنظر إلى الترتيبات بحسب الدولة، نجد أنّه في عام 2007، احتلّت تركيّا مرتبة أعلى مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلاّ أنّه في عام 2011، تمكّنت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تحسين وضعها إلى حدّ كبير، بحيث تأتي المملكة العربيّة السعوديّة في المرتبة الأولى ضمن المجموعة.
بالرغم من أنّ النتائج التي أظهرها البحث والتي تؤكّد على أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتّع حاليّا ببيئة جذّابة، من حيث قوّة عوامل الاقتصاد الكلّي، وانتشار ثقافة ريادة الأعمال، إلاّ أنّه من الواضح أنّ مؤشّر العلامة التجاريّة والعوامل النفسيّة لا تزال هي الجاذب الأكبر للمستثمرين لتركيّا. سواء كان هذا بسبب إدراك الثقافة المشتركة، أو المخاوف بشأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على إثر ثورات الربيع العربي، يبدو أنّ المستثمرين يعتمدون على ما هو أكثر من آخر المعطيات، ولا يزال المستثمرون يتطلّعون إلى تركيّا كبلد رائد لإتاحة الفرصة لدخول بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وليس في الاتجاه المعاكس.
إلاّ أنّ بعض الشركات بدأت تخطو خطوات متسارعة تجاه دخول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأكبر مثال على ذلك، هو شركة هومينغبيرد فينشرز (Hummingbird Ventures)، ومقرّها بلجيكا، والتي تمتلك مكاتب في اسطنبول، وتشرف مؤخّرا على استثمارات في موقع التسوّق عبر الإنترنت "ماركة في آي بي" (MarkaVIP) في الأردن. لعلّ هذا التناقض بين التصوّر والمعطيات فيما يتعلّق بتركيّا، يعطي المشاريع الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأمل والثقة التي تحتاجها لاستمالة المستثمرين الأوروبيّين الحذرين أكثر إلى منطقة شبه الجزيرة العربيّة.