الشركات المصرية التي تقدّم الخدمات على المستوى العالمي تراقب الأوضاع بهدوء على أمل حدوث التغيير
ومع تواصل التوتّرات في مصر بعد الثورة، فقد غابت صورة الوحدة والتماسك التي شهدناها في ميدان التحرير إبّان الثورة، وعادت تداعيات الفجوة بين الأجيال المختلفة إلى الظهور مرّة أخرى. قالت لي إحدى سيّدات الأعمال المصريّات مؤخّرا، "الشباب لا يزال يصرّ على فرض التغيير، بينما الجيل الأكبر سنّا يعتقد أنّهم قد حقّقوا ما يكفي من التغيير. فهم أشدّ مقاومة، وأكثر خوفا وقلقا."
وتتّسع هذه الفجوة بين الأجيال المختلفة لتشمل القطاع الخاص إلى حدٍّ ما، فبينما تحتاج كافّة الشركات في مصر إلى الاستقرار من أجل العمل والتطوّر، فقد استفادت تلك الشركات العاملة في مجال التصدير إلى الأسواق العالميّة بسبب التداعيات الاقتصادية للثورة. ومع انخفاض مستوى إنفاق المستهلك في البلاد في كافّة المجالات، من الطبيعي أن تتضرّر الشركات العاملة على المستوى المحلّي بشكل أكبر.
خلال مقابلة معه هذا الربيع، أكّد المستثمر وليد بكر من مؤسّسة ريادة لتطوير المشاريع على أنّ العمليّة الانتقالية في مصر لن تكون بتلك السهولة، وأنّ الانكماش الاقتصادي قصير الأمد سوف يجبر الشركات المحليّة على التوجّه إلى الأسواق العالميّة.
وبالرغم من الفجوة بين السوق المحليّة والعالميّة، إلاّ أنّ الرغبة في التغيير في مصر لا تقتصر على الشركات المحليّة وحدها، وقد اعترفت بذلك ثلاث من شركات التصدير العالميّة والتي تحدّثنا إلى كلٍّ منها. ففي حين أنّ الثورة بالكاد أثّرت في قطاع الأعمال، فإجراء تغييرات معيّنة في السياسات من شأنه تعزيز التجارة الإقليميّة والسماح للشركات بمواصلة الازدهار.
حاليّا تشهد شركة أغروكورب (Agrocorp) وهي شركة زراعيّة متخصّصة في تصدير منتجات الأرضي شوكي والزيتون، ازدهارا ملحوظا. يقول مؤسّس الشركة سيف الصادق بأنّ شركته التي تصدّر المواد الغذائيّة المعلّبة للولايات المتّحدة وأوروبّا، بالكاد تأثّرت بتغيّر الوضع في البلاد.
يمكن أن تستفيد أغروكورب من إجراء التغيير في سياسة تخصيص الأراضي، فلقد كان هذا تحديّا كبيرا، كما يقول الصادق، الذي يضيف قائلا، "في الماضي، تمّ منح قطع كبيرة من الأراضي لمزارعين صغار، وتمّ تخصيص آلاف الفدّانات ، أكثر مما يلزم للاستخدام، للشركات الكبرى. ونحن بقينا في الوسط، مع أنّنا وشركات أخرى مثلنا، على دراية وافية بكيفيّة تطوير الأراضي وخلق فرص العمل." فإذا دفعت الحكومة قليلا باتّجاه تصحيح عمليّة تخصيص الأراضي، فسنقطع شوطا طويلا في ذلك.
وإذا ما تمّ تسهيل القوانين الجمركيّة، فستتطلّع الشركة إلى الدول المجاورة. يقول الصادق، "في منطقة الشرق الأوسط، تبقى منتجاتنا في مخازن الموانئ لفترات طويلة، في انتظار إتمام إجراءات التدقيق والمصادقة والتخليص. نحن نرغب في التصدير إلى لبنان وسوريا، ونأمل بأن تفتح الدول العربيّة موانئها وأن تخفض من الرسوم الجمركيّة بحيث يمكن أن تتمّ إجراءات التخليص الجمركيّ بشكل أسرع.
يؤكّد عمرو رمضان من شركة فيموف (Vimov)، وهي شركة برمجيّات مقرّها الإسكندريّة، وتشتهر بتطوير تطبيق آي باد "ويذر إتش دي" (Weather HD)، على أنّ التوجّه إلى الأسواق العالميّة منذ البداية بالنسبة لشركة في قطاع التكنولوجيا المصريّة، هي خطوة طبيعيّة. يأتي تطبيق ويذر إتش دي في المرتبة الرابعة بين تطبيقات الـ آي باد الأكثر مبيعاً خلال العام الماضي، قبيل إطلاق الـ آي باد. تقريبا معظم الذين قاموا بتحميل التطبيق واستخدامه لم يكونوا على علم بأنّ مصدر التطبيق هو مصر.
ربّما يتّفق العديد من المصريّين مع تقييم رمضان بأنّ الاتجاه التصاعدي الحالي للثورة هو نفسيٌّ بالدرجة الأولى. يقول رمضان، "يشعر الناس كما وأنّهم في وضع يسمح لهم بأن يفعلوا ما يريدون من أجل خلق التغيير، وأنّ بمكانهم إنشاء الشركات دون أن يقف أحد في وجههم ليقول لهم بأنّهم ما زالوا صغارا على ذلك أو أنّهم لا يستطيعون عمل ذلك."
يقول رمضان بأنّه على الرغم من أنّ فيموف على الأغلب لم تتأثّر، إلاّ أنّ التغيير من شأنه أن يخلق فرصا جديدة، ويضيف قائلا، "الآن زادت إمكانية الدفع بالطرق الإلكترونيّة، حيث أنّ النظام القديم كان أكثر تقييدا."
أمّا بالنسبة لشركة خدمات تكنولوجيا المعلومات والاستشارات أو أم إس (OMS) فكانت عمليّات التصدير الإقليميّة وليست العالميّة هي التي تخفّف من مخاطر تأثير الثورة. بالرغم من تمكّن الشركة من التوسّع بنجاح في المنطقة، والاستفادة حاليّا من استثمار شركة أبراج كابيتال والذي يساعدها على التوسّع في أوروبّا، إلاّ أنّها لم تكن محصّنة ضد تقلّبات السوق المحليّة.
يقول مؤسّس الشركة أحمد قابيل، "الربع الأوّل من هذا العام كان صعبا جدّا، وقد تمّ إلغاء أو تأجيل بعض مشاريعنا. كان علينا بذل جهودٍ إضافيّة لموازنة الانخفاض في الأسواق المحليّة مع التصدير إلى الأسواق الإقليميّة."
تحدّث قابيل مؤخّرا مع ومضة حول قرار إنشاء شركته خلال السنوات العشر الماضية، ويقول بأنّ أو أم إس تستلهم طاقة الثورة لتحفيزهم على العمل، إلاّ أنّ الاستقرار ضروري لمساعدة الشركة على التوسّع. ويقول قابيل بأنّ القروض الدوليّة قد تساعد على إحياء الاقتصاد المصري وتعزيز الإنفاق المحلّي.
بالرغم من حقيقة أنّ الثورة ربّما تكون قد أساءت بشكل مؤقّت إلى سمعة القطاع الخاص في أعقاب فضائح الفساد، إلاّ أنّه من الواضح أنّه حتّى أصحاب الشركات المزدهرة والمتطوّرة، يساندون الشركات الصغيرة على أمل أن تضع الحكومة سياسات تنظيميّة لقطاع الأعمال. ولعلّ هذه الوحدة تترجم الشعور بالتمكين النفسي إلى وسائل وجهود ملموسة لتنمية الجيل القادم من روّاد الأعمال.
مقالات ذات علاقة على موقع ومضة: مصر 2.0: منظور المستتثمر: كيف تمكّن نكسة قصيرة الأمد نموّ الشركات الصغيرة و المتوسطة على الأمد الطويل