الدروس المستفادة من الفشل
الفشل يكاد يكون أهم معلم لأي ريادي
في عالم الأعمال. فبالرغم من أن الفشل يعامل على أنه من المحظورات في
المدارس والجامعات، حيث يقابل آباءنا إعادتنا لسنة الدراسية أو
لبرنامج دراسي باستياء شديد، إلا أننا بمجرد تخرجنا والتحاقنا بالعمل
على أرض الواقع، يصبح الفشل أحد الجوانب الرئيسية للتعلم
بالتطبيق.
وفي كثير من الأحيان يكون لدى رواد الأعمال الذين فشلوا في السابق
فرصة أكبر للنجاح في المشاريع الجديدة، وهذا بفضل الخبرات المتعلمة
والمتراكمة من تجارب الفشل السابقة. لا أعرف أي رجل أعمال ناجح عرف
النجاح فقط دون أن يختبر الفشل، بل على الواقع مرات الفشل لدى هؤلاء
أكثر من مرات نجاحهم. ولكن النجاح الذي حققوه في النهاية عوض كل
الإخفاقات السابقة. ولذلك، فأنا أرى أن الفشل هو واحد من أهم المقاييس
التي تمكن من قياس التقدم المحرز في المشاريع.
حتى نظم الاستثمار تأخذ نسب الفشل في الحسبان، فلما لا نحذو حذوها؟ إن
نموذج مشرع استثمار رأس مال تقليدي يبني على توقع أن 8 من كل 10
مشاريع سوف تفشل أو يصيبها الركود، وأن اثنين فقط سوف ينتجان عائدات
تعوض عن الباقي.
على مدى 10 سنوات سبقت، تحقق لدي معدل إيرادات مماثل، فقد شاركت في
سبعة مشاريع جديدة، فشل منها أربعة في مراحل مختلفة، واثنان أصابهما
الركود، بينما نجح مشروع واحد، لكنه عوض كل الإخفاقات السابقة بل أكثر
من ذلك. هنا سوف أتحدث إليكم عن اخفاقاتي والدروس التي تعلمتها
منها.
١- خطة العمل الزائفة
بدأت أول مشروع ريادي في عام 2002، وكان ذلك مع صديقي مينا جرجس الذي
كانت لديه فكرة إنشاء "زمبليطة"، وهو منتجع للفنون والموسيقى والترفيه في مصر.
بلورنا الفكرة، ثم جمعنا بيانات السوق، وكونا نموذج المشروع، وأخيرا
دخلنا مسابقة إم آي تي لنماذج المشاريع العربية. بعد أن وصلنا إلى
الجولة قبل النهائية وحصلنا على ردود فعل مشجعة أردنا أن نطلق الشركة
ونجد المستثمرين. وبعد الكثير من الجهد استطعنا إقناع رجل أعمال مصري
بارز يعمل في مجال السياحة والترفيه بأن يلقي نظرة على نموذج المشروع
خلال جولة بالسيارة. أثناء تفحصه لأوراق المشروع كان في البداية معجبا
بالفكرة إلى أن وصلنا إلى الجزء الذي يناقش رواتبنا ونسبة الأسهم التي
كنا نود الاحتفاظ بها، عندها فتح نافذة السيارة وألقى نموذج المشروع
خارجاً!
في النهاية انتهى الأمر بعودة شريكي مينا إلى الولايات المتحدة ليبدأ
المشروع من خلال منظمة غير حكومية مقرها في سان فرانسيسكو، وتعلمنا
درسا في كيفية تقديم المشاريع بطريقة أفضل في المستقبل.
٢- محاولة الحصول على غداء مجاني
ومن إخفاقاتي الأخرى محاولة تأسيس شركة لإنتاج وتوزيع المنتجات
الغذائية. بدأت المشروع مع شريك وحجزت قطعة أرض "مجانية" من الحكومة
في منطقة قرب القاهرة تسمى ميدوم في بني سويف بمصر. قمنا بإعداد نموذج
المشروع وحددنا شركاء التمويل المحتملين، لكن نسينا أن ننظر في الشروط
المرتبطة بهذه الأرض "المجانية"، فعندما راجعنا الأوراق بعد تسعة أشهر
أدركنا أن هناك شروط تشغيلية لقطعة الأرض من ضمنها استعادة
الحكومة لقطعة الأرض بعد ثلاثة أشهر!
في نهاية المطاف أعدنا قطعة الأرض وقمنا بإحلال ضمانات الائتمان التي
قدمناها لحجزها، ولم يكن ذلك دون بعض الخسائر المالية. ولحسن الحظ لم
تكن خسائرنا ثقيلة جدا. ومنذ ذلك الحين وأنا لا أغفل عن النظر في كل
بند في أي عقد أوقعه، بل وآخذ العقود على محمل الجد.
٣- عدم كفاية التدفق النقدي
عندما كنت أعيش في الجزائر في عامي 2005 و2006، قمت بدعم صديقة لي في
تأسيسها وكالة للإعلان والعلاقات العامة الخاصة بها
واسمها VectorGraphics، ونجحت هذه الشركة بسرعة لتصبح في أقل من
سنة واحدة من أكبر عشر وكالات الإعلان والعلاقات العامة في الجزائر.
ولكننا وقعنا في خطأ جسيم، ألا وهو أننا نسينا أن نمو المشروع يتوقف
على التدفق النقدي الداخل. لم نعبأ بالتدقيق في بيانات التدفق النقدي،
وانتهى الأمر بنفاد رأس المال المتداول، واضطررنا لإشهار الإفلاس على
الرغم من توقيع عقد بمبلغ مليون دولار.
والخطأ الثاني الذي وقعنا فيه كان إفراط شريكتي في العمل، فقد أخذت
على عاتقها معظم مهام المبيعات والإدارة رغم أنه كان لدينا أكثر من 10
موظفين. وبمجرد أن تزوجت وأخذت إجازة وضع وأمومة لم يستطع أحد من
الموظفين أن يقوم بنسبة 10% من مهامها، وهنا تعلمت أهمية بناء مؤسسة
بدلا من شركة قائمة على شخص واحد.
٤- المشروع الناشيء الزائد التصميم
والمثال الأخير هو الدرس الذي تعلمته عندما أصبحت أحد المساهمين في
شركة إي أرابيا، وهي وكالة تشتري الإعلانات على شبكة الإنترنت وتبيعها
كحزم مترافقة مع خدمات أخرى. ببساطة، كان تصميم الشركة أكثر من
المطلوب، فقد كان عدد الموظفين أكثر من اللازم، ومقرها كان باهظ
الثمن، ووضعت استثمارات ضخمة في مجال التسويق والعلاقات العامة حيث
عملت على وضع إعلاناتها إلى جانب إعلانات غيرها من كبرى الشركات في
القطاع. صرفت الشركة أكثر من مائتي ألف جنيه مصري (حوالي أربعة
وثلاثين ألف دولار) شهريا بينما كانت إيراداتها أقل من ربع هذا الرقم.
وبالطبع أفلست في أقل من سنتين. ومع ذلك عاد المشروع ولكن على نطاق
أصغر بكثير وبنفقات عامة أقل.
لقد تعلمت الكثير من هذه الدروس، وفي نهاية المطاف فإن ما تتعلمه من
الفشل يبقى عالقاً في الذهن أكثر من أي شيء تقرأه في كتاب. نصيحتي
لرواد الأعمال هي كالتالي: قم بمخاطرات لا تستطيع امتصاصها مالياً،
والتي من شأنها أن تؤثر على الخبز اليومي لك ولأسرتك، لكن جرب وحاول
مرة أخرى.