أفكار تشعّ من وحي الثورة المصرية
بقلم: عمر عائشة
لقد برزت الممكنات في العقل الجمعي لمصر ما بعد الثورة, ولم يشهد مكان في مصر ذلك التألق الذي شهده تيدكس كايرو TEDxCairo في 21 مايو/ أيار الماضي. لقد جمع ذلك الحدث الذي عقد في قاعة باسيلي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الجديدة, بعضاً من أهم اختصاصيي التكنولوجيا والفنانين والباحثين في مصر لبحث سبل إحياء مجد مصر القديم وتطويرها اقتصادياً واجتماعياً.
لقد أستعاد الحشد, الذي فاق عدده 1300 مشارك, والذي كان مزيجاً من خبراء الكمبيوتر والإنترنت وخبراء الأزياء, من المحافظين والمتنورين, ذكريات ميدان التحرير خلال احتلاله من قبل المحتجين في الأيام الأولى للثورة. لقد تمثل موضوع الحدث في إحياء روح "جمهورية ميدان التحرير" والذي أطلق عليه رسمياً "البعث", حيث شارك النساء والرجال جنباً إلى جنب, متناسين جميع الانقسامات الطائفية والفئوية, ويغمرهم إحساس عارم بالفخر لكونهم أسياد مجتمعهم وليسو غرباء عنه.
يبدو أن لقب مرحلة ما بعد التحرير "مصر 2.0" بدا مناسباً, حيث أن البراعة التكنولوجية في مصر باتت في الصدارة. وأوضح المختص في تكنولوجيا النانو, محمد عبد المطلب كيف يمكن للأحداث التي تبدو قليلة الأهمية التأثير على الوقائع التي نعيشها، في حين أن رائد الأعمال هيثم الفضيل, البالغ من العمر 23 عاما, أذهل الحضور بمحرك البحث الدلالي الذي ابتكره www.kngine.com، والذي اعتبر من قبل تك كرانش "اعتداءاً مباشراً على جوجل". كما أظهر المصري فهد البنالي، مؤسس المشروع الناشئ EveryFit, الذي يحتضنه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قدرة التكنولوجيا على دعم الأغراض الاجتماعية من خلال اختراع صمّمه لمكافحة البدانة في المجتمع عبر فهرسة حركات الفرد.
إلا أنه لا يمكن اختصار ثورة مصر إلى نطاق التكنولوجيا فقط. فالباحثة المصرية جيهان زكي وضحت جذور التحرير من خلال وصفها لثورة مصرية في عام 2011 ق.م. كما سرد شريف عبد العظيم, من جمعية رسالة الخيرية, قصة الجندي الذي قال انه سيموت سعيداً لأجل بلده, طالما انه متيقن من أن متطوعي جمعية رسالة سيواصلون القيام بعملهم. وقد أثارت المغنية فاطمة سعيد إعجاب الحضور في أغنيتها الأوبرالية (يوم ما الشعب تغير), في تذكير بالمشاعر التي أثارها دخول الناشط طارق شلبي، الذي كان قد اعتقل أثناء الاحتجاجات، وسط هدير من التصفيق، وتجسيد لصورة مصر المكتشفة حديثاً كمرتع للمقاومة الفردية.
كما تناولت المحادثات في تيدكس كايرو أيضاً طبيعة الكفاح الطويل والشاق الذي يتطلبه بناء مجتمع جديد. وقد تجرأت الناجية من مرض سرطان الدم, ندى شاتيلا على تجاهل المحرمات في حديثها عن كفاحها مع المرض، في حين تحدثت الأخصائية البيولوجية ياسمين سعيد بحماس عن حاجة مصر لإنشاء مركز للعلوم العصبية يعنى بحل أزمة مرض الزهايمر. كما خاض المؤلف عصام يوسف في تفاصيل مشكلة المخدرات في مصر، في حين حثّ الباحث الإسلامي فاضل سليمان المسلمين والمسيحيين على حماية بعضهم البعض على الرغم من البروز الواضح لأحداث التعصب الديني في مصر.
وكذلك توسع المدرب التنفيذي هشام الجمل في شرح أهمية السعي الجاد وراء تحقيق الأحلام, كما ختم مغني الراب أحمد "زاب" ثروت بقصيدة عن السعادة. لقد كان واضحاً تماماً أن التفاؤل ساد في أجواء تيدكس كايرو, إلا أنه من غير المعلوم حتى الآن فيما إذا كان تلقي قصص التغيير الإيجابي الذي سيؤثر في التحول في الوعي العام سيكون محاطاً بالخوف أم لا. ولكن إذا كانت الروح التي عكسها مؤتمر تيدكس كايرو مؤشراً، فإن مصر ماضية في الطريق الصحيح نحو البعث.