عربي

هل يستطيع اليوان الصيني إنقاذ الشركات العربية الناشئة من مخاطر تقلبات الدولار؟

هل يستطيع اليوان الصيني إنقاذ الشركات العربية الناشئة من مخاطر تقلبات الدولار؟

صرخات عالية وضربات قلب متسارعة مع نظرات حادة ممزوجة بالقلق والتوتر من جانب رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة بالتوازي مع شرائح من المستهلكين تترقب سعر الدولار كل دقيقة.. ذلك ليس مشهد من فيلم سينمائي بل يحدث على أرض الواقع يومياً في عدد من اقتصاديات الدول الناشئة التي يلعب مستوى سعر صرف الدولار فيها عامل مؤثر في تحديد قوة العملة الوطنية والقوة الشرائية المحلية، فضلاً عن تأثيره الهائل على نمو وتوسع الشركات الناشئة، التي ربما يغلق بعضها أبوابه أو يقلل من عملياته بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل وضعف إقبال المستهلكين، إلا أن البعض فكر في الخروج من دائرة الدولار الخانقة والبحث عن بدائل أخرى ربما تسمح للسوق المحلي بوقف ارتباطه بعملة العم سام المهيمنة على السوق العالمي، وبالفعل زاد الحديث خلال الثلاث أعوام الأخيرة مع تذبذب سعر الدولار ورفع معدلات الفائدة الأمريكية بشكل دوري، عن التعامل بالعملة الصينية "اليوان" بالتوازي مع الدولار، وبما أن الشركات الناشئة ورواد الأعمال وأصحاب تطبيقات ومنصات التقنية المالية من أشد المتأثرين من ارتفاع الدولار لمستويات قياسية، وفي نفس الوقت يُعتبرون حالياً من ضمن أكثر المؤثرين على حركة السوق الإقليمي وتوجهاته، فسيكونون من أوائل المتأثرين في حال تطبيق تلك الفكرة، كما سيكون لهم دوراً هاماً إذا تم الاتجاه نحو ذلك الأمر حتى لو كان بشكل تجريبي أو جزئي في البداية.

مخاطر هيمنة الدولار

عقب الحرب العالمية الثانية تمكن الدولار من فرض سيطرته على السوق العالمي، حيث تحولت العديد من الدول حول العالم لاستخدام عملة العم سام في المعاملات التجارية، وما زاد من سيطرته على السوق العالمي قيام الولايات المتحدة الأمريكية بطباعة سندات الخزانة وبيع ديونها على مستوى العالم، إلا أنه مؤخراً بدأت بعض الأصوات تتعالى للخروج من ذلك الحيز الدولاري الخانق والانفتاح على عملات أخرى بديلة يكون لها قوة دولية، وتتمتع دولها بمصالح مشتركة مع دول المنطقة العربية حتى يمكن تطبيق الأمر بسهولة ويكون ذو منفعة مشتركة لجميع الأطراف، وكانت أبرز تلك العملات العملة الصينية، والتي تمتلك دولتها استثمارات واسعة مع العالم العربي.

يقول "رامي مباشر" الشريك المؤسس لتطبيق Monie، للتقنية المالية، الذي يقع مقره في مصر: "مستوى ارتفاع وانخفاض الدولار يؤثر على نشاط شركتنا في مصر بسبب تداعيات ذلك على تكاليف العمليات والمصروفات العامة، على سبيل المثال، إذا ارتفعت قيمة الدولار، فإن تكاليف الخدمات تزيد، مما يؤدي إلى زيادة في الأسعار، على العكس، إذا انخفضت قيمة الدولار، فإن تكاليف الخدمات ستنخفض، مما يؤدي إلى ارتفاع في الأرباح، وزيادة في الطلب، لذلك، نحن نراقب تغيرات سعر الصرف لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل التأثيرات السلبية على أعمالنا".

تطرق تقرير Euromonitor International، عن "تحولات أسعار صرف الدولار الأمريكي: الدوافع والتأثيرات والتوقعات لعام 2023"، إلى مخاطر الاعتماد العالمي على الدولار فقط، وتأثير الارتفاع في قيمته والتي من الممكن أن يكون لها عواقب وخيمة على  الشركات الناشئة بالبلدان النامية، حيث تحتاج الشركات خارج الولايات المتحدة ذات الديون المقومة بالدولار إلى مزيد من العملة المحلية للتحويل إلى الدولار عند سداد مدفوعات القروض، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض إمكانات النمو، بالإضافة إلى ذلك، يصيب الشركات انخفاضًا في القيمة النسبية للمبيعات التي تتم بالعملات الأجنبية عندما يتم تحويلها مرة أخرى إلى الدولار في التقارير المالية، وهو ما يضعف من القوة الشرائية الناتجة عن تفاقم أزمة تكلفة المعيشة على نطاق واسع حيث أصبحت واردات السلع الأساسية باهظة الثمن على المستهلك العادي.

من جهته أشار "عبدالله شرارة"، مؤسس VPAY للتقنية المالية بمصر، إلى أن الدولار له تأثير واسع علينا كشركات ناشئة، حيث يؤثر بصورة كبيرة على مشترياتنا من الآلات ومستلزمات الإنتاج وغيرها، وبما أن بعضها مستوردة من الخارج، فإن ذلك يؤدي مباشرة لارتفاع الأسعار، وهو ما ينعكس على عملياتنا ونشاطنا".

"تتزايد الدعوات إلى الابتعاد عن الدولار الأمريكي - لكن الدولار لا يزال ملكًا"، ذلك عنوان للتقرير الذي شرته قناة CNBC على موقعها الإلكتروني خلال أبريل الماضي ، حيث أوضحت فيه أن الدولار الأمريكي كان بمثابة الملك في التجارة العالمية لعقود، ليس فقط لأن الولايات المتحدة هي أكبر اقتصاد في العالم، ولكن أيضاً لأن النفط، وهو سلعة أساسية تحتاجها جميع الاقتصادات الكبيرة والصغيرة ، يتم تسعيره بالدولار، كما يتم تسعير وتداول معظم السلع أيضًا بالدولار الأمريكي، إلا أنه خلا السنوات الأخيرة واستناداً إلى حساب CNBC لبيانات صندوق النقد الدولي حول اتجاه التجارة لعام 2022، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لـ 61 دولة عند الجمع بين كل من الواردات والصادرات، وذلك بالمقارنة مع الولايات المتحدة التي تحولت لأكبر شريك تجاري لـ 30 دولة فقط. ونوهت القناة الأمريكية أن السعودية، التي تُعد أكبر مصدر للنفط، أشارت إلى أنها منفتحة على التجارة بعملات أخرى غير الدولار.

اليوان يواجه الدولار

"لا يحب الجميع اللعب وفقًا للقواعد الأمريكية"، ذلك ما ركزت عليه The National News في تقريرها "هل يفقد الدولار الأمريكي مكانته كملك العملات؟"، والذي أشار إلى رغبة الصين في وقف هيمنة الدولار، وهم ليست الوحيدة، ففي عام 2019 ، اقترح رئيس الوزراء الماليزي آنذاك "مهاتير محمد" فكرة عملة تجارية مشتركة لشرق آسيا تكون مرتبطة بالذهب.

يضيف "رامي": "الفكرة التي تنادي باستبدال استخدام الدولار باليوان الصيني في المعاملات التجارية بين دول منطقة الشرق الأوسط، تعتبر فكرة جيدة لانها توفر بديل للدولار قادر على تسيير الأعمال، ولكن... يجب دراسة الأمر بصورة جيدة قبل تنفيذه، وفي نفس الوقت إذا تم تطبيق تلك الفكرة فسيكون لها تأثيرات إيجابية على الاقتصاد المحلي ونمو الشركات الناشئة في المنطقة العربية، وهو ما سينعكس على تحسين التجارة وتشجيع الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة، كما يمكن أن يساعد في تنويع العملات المتاحة للتعاملات التجارية وضمانة عدم الاعتماد على عملة وحدة".

على الرغم من التوقعات المتفائلة بمنافسة اليوان للدولار، يختلف "كوجلان كبير" محللي السوق الاستشاريين لشركة HYCM، في تصريحات نقلتها The National News، حيث يوضح أن العملة الصينية لا تُشكل سوى 7% من معاملات الصرف الأجنبي العالمية، ولكنها بالرغم من أنها حصة صغيرة إلا أنها في ذات الوقت سريعة النمو.

يعود "شرارة" ليوضح من جانبه أن تطبيق تلك الفكرة سيقلل من ارتفاع الطلب على الدولار، ويحد من زيادة سعره، يسكت قليلاً ثم يتسائل في حماسة نتعامل مع الصين في تبادل العديد من المنتجات وعملتنا وعملتهم ليست الدولار، فلماذا لا نجعل عملياتنا التجارية بالعملة المحلية بدلا من الدولار؟، وهو ما سيسهل التعاملات التجارية، ويقلل الضغط على الدولار الذي يزيد بصورة كبيرة جداً أكثر من قيمته الحقيقية.

يستطرد "شرارة" مؤكداً أن الشركات الناشئة تستطيع المساهمة بصورة كبيرة في حال كان هناك رغبة رسمية في ذلك، حيث لا يجب أن نغفل أن للأمر أبعاد سياسية معينة، وإذا تم أعتقد أنه ستلعب الشركات الناشئة دوراً مساعداً لتطبيقه على أرض الواقع.

بينما يرى "محمد الماجد"، رائد الأعمال السعودي، ومؤسس شركة "الكاف العربية لخدمات التسويق"، أنه بطبيعة الحال وجود سياسة حياد تتمتع بها المنطقة العربية يساعد ويساهم في توليد الكثير من الفرص، فاليوم الصين تبحث عن تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية لأهميتها الإستراتيجية في خلق توازن اقتصادي، ومركز آمن لاستثماراتهم، لذلك تعتبر الشركات الناشئة هي من أكثر المستفيدين من هذه الفرص، حيث تم إنشاء العديد من الشركات في ظل التغير الجيوسياسي، وبالتالي تغيرت الاهتمامات والأولويات.

تدخل "أنس شهزاد" مؤسس Fintech Matcher، الإماراتية، في المناقشة موضحاً أن استبدال استخدام الدولار باليوان الصيني في المعاملات التجارية بين دول منطقة الشرق الأوسط قد يكون له آثار مختلفة، حيث قد يؤدي هذا إلى تقليل الاعتماد على الدولار وزيادة التجارة ورفع مستوى فرص التعاون مع الصين، ومع ذلك، قد يكون له أيضاً تأثيرات سلبية بما في ذلك المخاطر المرتبطة بتقلبات هذه العملة، في حال تم تطبيق مثل تلك الفكرة، قد يكون لها تأثير مباشر على اقتصاد المنطقة ونمو الشركات الناشئة، فقد يكون هناك المزيد من الفرص للشراكات التجارية مع الشركات الصينية ، ولكن هذا قد يعني أيضا أن الشركات الناشئة قد تحتاج إلى التعلم والتكيف مع الأعراف والقوانين التجارية في تلك الدولة.

فرص هائلة

مع تنامى الاستثمارات الصينية في المنطقة العربية قد يكون هناك العديد من الفرص أمام استخدام اليوان في المعاملات التجارية خاصة بين الشركات الناشئة العربية والصينية، فكلما زاد حجم التبادل السلعي زادت فرص استخدام العملات المحلية كبديل للدولار في المعاملات التجارية، وبزيادة حجم الاستثمارات تزيد فرص التعاون والتبادل، وأيضاً يقل الاعتماد على الدولار ويتوقف على الأقل ارتفاعه الجنوني بعض الأحيان، وهو ما سينعكس بدوره على توافر المواد الخام اللازمة للإنتاج والتصنيع بأسعار مناسبة، مما ينتج عنه رفع معدلات القوة الشرائية، وزيادة شريحة المستهلكين، وهو ما سينتج عنه زيادة أرباح الشركات الناشئة ورواد الأعمال الذين يحاربون ليتمكنوا من الصمود أمام الارتفاع المتسارع للدولار، والذي يؤثر بالسلب على نمو مشاريعهم الناشئة وطموحاتهم التوسعية.

يؤكد "الماجد" أنه يمكن للشركات الناشئة الاستفادة من ذلك الأمر عن طريق استقطاب المشاريع التي تدفع باليوان، خصوصاً في حال عمل هذه المشاريع في المنطقة، وكذلك الاستفادة من العملاء الأفراد الذين يرغبون في العمل أو التجارة او تحقيق الربح من خلال الاستثمار في الشركات العربية.

وربما ما يوضح التقارب الاقتصادي الآسيوي عامة والصيني خاصة بالعالم العربي، والذي من الممكن أن يؤهل المنطقة للتعامل باليوان، ويدفع شركاتها الناشئة للتعامل التجاري بها، هو التقرير الذي نشرته مجلة Think China، في مايو الماضي وتحدث عن "تدفق الشركات الصينية على السعودية "، وجاء فيه أن "بيئة ريادة الأعمال الآن في السعودية مشابهة لتلك الموجودة في هونغ كونغ، حيث يُعتبر تطوير نظام بيئي للشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) وجذب المزيد من رواد الأعمال عنصراً أساسياً في خطة "رؤية المملكة 2030"، فخلال القمة السعودية الصينية العام الماضي، وقعت الشركات السعودية والصينية 34 اتفاقية استثمار تغطي قطاعات مثل الطاقة الخضراء وتكنولوجيا المعلومات والخدمات السحابية والنقل واللوجستيات.

كما نقلت المجلة عن "بيلي تي"، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Reelsights، وهي شركة ناشئة لتسويق الفيديو بالذكاء الاصطناعي ومقرها هونغ كونغ، "إنه سيفكر في التوسع في السوق السعودية، بما في ذلك إنشاء مكتب في البلاد".

 عاد "رامي" ليشير من جديد إلى أنه يُمكن للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط المساهمة في تطبيق فكرة استخدام اليوان الصيني بديلاً عن الدولار في المعاملات التجارية بين دول المنطقة عبر تبني استخدام العملات الأخرى في المعاملات التجارية الدولية بدلاً من الدولار، وتشجيع الشركات الأخرى على القيام بنفس الخطوة، مع العمل على تطوير البنية التحتية اللازمة لدعم تداول اليوان الصيني، وذلك بالتعاون مع الحكومات المحلية والدولية والمؤسسات المالية الدولية، فضلاً عن تقديم الدعم والتدريب للشركات الناشئة حول كيفية التعامل مع العملات الأخرى، وتحفيزهم على استخدام هذه العملات في المعاملات التجارية الدولية.

يتفق ما سبق مع تقرير The New Arab عن المؤتمر العربي الصيني في السعودية، والذي شهد توقيع اتفاقيات بقيمة 10 مليارات دولار خلال أول أيامه العام الحالي، لتبرز قناة "العربية" السعودية تصريحات وزير خارجية المملكة "الأمير فيصل بن فرحان" الذي اشار إلى إن الصين شريك تجاري للعالم العربي بقيمة 430 مليار دولار ، وهو رقم أعلى من أي دولة أخرى.

ربما ما يزيد التكهنات عن تعاون سعودي صيني مختلف عما سبقه من مراحل - ربما تأتي خلفه عدة دول عربية أخرى في الطريق - ما كان قد أكده الوزير السعودي من قبل خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين"، خلال شهر يونيو الجاري، إن علاقات الرياض مع بكين ليست "لعبة محصلتها صفر". وهو ما قد نستنتج عنه أنه أمر يشير إلى عزم المملكة على تطوير علاقاتها الاقتصادية لحد بعيد مع الصين، وربما يكون التبادل التجارب باستخدام اليوان الصيني هو أمر ليس بمستحيل أو على الأقل ليس بعيد الحدوث في ظل ذلك التقارب بين كلا البلدين، والتطورات الجارية في المنطقة.

ما يظنه البعض مستحيلاً من الممكن أن يتحول لواقع قابل للتطبيق، وقد يتضح ذلك في استطلاع الرأي الذي نشرته مؤسسة PwC العام الماضي، عن ثقة المستثمرين الصينيين في الشرق الأوسط، والذي يشير إلى أن حوالي 70٪ من الشركات الصينية لديها كيان تجاري في الشرق الأوسط، بينما 21٪ لديهم مكاتب لمبادرات توسيع الأعمال، حيث يعمل المستثمرون الصينيون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتتربع الإمارات والسعودية على قائمة أكثر الأسواق شعبية، حيث أشار 83٪ و 73٪ على التوالي من المشاركين في الاستطلاع إلى وجود أنشطة توسعية لأعمالهم وأسواقهم بكلتا الدولتين.

بين فرص واسعة وتحديات يتخوف منها البعض.. يترقب البعض الفترة المقبلة لاكتشاف مدى قدرة اليوان على مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي، فالأمر لا يقتصر فقط على التحركات الاقتصادية والاستثمارية بل يرتبط أيضاً بصورة مباشرة ببعض الظروف والتداعيات السياسية المؤثرة، ولكن يبقى أمراً واحداً يتفق البعض عليه وهو أن ربط حاضر ومستقبل اقتصاديات المنطقة العربية بعملة واحدة هي مخاطرة اقتصادية هائلة تجعل الشركات الناشئة الوليدة - التي ليس لها نفس قدرة المؤسسات العالمية والشركات متعددة الجنسيات وغيرها من القوى التجارية - غير قادرة على الصمود في مواجهة تقلبات عملة العم سام، التي متى يصيبها الارتفاع تنقلب الأسواق رأساً على عقب، وترتفع الأسعار، وتنكمش القوة الشرائية، وتتضائل فرص العمل، ويتراجع معدل النمو الاقتصادي المحلي، وهنا تقف الشركات الناشئة ومشاريع رواد الأعمال في مهب الريح مُنتظرة الغلق أو تراجع النمو والأرباح في أحسن الأحوال.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.