كيف خسرت "موز" معركة من جهة، لتربح حصة سوقية من جهة أخرى
تتسبب الكثير من الشركات الناشئة خلال سعيها للابتكار وتقديم الحلول الخلاقة وكل ما هو جديد في كثير من الأحيان في إرباك الكيانات المؤثرة حاليًا في السوق وإثارة حفيظتها. وتطبيق المواعدة موز (Muzz) الموجه لمجتمع المسلمين، والمعروف سابقًا باسم Muzmatch، لم يكن بمنأى عن ذلك، حيث أثارت هذه الشركة الناشئة وابتكاراتها في هذا المجال حفيظة مجموعة Match.com المدرجة بالبورصة، والتي تملك العديد من تطبيقات المواعدة مثل Tinder وHinge وOkCupid.
وقد قامت شركة Match التي استحوذت فيما سبق على شركة هارمونيكا المصرية في عام 2019، بمقاضاة شركة Muzz في محاكم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بدايةً بدعوى انتهاك براءات الاختراع (وتمت تسوية هذا النزاع خارج أسوار المحكمة في عام 2021) ثم بسبب انتهاك العلامات التجارية، بحجة أن استخدام كلمة "match" في اسم الشركة التجاري قد منح الشركة الناشئة وسيلة مجانية للاستفادة من سمعة مجموعة ماتش. وخسرت شركة موز القضية أمام محكمة مؤسسة الملكية الفكرية في المملكة المتحدة، وعدلت الشركة اسم هويتها المؤسسية إلى موز (Muzz) العام الماضي، ولكنها الآن بصدد استئناف الحكم الذي أصدرته المحكمة.
ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لمؤسس الشركة السيد شاهزاد يونس، حيث أمضى العامين الماضيين في قاعات المحاكم يصارع عملاقًا من عمالقة القطاع، وفي نفس الوقت يتولى إدارة شركته التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها والتوسع فيها.
ويصف يونس هذه الرحلة قائلاً: “لقد كانت رحلة طويلة ومرهقة، وقد شتت انتباهي شخصيًا بشكل كبير. على صعيد الشركة، كلفنا هذا الأمر أكثر من مليون جنيه إسترليني ذهبت لمحامي الدفاع.” وأضاف: “الاعتقاد بأننا جزء من مجموعة ماتش لا يساعدنا بتاتًا. لقد قمنا بتغيير علامتنا التجارية وخسرنا القضية أمام المحكمة ونحن منخرطون حاليًا في استئناف الحكم. نحن شركة لديها رسالة تسعى لتحقيقها وهذا الأمر يمثل مصدر إلهاءٍ وتشتيت لمساعيها.”
"أتذكر عندما كانت المحكمة على وشك إصدار الحكم، كان هدفنا هو الخروج من هذه المعضلة بقوة أكبر، وكنا مستعدين جدًا لأي قرار تتوصل إليه المحكمة. وقد تركزت جهودنا على تجديد التطبيق، وباعتباري المؤسس، لا تسير الأمور دائمًا كما نشتهي ونرغب، فهناك الكثير من الأحداث التي قد تطرأ دون أن تتوقعها، لذلك كل ما يمكن فعله هو مواجهتها والمضي قدمًا بكل مثابرة، دون أن تمنحها أي فرصة لتحبطك. وبصفتي الرئيس التنفيذي، يجب علي حماية فريق العمل من كل ما يحدث والتركيز على ما هو مهم. وإن كان لما حصل أي أثر، فكل ما فعله هو دفعنا بقوة باتجاه الهدف.”
في السابق، كان يونس يعمل في قطاع المصارف الاستثمارية، إلى أن خطرت له فكرة إطلاق تطبيق مواعدة يستهدف المسلمين.
ويتحدث يونس عن هذه التجربة قائلاً: "أتذكر رؤية بعض تطبيقات المواعدة التي شاع استخدامها في تلك الفترة، والتي تتيح لك التحدث إلى شخص غريب وقد أثار ذلك دهشتي بدرجة كبيرة. كانت هذه الفكرة جديدة وغير مألوفة، واعتقدت حينها أن المسلمين بحاجة إلى تطبيق مماثل لتيسير أمور التعارف والزواج، لذلك تركت وظيفتي وجلست في المنزل أتعلم كيفية إنشاء التطبيقات. صممت التطبيق على نظامي Android وiPhone في غضون ستة أشهر." "كنت استغل كل دقيقة من وقتي للتعمق في هذا الأمر، واستقلت من وظيفتي، ولم يكن لدي أي أموال. أحب التكنولوجيا وفكرت حينها إن كنت سأحول شغفي هذا إلى مشروع أعمال، فسيتعين علي دراسة هذا الأمر من جميع جوانبه.”
بمجرد الانتهاء من بناء التطبيق، أطلق يونس مشروع موز (Muzz) في عام 2015، على أمل تقديم منصة تتيح للشباب المسلمين الالتقاء والتحدث والتعارف ومن ثم الزواج في نهاية المطاف.
ويشرح يونس المعيقات التي واجهته قائلاً: "تتمثل الصعوبة التي تشهدها الشركات الناشئة في بداياتها عمومًا في كيفية تسويقها، وقد كنت حينها مزعجًا للغاية وحرصت على الالتقاء بأي مجتمع يتواجد فيه المسلمون، فكنت أقف خارج المساجد وأوزع المنشورات. في البداية لم يتفهم الناس فكرتي، ولم تكن تطبيقات المواعدة الأولى التي شاع استخدامها في تلك الفترة تتمتع بسمعة طيبة،” ولكن الحاجة إلى تطبيق مواعدة يركز على مجتمع المسلمين كانت كبيرة جدًا، لدرجة أن منصة Muzz بدأت سريعًا باستقطاب الجماهير.
الفكرة التي أطلقها يونس لم تكن جديدة تمامًا على المجتمع المسلم، فالمواقع الإلكترونية التي تقدم ذات الخدمة مثل Shaadi.com وSingleMuslim.com كانت موجودة بالفعل، لكنها كانت "قديمة الطراز ومكلفة"، حسبما أكد يونس، وكانت تركز بقدرٍ كبير على السمات الجسدية والمظهر الخارجي. ما فعلته منصة موز هو تحديث المساحة المتاحة للشباب المسلم، وبحلول نهاية العام الأول من إطلاقها، تمكنت المنصة من استقطاب 50,000 شخص. اليوم، أصبحت موز أكبر منصة للمواعدة الإسلامية في العالم، ولديها أكثر من ثمانية ملايين مستخدم، كما تفخر المنصة بنجاحها في إتمام 400,000 حالة زواج.
ويواصل يونس حديثه عن البدايات قائلاً: "خلال تلك المرحلة، كنت أقوم بجميع المهام، مثل تقديم الدعم لكافة العملاء وإطلاق ميزات جديدة للتطبيق، فكانت المنصة تعمل بجهودي أنا فقط. في عام 2016، عينت أول موظف للمنصة، وكان مهندسًا مختصًا بنظامي التشغيل iOS وApple، وأعاد بناء التطبيق لنطلقه مجددًا في أغسطس 2016 وأضفنا حينها الكثير من الميزات الجديدة.”
وشملت تلك الميزات قدرات أفضل لإجراء المحادثات، وتفعيل ميزة المُرافق [التي تسمح لطرف ثالث بالوصول إلى الرسائل المتبادلة بين مستخدمي التطبيق اللذين يتعارفان بقصد الزواج]، واستهدفت هذه الميزة التشجيع على السلوك الجيد.
ويشرح يونس ذلك يقوله: "لا نريد أن نقدم للمستخدمين تطبيقًا سطحيًا، فالميزة الرئيسية التي يتحلى بها التطبيق هي حفظ الخصوصية وثراء محتوى الملف الشخصي، وهناك أكثر من 30 نقطة بيانات [تتعلق] بكل ما يهم الأشخاص الذين يبحثون عن شريك حياة." "تطبيقات المواعدة بشكل عام هي تطبيقات مبنية على السوق، فأنت بحاجة إلى رجال ونساء وعدد كافٍ من الأشخاص تريد منهم التفاعل عبر التطبيق. ما فعلته أنا هو التركيز على جودة التطبيق ولفترة طويلة لم أتقاضى فلسًا واحدًا مقابل استخدامه، [مما] جعل الأمور أكثر سهولة.”
امتنعت موز عن الاستثمار في التطبيق وتحقيق الربح لمدة سنتين منذ تأسيسها، ولم يبدأ يونس في تطوير تدفقات الإيرادات إلا بعد انضمامه لمسرعة الاعمال واي كومبناتور Y-Combinator في سيليكون فالي في عام 2017. في ذلك الوقت أيضًا، حاولت ماتش جروب الاستحواذ على شركة موز وقدمت في سبيل ذلك أربعة عروض، إلا أن يونس رفضها جميعًا، فسارعت ماتش إلى الاستحواذ على هارمونيكا (Harmonica) المصرية، ثم أعادت تسميتها لاحقًا إلى هوايا (Hawaya)، قبل أن تقرر إغلاقها.
وعن ذلك علق يونس قائلاً: “هناك الكثير من تطبيقات المواعدة التي لم تتمكن من الاستمرار، وانصب جل اهتمامي على تقديم قدرٍ كافٍ من القيمة. عدت إلى لندن وبدأت في إنشاء أول ميزة مدفوعة، وهي الدردشة الفورية، [بحيث] لا يضطر المستخدم إلى انتظار الطرف الآخر للإعجاب به حتى يتمكن من الحديث معه، بل يقوم فورًا بإرسال رسالة مباشرة له. أطلقنا الميزة وأضفناها إلى التطبيق وبدأ الناس على الفور تقريبًا في شرائها. وبمرور الوقت، ركزنا على تقديم ميزات جديدة وفرض رسوم عليها بدلاً من تحويل الميزات القديمة إلى ميزات مدفوعة.”
وهناك حوالي 10 في المائة فقط من مستخدمي منصة موز البالغ عددهم ثمانية ملايين يدفعون مقابل الميزات التي تقدمها المنصة، والباقي لا يدفع أبدًا.
“لدينا مشروع أعمال مربح، ودخلنا في جولة تمويل لمرحلة التأسيس وجولة تمويل من السلسلة “أ” وجمعنا ما مجموعه 9 ملايين دولار.” "استخدمنا بعضًا من هذه الأموال في العمل، لكننا الآن نحقق أرباحًا، ونمارس عملنا بالطريقة التي نفضلها.”
تركز الشركات الناشئة عادةً على سوق واحد قبل التوسع جغرافيًا، بخلاف موز التي حرصت على التواجد عالميًا منذ اليوم الأول لانطلاقتها.
وعن ذلك يقول يونس: "كانت فرنسا أول دولة أطلقنا فيها تجربتنا من حيث التسويق لجمهور محدد، واستهدفنا حينها المسلمين في البلدان غير الإسلامية. تركيزنا الأكبر حاليًا ينصب على البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل باكستان والشرق الأوسط.” ويضيف: "هناك تغيير ثقافي آخذٌ في التبلور، حيث يرغب الشباب المسلم في أن يكون أكثر قوةً وتمكينًا عندما يتعلق الأمر برحلته للعثور على شريك الحياة، فهم جميعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز عملية تبادل القيم والمعلومات. تلك الشبكات العائلية الممتدة ليست كبيرة كما كانت في السابق، حتى في الدول الإسلامية.”