البيئة الريادية في بيروت وفرصها المتعددة [تقرير]
أصدر تقرير البنك الدولي تحت اسم "نتائج وتوصيات منظومة شركات التكنولوجيا الناشئة" تحليلاً لبيئة شركات التكنولوجيا الناشئة في بيروت، في محاولة لتقديم وصف وقياس دقيقين للمشهد، وأجرى التقرير مقارنة بين أربع مكونات رئيسية: المهارات، والتمويل، والبنية الأساسية الداعمة لريادة الأعمال، والمجتمع المحلي.
البنية التحتية والاستثمارات
خلُص التقرير إلى أن البيئة الريادية الحاضنة في بيروت تعتبر في مراحلها المبكرة أو المتوسطة، إذ تجاوزت مرحلة النشوء لكنها لا تزال بعيدة تماماً عن مرحلة النضج.
تُعتبر البنية الأساسية الداعمة (على سبيل المثال، مسرّعات الأعمال والمرشدين والموجّهين) والمجتمع المحلي في مرحلة التطوّر. وقد سلط التقرير الضوء على أن برامج مسرّعات الأعمال لا توفر تدريباً بجودة كافية لرواد الأعمال ليتمكنوا من الاستدامة، مع ندرة المرشدين المؤهلين وقلة عدد المستثمرين المخاطرين.
وبحسب فادي بزري، الشريك المؤسس ومدير البرامج في معسكر "إس إي فاكتوري SE Factory" والشريك في صندوق الاستثمار المخاطر "بي آند واي فينتشر بارتنرز B&Y Venture Partners"، فإنّ البنية التحتية لا تزال في مرحلة التطوّر إلا أنها قطعاً تنمو بشكل أفضل.
أفاد البزري في حديثه إلى ومضة: «تتوفر العناصر اللازمة لنمو المنظومة الحاضنة، ولكننا في حاجة دائمة لتحسين الجودة. ونحتاج بكل تأكيد إلى الاستفادة من خبرة المخضرمين الدوليين في هذا المجال، لا سيما أننا لا نزال في البداية».
يبدو أن برامج مصرف لبنان (BDL) - مصرف لبنان المركزي - (مسرّعات مصرف لبنان والتعميم 331) تعمل على تحفيز الفعاليات وبناء المجتمعات المحلية، كما أن إجراءات الجهات المانحة والحكومة لا تزال تشجّع على العديد من الأنشطة في المنظومة.
تم تسجيل 43 مستثمراً في بيروت، نصفهم هم من شركات رأس المال المخاطر والنصف الآخر من المستثمرين المخاطرين.
وقد نفذوا ما مجموعه 58 استثماراً في 35 شركة ناشئة مقابل نسبة من الأسهم. وبلغ متوسط عدد الشركات الناشئة المُستثمر فيها شركة واحدة لكل مستثمر، مع بعض الاستثناءات.
استثمرت مسرعة الأعمال "سبيد آت بي دي دي Speed@BDD" في 9 شركات ناشئة مختلفة، و"بيريتك Berytech" في 4 شركات ناشئة، و"ميدل إيست فينتشر بارتنرز Middle East Venture Partners (MEVP)" في 3 شركات ناشئة. يعتبر متوسط قيمة الاستثمارات في السنوات التالية لإنشائها مشجعاً حيث تجاوز 100,000 دولار أميركي.
وكما أوضح وليد حنا، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي في ميدل إيست فينتشر بارتنرز:«نحن نوافق على النتيجة الثانية من التقرير التي تفيد بأن البنية التحتية الداعمة لريادة الأعمال والمجتمع المحلي في لبنان لا يزالان في مرحلة التطوّر. استثمرت ميدل إيست فينتشر بارتنرز في "سبيد Speed" و"دي إن واي جروب DNY Group"، كما تدعم بفاعلية "سيدرز Seeders"، والتي تعمل جميعها على تمكين رواد الأعمال اللبنانين الواعدين وذلك بتزويدهم بالمرشدين ورأس المال والدعم المستمر. ولكن رغم التقدم الكبير المُحرز منذ فترة ما قبل عام 2014 وما قبل التعميم 331، لا تزال الشركات اللبنانية (ما عدا بعض الاستثناءات) بعيدة عن استقطاب رؤوس الأموال العالمية والضخمة. مع ذلك، مع معدل النمو والمثابرة في السوق، سنحقق ذلك قريباً».
نوّه البزري إلى أن المال متوفر إلا أنه لا يُقدم بشكل عشوائي؛ وأوضح قائلاً، «إن تنفيذ العمليات وبذل العناية الواجبة ليست بالمهام السهلة، وهي الطريقة التي ينبغي أن تُتبع للحؤول دون التقليل من قيمة الشركات أو الفقاعات النقدية».
ويشارك وليد حنا البزري رؤيته، حيث يقول «هناك اعتقاد خاطئ بأن أي شركة ناشئة يمكنها الحصول على رأس مال في لبنان. بينما تولي الشركات أهمية طفيفة إلى التقييم، لا تزال الشركات بحاجة إلى استيفاء بعض المعايير الصارمة كي تتأهل للتمويل والحفاظ على مسار النمو، لا سيما في هذا الوقت الذي تم فيه استثمار أكثر من نصف تمويل التعميم 331».
أشار البزري إلى أن الحكومة قد قامت بدورها بالفعل في دعم ريادة الأعمال وذلك بإصدار التعميم 331. وحان الآن دور الشركات الناشئة ورواد الأعمال لضمان حصولهم على صفقات خروج مواتية لاستقطاب القطاع الخاص كي يضخ أمواله عند توقف تمويل مصرف لبنان.
كما أضاف البزري قائلاً: «لدينا الكثير من أصحاب رؤوس الأموال المخاطر المستعدين للاستثمار، كما نشهد ظهور المزيد والمزيد من مجموعات وشركات المستثمرين لمخاطرين التي تخصص أموالاً لتمويل المشاريع، مما يؤكد على الاهتمام بريادة الأعمال في البلد».
فئات المؤسسين
في المتوسط، يتم تأسيس 12 شركة ناشئة جديدة كل عام، ممّا ينتج عنه معدل نموّ مركب بنسبة 24 في المئة في تأسيس الشركات الناشئة منذ عام 2009.
معظم المؤسسين هم في الغالب من الرجال، ويتجهون بمعدل الضعف إلى التركيز على الأعمال التجارية أكثر من المهام التقنية، بينما يقوم 40 في المئة منهم بكلا الجانبين في الوقت ذاته.
يبلغ متوسط عمر المؤسسين 29.8 عاماً عند تأسيسهم للشركات. ويضع ذلك بيروت على قدم المساواة مع بيئات ريادية متوسطة أخرى مثل بوجوتا، والبيئات الناضجة، مثل نيويورك، حيث يبلغ متوسط أعمار المستثمرين فيها بين أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات، مما يؤكد على مرحلة تطوّر المنظومة.
عادة ما يتمتع المستثمرون في بيروت بمستوى عال من التعليم ولديهم بعض الخبرة المهنية قبل تأسيسهم لمشاريعهم الخاصة. إن المستوى التعليمي مرتفع بشكل خاص بين المؤسسين في السياق اللبناني، حيث إن أكثر من 90 في المئة حاصلون على درجات جامعية، وأكثر من 50 في المئة يحملون درجات الدراسات العليا.
كما صرّح حنا: «تتكوّن منظومتنا الحاضنة بالفعل من أشخاص موهوبين ومتعلمين، نحن نعلم يقينا أن مستويات التعليم (الجامعي والدراسات العليا) بين المؤسسين هي أعلى بكثير عند مقارنتها بمراكز التكنولوجيا في الولايات المتحدة ولندن والتي تُعتبر أكثر نضجاً.
الصعوبات المعوّقة
تواجه الشركات الناشئة في بيروت بعض العقبات البيروقراطية في مراحل تكوينها. يمكن للمشاريع فتح حساب مصرفي بسرعة ولكن الإشهار واستئجار مكتب وتوظيف الموظفين المؤهلين والحصول على تسهيلات ائتمانية من البنوك تستغرق حوالي شهر في العادة. والحصول على تمويل عملية مطوّلة قد تستغرق أربعة أشهر للانتهاء منها (على سبيل المثال، للأفراد أو المؤسسة الاستثمارية). وبالمقارنة مع بيئات المراحل المبكرة والمتوسطة الأخرى (مثل دار السلام، تنزانيا، الضفة الغربية وغزة)، تستغرق العمليات في بيروت وقتاً أطول للحصول على الائتمانات والتمويل (مع الضفة الغربية وغزة)، ما يشير إلى صعوبات بالغة (ترتبط بالإجراءات أو إمكانية الوصول إلى متطلبات التمويل) وذلك للحصول على تمويل للشركة الناشئة.
التوصيات
تم وضع مجموعة من توصيات السياسات المختارة. فيما يتعلق بالمجتمع المحلي، شملت توصيات السياسات تعزيز آلية التنسيق وبرنامج دعم المنظومة مع الجهات المعنية، بغرض توسيع نطاق الربط العنقودي، وتنسيق إجراءات القطاعين الخاص والعام، وزيادة كثافة الاتصالات بين جميع الجهات المعنية.
كما تضمنت التوصيات أيضاً زيادة استيعاب الكفاءات الدولية، والاتصال بشركات القطاعات غير التكنولوجية المحلية، بغرض توسيع نطاق مجتمع المنظومة المحلي كي يضم صناعات تقليدية ويستوعب الربط الدولي.
سلط التقرير الضوء أيضاً على أهمية زيادة بناء قدرات المرشدين والموجّهين في مسرّعات الأعمال واستقطاب الكفاءات الدولية إلى المنظومة (كالمرشدين والموجّهين أو رواد الأعمال أو المعنيين ببناء القدرات) وذلك بغرض مواجهة العجز في أعداد المرشدين والموجّهين المؤهلين وتعزيز خدمات الدعم.
وفيما يخص المهارات، هناك حاجة لتوسيع نطاق التعليم العملي في الجامعات ومن خلال برامج التدريب السريعة على المهارات وطرح برامج التعليم العام، بطريقة تعالج ثغرات الدراية التجارية العملية، وتقدّم خطّ إمدادات من الكفاءات لتوسيع الشركات الناشئة، وضمّ الشرائح المتعلمة ومنخفضة الدخل.
وفيما يتعلق بالاستثمار، ثمة حاجة إلى تقييم جودة تمويل الشركات الناشئة والإعداد للتخلص التدريجي من التعميم 331 بتقديم تمويل القطاع الخاص من أجل مواجهة الفقاعة المحتملة للشركات الناشئة والانحرافات في سوق الاستثمار وضمان استدامة التمويل.
وأخير، أوصى التقرير بالتصدي لمعوقات العمليات (على سبيل المثال، الحصول على القروض والتمويل) بغرض الحد من المعوقات أمام إشهار الشركات الناشئة وإطلاق عملياتها.