مزيد من الأموال للشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر
التغيرات في شروط توفير القروض، وزيادة المحفظة الائتمانية للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، قد تشّكل مصادر تمويل جديدة للشركات الناشئة التكنولوجيّة. (الصورة من "مصر جورنال" Misr Journal)
افتتح البنك المركزي المصري عام 2016 بخطوتين يمكن أن تُحدثا تغييراً إيجابياً في عالم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، كما يمكن ألاّ تؤثّر عليه إطلاقاً.
في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015، أقام البنك المركزي المصري CBE تعديلاً على تعريفه للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، كما أصدر في أوائل كانون الثاني/يناير من هذا العام تعليماتٍ جديدة للتمويل المصرفي – فقرّر زيادة محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة "لتصل إلى نسبةٍ لا تقلّ عن 20% من إجمالي محفظة التسهيلات الائتمانيّة للبنك" بحلول أواخر عام 2020، وذلك بهدف تشجيع وتيسير أعمال 350 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم.
في الظاهر، تبدو هذه التغيّرات والتعديلات إيجابيّة للشركات الناشئة المصريّة. إذ أنّ البيئة الرياديّة المصريّة تحتاج لأموالٍ أكثر على كافة الأصعدة، حسبما شدّد عليه روّاد الأعمال والداعمون في قمّة "رايز اب" Rise Up Summit التي انعقدت في كانون الثاني/ديسمبر.
وفي إطار هذه التعليمات الجديدة التي أصدرت في 11 كانون الثاني/ يناير، يمكن للشركات التي تتراوح إيراداتها بين 130 ألف و255 ألف دولار أن تحصل على قروضٍ بفائدة متدنيّة جدّاً نسبتها لا تتعدّى الـ 5%. كما أنّ زيادة محفظة القروض بنسبةٍ لا تقل عن 20% ستؤدّي إلى ضخّ مبلغ 25 مليار دولار في اقتصاد الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
بعد القروض والتسهيلات الائتمانية للشركات الكبرى عام 2015، سوف تتوجه هذه القروض الجديدة نحو القطاعات الصناعيّة ذات الأهمّية الاستراتيجية، ونحو تصنيع الأجهزة الإلكترونيّة المحليّة، والشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسّطة التي تتمتّع بـ‘أفكار مبتكرة‘ وتلك التي تستهدف التصدير.
وبالرغم من أنّ البنك المركزي المصري كان يميّز بين أنواع الشركات بحسب إيراداتها وعدد موظّفيها (حجم العمالة)، إلاّ أنّه اليوم ينظر فقط إلى عدد موظّفيها ورأس المال المدفوع في العام الأول من تأسيسها. فضلاً عن ذلك، أصبح اليوم البنك المركزي المصري يميّز بين الشركات الصناعيّة وغير الصناعية.
تعريف البنك المركزي المصري الجديد للشركات والمنشآت
الصغيرة والمتوسطة (الصورة لجوناس فيلر)
جوناس فيلر – باحث محلل في "مختبر ومضة للأبحاث"
في بادئ الأمر، اعتبر إعلان البنك المركزي إيجابياً لمصر. ففي وقتٍ تعتبر نسبة التمويل المصرفي للشركات الصغيرة والمتوسّطة اليوم في المنطقة من أدنى النسب في العالم (8%)، تبلغ النسبة الحاليّة لهذا النوع من التمويل في مصر الـ 5% ولا تصل حتّى إلى نسبة التمويل المتدنيّة في المنطقة العربيّة.
على المستوى العالمي، يصل معدّل هذه النسب في البلدان ذات الدخل المتوسّط إلى 18%. أمّا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فتتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى تدنّيها، وتشمل المعلومات الائتمانيّة غير الكاملة، وقلّة أو حتى غياب التقارير المالية، وضعف حقوق الدائنين.
ومع ذلك، فإنّ السياسات الداعمة للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطّة ضروريةٌ لمحاربة البطالة وتأمين فرص لتأسيس شركات ناشئة.
في الاتحاد الأوروبي، تؤمّن الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة 85% من الوظائف. أمّا في البلدان النامية، ورغم الصعوبات التي تسببها الأطر القانونيّة الضعيفة، فإنّ إثنين من كلّ ثلاث وظائف مصدرها الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسّطة. كذلك، يشكّل هذا النوع من الشركات ما نسبته 80% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، ممّا يناقض بشكلٍ كبيرٍ نسبة التمويل المصرفي المتدنّية ويشكّل تحدّياً كبيراً أمام الاقتصاد المصري.
وفيما يتعلّق بالتعديلات على أطر التمويل المصرفي للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من كافة إمكانياتها، يجب النظر إلى ثلاثة نقاط أساسية:
أوّلا، يعتبر تعريف الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة أمراً أساسيّاً لدعمها. فالتعريف الجديد للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسّطة في مصر والذي صدر في كانون الأول/ديسمبر 2015 قدّم تحسيناتٍ كبرى، كالتمييز بين القطاع الصناعي والقطاع غير الصناعي، لكنّه وعلى عكس أفضل الممارسات قلّص من أهميّة الايرادات السنويّة annual turnover.
ثانياً، يجب تشجيع تمويل الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسّطة من خلال تحسين البني التحتيّة للنظام المالي، بخاصّةٍ ما يتعلّق بالمعلومات الائتمانيّة وحقوق الدائنين. وفي حين يمكن أن تساهم البيانات الإلكترونيّة في المحافظة على الشفافيّة، يجب النظر أيضاً في الأطر القانونيّة وتحسينها لتشجيع هذه العمليّة.
ثالثاً، يجب تمييز الشركات الناشئة التكنولوجية ذات التأثير الكبير عن باقي الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وإيلاؤها اهتماماً خاصّاً، لأنها تساهم ولو بشكل غير متناسب بإيجاد فرص العمل وزيادة الابتكار. فعلى سبيل المثال، وظّفت "فوري" Fawry، وهي شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، 250 شخصاً بعد سنتين على إنشائها، وهو عدد موظفين قد لا تصل إليه أغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإذا وصلت إليه بحسب التعريف المصري، فهي لا تعود شركات ومنشآت صغيرة ومتوسّطة.
معدلات مصر في الوسط تماماً
بين نسب معدلات القروض المصرفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا (الصورة من "مؤسسة التمويل الدولية" International
Finance Corporation)
إيجابيات وسلبيّات
أيضاً
قد لا تعني التعديلات الكثير للشركات الناشئة التكنولوجيّة الساعية إلى إيجاد مستثمرين مقابل أسهم equity investors.
ويقول الشريك المؤسّس لقمّة "رايز أب" ورائد الأعمال المحلّي، كون أودوينل، إنّ التمويل القائم على الدَّين قد لا يفيد للشركات الناشئة التكنولوجيّة في مراحلها الأولى، لأنّ هذه الأخيرة تفتقر بأغلبها إلى التدفّقات الماليّة. "لكنّها حين تتمتّع بتدفقات مالية، يصبح هذا النوع من التمويل مناسباً. وبالطبع، فإنّ ضخّ كميّةٍ كبيرةٍ من المال في الشركات الناشئة ضروريٌّ عادةً بسبب النقص في رأس المال المخاطر،" حسبما يشرح أودونيل.
وبالرغم من أنّ أودوينل يعتقد أنّ الكثير من الشركات قد تكون مؤهلّة لهذه القروض ‘من حيث الإيرادات‘، إلاّ أنّ أسئلةً كثيرةً تُطرَح حول ما إذا كان يحقّ للشركات المسجّلة في الخارج والعاملة في مصر تلقي هذه القروض، خاصو أنّ الكثير من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، سواء كانت مصرية أو عربية، تسجّل في الأماكن التي تتوفّر فيها أنظمة أكثر مرونة من أجل جذب المستثمرين في الأسهم.
في حديثه مع "ومضة"، يوضح الشريك في "ليفري لو" Levari Law، محمد رسلان، أنّ الشركات الناشئة المسجَّلة في الخارج تُعامَل كشركاتٍ غير مصريّة. لكنّه يضيف أنّ "المصارف في مصر قد تقدّم القروض لشركاتٍ أجنبية سواء كانت شركات ومنشآت صغيرة ومتوسطة أو غيرها، مع فرقٍ وحيد أنّ هذه القروض لا تنتمي إلى نسبة الـ 20%" المخصّصة لتمويل هذه الشركات من إجمالي محفظة التسهيلات الائتمانيّة.
من جهة أخرى، يخبرنا مؤسّس موقع "النور جه" El Noor Geh لأخبار الطاقة الشمسيّة والتجارة، عصام ماجد، أنّه من الصعب التوجّه إلى التمويل المصرفي على شكل قرض من أيّ مصرفٍ مصري بسبب الأوراق المرهقة المطلوبة. وأوّل هذه الأوراق هي البيانات الماليّة التي تعود إلى ثلاث سنوات والتي يجب على الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوّسطة تقديمها لإقناع المصرف بتمويلها، إضافة إلى قلّة جاذبية الشركة الناشئة التكنولوجيّة التي غالباً ما تفتقر إلى الموجودات.
من ناحيةٍ أخرى، تعتقد وكالة التصنيف الائتماني "فيتش رايتينجز" Fitch Ratings، أنّ فرض تقديم القروض للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة فقط من أجل الوصول إلى النسبة المطلوبة قد يُضعف القطاع المصرفي عبر إجبار المصارف على تمويل مقترضين غير أهلٍ بذلك.
كذلك، تعتبر الوكالة أنّ العائدات المنخفضة مقابل سندات الخزينة المحليّة والقروض التجاريّة العادية، بالإضافة إلى عائداتٍ أعلى ترتبط ‘عادةً بقروض الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسّطة‘، ستزيد من تكاليف البنوك المعتادة على توفير القروض للحكومة.
وفي الأسبوع الماضي، قامت المصارف والمنظمات مثل "البنك الأوروبيّ للتنمية"European Development Bank بالإعلان عن خطوات وقروض تقدّمها الآن لدعم الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسّطة.