المال لا يحلّ كلّ شيء [رأي]
الاعتماد على الدفع عند التسليم يؤذي قطاع التجارة الإلكترونية في المنطقة. (الصورة من sharktankblog.com)
سبق ونشر هذا الموضوع على مدوّنة مو علي يوسف على "لينكدإن".
بسب حاجتنا إلى حلٍّ سريع وقصير الأجل، أوجَدنا نحن - روّاد أعمال الإنترنت والموظّفون الرياديون (الموظّفون المبتكرون داخل شركاتهم intrapreneurs) - مشكلةً تتمثّل في الدفع عند التسليم Cash-on-Delivery، وهي طريقة دفعٍ شائعةٌ ومستخدَمةٌ عند الشراء عبر الإنترنت.
وفي سوقٍ ما زال عددٌ كبيرٌ من مستهلكيها لا يملكون حساباتٍ مصرفيةً ولا يثقون بالإنترنت وغير ناضجة، فإنّ ما بدأ كطريقةٍ محدّدةٍ لقبول الدفع مقابل عملية الشراء عبر الإنترنت أصبح طريقة الدفع المفضلة لصفقات التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عندما ينطوي الأمر على تسليم خدمة أو سلعة مادية.
ولكن بسبب التكاليف والمخاطر الأكبر التي تنطوي على طريقة الدفع هذه، لا ينفكّ "الدفع عند التسليم" يضرّ بالبيئة الحاضنة للتجارة الإلكترونية في منطقتنا.
إذاً، فلنصحِّح بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة عن استخدام "الدفع عند التسليم" في التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط.
المفهوم الخاطئ الأول: "الدفع عند التسليم" منتشرٌ في كلّ مكان
كثيرةٌ هي الأمور التي تتوفّر بشكلٍ واسعٍ في المنطقة (مثل النفط وأشعّة الشمس وغيرها)، غير أنّ الدفع نقداً لدى التسوّق عبر الإنترنت ليس واحداً منها.
يُستخدَم النقد في المقام الأوّل لدفع ثمن الخدمات أو السلع المادّية، حيث يُدفَع المبلغ نقداً مباشرةً إلى التجّار أو إلى الشركات الوسيطة. وتكشف المقابلات مع المسؤولين التنفيذين لعلاماتٍ تجاريةٍ تُعنَى بخدماتٍ، ومتاجر، وأزياء، تقبل الدفع عند التسليم، أنّ النقد يشكّل لها من 40 إلى 80 بالمئة فقط من كافّة الدفعات على الإنترنت.
غير أنّه عندما تلقي نظرةً عن كثب، ستدرك أنّ غالبية التسوق الإلكتروني يخصّ في الواقع سلعاً رقمية (مثل المدفوعات الحكومية وتذاكر السفر والقسائم)، حيث تُقبل وتُستخدم بطاقات الدفع/الائتمان وغيرها من طرق الدفع الرقمية البديلة إلى حدٍّ كبير.
المفهوم الخاطئ الثاني: "الدفع عند التسليم" أوفر للتجار
خيار "الدفع عند التسليم" يمنح المستهلك القدرة على التفكير في قرار الشراء إلى أن يصل المنتَج إليه.
وفي الواقع، فإنّ ذلك يطيل من عمر خيار الشراء، ويسمح للمستهلك بأن يُحجِم عن الشراء إلى أن يتسلّم المنتَج فعلياً. ونتيجةً لذلك، يبقى على التجّار تحمّل كلفة إتمام عملية البيع (إدارة المخزون والشحن والجمرك) والمخاطرة بأن يُعاد إليهم المنتَج المباع من مستهلكٍ مؤكّد.
في هذا الإطار، تشير البحوث إلى أنّ السعودية تضمّ أعلى معدّلات إعادة المشتريات لدى التبضّع عبر الإنترنت، بنسبةٍ تناهز 60% لدى بعض العلامات التجارية الكبرى، ما يُسفر عن خفض هوامش ربحها العامّة وارتفاع تكاليفها التشغيلية.
المفهوم الخاطئ الثالث: "الدفع عند التسليم" ضروريٌّ لأنّ لا أحد يملك بطاقات الدفع أو الائتمان
وفقاً للبنك الدولي، تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادةً متسارعةً في عدد الناس الذين يملكون حساباتٍ مصرفية.
ففي الإمارات مثلاً، تصل نسبة الناس الذين يملكون حسابات مصرفية إلى 84%، في حين تصل في السعودية إلى 69%. أمّا طريقة الدفع عند التسليم فقد تمّ ابتكارها في بادئ الأمر على يد العلامات الرائدة في التجارة الإلكترونية والشركات الوسيطة التي تبيع منَتجاتها، غير أنّها لم تشهد على أيّ تغييرٍ يُذكَر على مرّ السنوات الخمسة إلى العشرة الماضية.
ولكنّ الجهات الخلّاقة الناشطة في التجارة الإلكترونية تتخلّص تدريجياً، وبطريقةٍ ذكية، من خيار الدفع عند التسليم لبعض الأسواق، أو لبعض العملاء الذين بات من السهل عليهم الحصول على بطاقات ائتمانٍ افتراضية (cards-on-file).
المفهوم الخاطئ الرابع: المستهلكون لا يثقون بالتجارة الإلكترونية
نشهد نموّاً بمعدّلٍ يزيد عن 10% في كافة بلدان المنطقة، وتزيد هذه المعدلات في بعض الأحيان عن 40% بشكلٍ سنوي.
كما وأنّ معدّلات انتشار التطبيقات واستخدام "آي تيونز" iTunes وشراء تذاكر السفر عبر الإنترنت تزيد بشكلٍ غير مسبوق، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي يبلغ أعلى معدّلاته في المنطقة. وبالتالي، إذا كان الناس ينشرون المعلومات حول حياتهم الشخصية على الإنترنت، هل تعتقد فعلاً أنّهم ما زالوا لا يثقون بإدخال رقم بطاقةٍ مصرفيةٍ في استمارةٍ آمنة ومشفّرة بتقنية 265 بِت 256-bit encryption وتخضع لحمايةٍ ثلاثية الأبعاد 3D secure من المصرف؟
المفهوم الخاطئ الخامس: إنّها مشكلةٌ تخصّ التجار وحدهم
لا، بل إنّها مشكلةٌ تعني الجميع.
تعاني البيئة الحاضنة بأكملها من هذا الأمر، بما في ذلك التجّار والمصارف وبوابات الدفع والمستهلكون ومقدّمو الخدمات والحكومات. فالدفع عند التسليم يضرّ بإجمالي الأرباح، ويُوجِد تكاليف غير ضرورية، ويخفّض الشفافية، ويبُطِئ تقدّمنا سواء على الصعيد المحلّي أو الإقليمي أو العالمي.
من السهل تغيير سلوك المستهلك؛ ومن جهة الدفع الرقمي، فهو يمكن أن يكون في غاية السلاسة إذا قُدّمَت التجربة الملائمة للمستهلك.
أن تبحث عن فكّةٍ كي تدفع لشاب توصيل الطعام، أو تسرع إلى الصراف الآلي كي تدفع ثمن حذاءك الفاخر الجديد، ليس بالأمر الرائع.
النقد ليس مستحباً لدى أحد، فلنتخلَّ عنه!