إطلاق أول مجموعة للنساء المستثمرات في المنطقة العربية
"لا نعتمد على عقلية الرجل مقابل المرأة، بل نريد عقليةً شاملةً لتقاسم المعرفة بين الجنسَين من أجل بناء أفضل المنتَجَات،" عبارةٌ قد تختصر توجّه مجموعة "وومينا" Womena التي انطلقَت في الأوّل من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي من الإمارات العربية المتّحدة، وتعود للمؤسِّسة الشريكة، شانتال دومونسو.
تقول دومونسو إنّ "وومينا" مساحةٌ تساعد النساء المستثمِرات وروّاد الأعمال على التلاقي وعقد الصفقات، كما أنّها تريد أن تكون مساحةً تعليميةً لأعضائها حول الاستثمار التأسيسيّ والبيئة الحاضنة للشركات الناشئة، من أجل المساعدة على اتّخاذ أفضل قرارات الاستثمار.
نهوض الاستثمار النسائي
وُلِدَت "وومينا" بفضل جهود امرأتَين: شانتال دومونسو وإليسا فريحة. وعن هذا الأمر، تخبرنا دومونسو قائلةً: "أنا وإليسا أصدقاء منذ أن كنّا في الجامعة، وطالما عرفنا أنّنا سنؤسِّس شيئاً معاً. رأينا أنّ المنطقة تعاني من ثغرةٍ كبيرةٍ، وأنّ هناك الكثير من الحاجات لدى السوق، على غرار وجود الكثير من رأس المال الذي لا يوظَّف دائماً في المكان المناسب أو يحظى بأفضل صفقةٍ، بسبب غياب التعليم والجهات المنظِّمة للاستثمارات."
وتضيف دومونسو، "واصَلنا التفكير والبحث ووجدنا أنّه لا توجد منصةٌ للنساء اللواتي يرغبنَ في الاستثمار، فقرّرنا إطلاق ‘وومينا‘ من دبي." وتتابع قائلةً، "رأينا أن النساء يحتجنَ إلى منصّةٍ خاصّةٍ بهنّ. فغالباً ما تدخل المرأة إلى صالة اجتماعاتٍ مليئةٍ بالرجال، وتشعر بالرهبة من طرح الأسئلة أو لا تجد المساحة مناسبةً لحاجاتها. نريد أن نمنح النساء مساحةً خاصّةً بهنّ، وفي الوقت ذاته جمع الموارد من كلّ أطراف المجتمع."
كونها منصّة مخصّصة للنساء، فقد جمع اسمها باللغة الإنجليزية بين النساء ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معاً (Women/ MENA)، في حين أنّ شعارها عبارةٌ عن عدد 5 ثلاث مرات، وهو عيد مولد السيدة خديجة التي تصفها دومونسو على أنّها "أوّل مستثمرة تأسيسية. فزوجة النبي محمد كانَت تنتمي إلى عائلةٍ غنيةٍ جدّاً، وكانت توزّع الأموال من أجل مساعدة الناس على القيام بالأعمال. وبالتالي، هي رمزٌ ملهمٌ للمستثمرة التأسيسية في المنطقة.
إليسا فريحة وشريكتها في التأسيس، شانتال دومونسو. مصدر الصورة
كيف يتمّ الاستثمار؟
تشرح لنا دومونسو ذلك بقولها، "نحاول البحث عن أفضل الصفقات عبر شركائنا ونبذل قصارى جهدنا لئلّا نتبّع النزعات السائدة. فغالباً ما ينتظر الناسُ الأشخاصَ الآخرين كي يعطوهم الضوء الأخضر قبل اتّخاذ القرارات، في حين أنّنا نريد جلب أفضل الصفقات لأعضائنا."
ومن أجل إنجاز ذلك، تقول هذه الرائدة، "نقوم بتحديدٍ مسبقٍ لبعض روّاد الأعمال الذين يخضعون لتدريبٍ وتحضيراتٍ، من أجل عرض فكرتهم التي يقدّمونها خلال الاجتماعات لأعضاء ‘وومينا‘. وفي حال حصلوا على اهتمامٍ للاستثمار، نبدأ بتحضير تقرير عملية الدراسة الإعدادية due diligence." وتتابع مضيفةً، "لسنا وكالة توظيف، ولا نتقاضى أعباء أو نفرض رسوماً على الشركات الناشئة." فخلال هذه العملية، توفّر "وومينا" الأجوبة والمعلومات غير المنحازة بقدر الإمكان للمستثمِرات. وفي حال قرّرْنَ الاستثمار، "نسهلّ العملية ونساعد في إبرام الصفقة،" على حدّ قول دومونسو.
أمّا في ما يتعلّق باختيار الشركات الناشئة، تقول الشريكة المؤسِّسة، "لدينا قاعدة بيانات تضمّ من 300 إلى 400 شركة ناشئةٍ في المنطقة تتماشى مع معاييرنا. وبالتالي، نتواصل معها ونساعدها على عرض أفكارها." وحتّى الآن، نجحَت "وومينا" في تسهيل صفقة استثمارٍ للشركة الناشئة "ميلتو" Melltoo، أضِف إلى أنّ هناك العديد من الصفقات قيد الدرس.
وبالنسبة لاختيار "المستثمرات التأسيسيّات،" تقول، "نجدُهُنَّ بفضل شبكة معارفنا، كما أنّ النساء المهتمّات بدأنَ باللجوء إلينا. لا نحدّد معايير للمستثمرات، بل يتوقّف الأمر على شخصية المرأة ورغبتها في الاستثمار."
وفيما لم تكشف عن عدد المستثمِرات، إلّا أنّها تحدّثَت عن جنسياتهنّ؛ "لدينا مستثمِرةٌ من قطر وأخرى من لبنان، وفي ما يتعلّق بالمستثمِرات في الإمارات العربية المتّحدة، فإنّ 20% منهنَّ مواطناتٌ والأخريات من الوافدات."
لم يمرّ على إنشاء "وومينا" إلّا بضعة أشهر، حتّى بدأ فريق العمل يتوسّع مع ثلاثة موظفين وشبكةٍ واسعةٍ من الشركاء ومجلس مستشارين مؤلّفٍ من أربعة رجالٍ وامرأة؛ وهذا الاختيار ليس من باب الصدفة، بحسب دومونسو التي تشرح لنا قائلةً، "اخترنا الأفضل والأكثر كفاءةً من بين شبكة المعارف، من دون التقيّد باختيار النساء أو البحث عنهنّ وحسب." وتضيف أنّه "يجب ألّا ننسى أيضاً أنّ النساء أقلّ عدداً من الرجال في البيئة الحاضنة للشركات الناشئة، ما يجعل عدد الرجال المخضرمين أكبر عدداً."
هل من الصعب أن تكوني سيّدة أعمال؟
الجواب "بكل تأكيدٍ، لا"؛ إذ تخبرنا دومونسو أنّها "كامرأة، تفاجَأَتْ بمدى انفتاح الناس تجاهها واستعدادهم للتحدّث والعمل مع ‘وومينا‘." وتشرح الأمر بقولها، "لم أجد أنّ كوني امرأة شكّل مشكلةً، بل كنّا محظوظتَين بالعمل مع شركاء ومستشارين رائعين. فالبيئة الحاضنة تعاونية ولا نتنافس مع أحد."
أمّا التحدّي الأكبر الذي واجهَته المؤسِّستان الشريكتان، كان شبيهاً بالتحدّيات التي يواجهها روّاد الأعمال، وهو يكمن في عمليات التشغيل، مثل "تلبية الطلب المتزايد، ممّا حتّم علينا الاعتماد على التوظيف سريعاً. لا أتذمّر، فهذه علامةٌ جيّدة لكنّها تحدّ كبير!"
وبالنسبة إلى التمويل، تقول دومونسو، "تلقّينا دعمَ مجموعةٍ من المستثمرين التأسيسيين بالإضافة إلى ضخّ أموالنا الشخصية في هذا المشروع. ولكن، لن نسعى لجمع المزيد من الأموال لأنّنا لا نريد التوسّع عالمياً، بل نريد أن نتمركز محلّياً ونشكّل فرقاً هنا في الإمارات ثمّ في المنطقة. قد نحتاج للتمويل لاحقاً، إلا أنّنا، لا شكّ، سنعوّل على الرسوم التي سنحصّلها من العضوية أو الرعاية sponsorship من أجل الاستدامة."
وفي وقتٍ تكثير مشاريع "وومينا"، يبقى أهمّها تقوية وتعزيز المجموعة وعقد أفضل الصفقات. وفي هذا الإطار، تحدّثت دومونسو عن إطلاق برنامجٍ تعليميٍّ قريباً، فقالت، "نُجري جلساتٍ فرديةً مع المستثمِرات ونعّد ورَش عملٍ ومقاطع فيديو ورسوماً بيانيةً ومقالاتً، يستطيع كلّ عضوٍ أن يجد فيها معلوماتٍ تلبّي حاجاته."
هذا وتريد "وومينا" منذ انطلاقها أن تكون منصّة النساء الراغبات بدخول عالم الاستثمارات، مستفيدةً من الموارد المتوفرة في البيئة الحاضنة، وأن تكون منبراً لتمكين النساء في المنطقة، بالرغم من أنّ دومونسو تعتبر أنّ الأمر يختلف من بلدٍ إلى آخر وأن الهيكلية القانونية قد تدعم أو تحُدّ من مشاركة المرأة في مجال الأعمال؛ إلّا أنّ المسؤولية تقع على عاتق المرأة. "لا بد أن تدافع عمّا تؤمن به، وأن تحدّد أهدافها وأن تأخذ قدرها بيدها."
كلامٌ قد يكون أسهل من الواقع، ولكنّ دومونسو تجد أنّ مفتاح الحلّ يبقى في تعزيز "الجدارة" meritocracy من أجل تحقيق التوازن بين الجنسَين في ما يتعلق بجمع الأموال والاستثمارات. ففي النهاية، "الأمر ليس منوطاً بأن تكون امرأةً أو رجلاً، بل بما تنجزه وبقدرتك على تحديد استراتيجيةٍ تسويقيةٍ والدفاع عن منتَجاتك والتمتّع بالمهارات اللازمة."