ما سرّ نجاح شركة تنظيم الفعاليات المغربية هذه؟
لطالما امتلك رائد الأعمال المغربيّ الشاب، وليد العلوي مراني، رؤيةً واضحةً لما يريد القيام به. فهو بعدما تخرّج من كلّية الهندسة، انتقل إلى باريس ليلتحق بكلية إدارة الأعمال. وبعدما اكتفى بتحصيله العلميّ، عاد إلى المغرب ليبدأ عملاً خاصّاً به. ويقول عن هذه الفترة، "لم أكن أمتلك فكرةً [للبدء بمشروعٍ ما]، ولكنّ الشيء الوحيد الذي أردته هو إطلاق شركةٍ في المغرب."
أمّا الآن، وبعد خمسة سنوات، أصبح رائد الأعمال المتحفّظ على رأس شركة "آزور سيستيمز" Azur Systems. وهي شركةٌ ناشئةٌ تضمّ 10 موظّفين، حازت في العام الفائت (2013) على ثلاثة ملايين درهم مغربيّ (340 ألف دولارٍ أميركيّ). وهذه الشركة التي تتباهى بقائمة عملائها الطويلة من الشركات الكبرى والمؤسّسات الحكومية، تخوض حاليّاً غمار التوسّع الدولي ومرحلتها الأولى لجمع التمويل.
"آزور سيستيمز" هي متجرٌ متكاملٌ لمنظِّمي الفعاليات، كونها تؤمّن الخدمات أو الأدوات على الإنترنت التي تساعد المنظِّمين في إدارة دعواتهم للمقاولين، وفي تسويق الفعاليات وإنشاء المواقع الإلكترونية وبناء التطبيقات المخصّصة للمشاركين. وهذا المنتَج بصورته النهائية، استغرق خمسة سنواتٍ من العمل عليه.
"ومضة" قابلت العلوي مراني، وسألته عن استراتيجيته وعن تقديراته وخططه للمستقبل.
مراقبة السوق
بعد عودته إلى المغرب عام 2009، أنشأ العلوي مراني خدمةً لتوصيل وجبات الطعام تُدعى "كيل مينو" Quelmenu.com، تشبه إلى حدٍّ ما خدمة "هيلو فود" HelloFood التي أٌطلِقت بعد أربعة سنوات. هذه الخدمة التي أطلقها العلوي مراني فشلت، لأنّ السوق المغربية لم تكن جاهزةً بعد بحسب قوله. ولكنّ هذا علّمه الدرس للتأكّد من تواجد الحاجة، قبل إطلاق أيّة خدمة.
بينما كان يعمل على"كيل مينو"، تواصل معه منظّم فعاليات يطلب مساعدته في بناء منصّةٍ لمساعدة المشاركين في الفعالية على حجز غرفةٍ في فندق. فأدرك بعد ذلك أنّ وكالات تنظيم الأحداث ما زالت قديمة الطراز، وبدأ بالعمل على تطوير حلولٍ مساعِدة. كان وفريقه الوحيدين الذين يقدّمون هكذا خدمات، أمّا الآخرون فكانوا يعانون من الاستخدام المحدود أو التركيز على قطاعٍ واحدٍ من الصعب دمجه، أو لا تتوفّر خدماتهم إلّا في بلدٍ واحد.
هذه المنصّة تمكّن المستخدِمين من منهجة عملية إنشاء الشارات الخاصّة بهم.
مخطط حصان طروادة
في إطار حديثه عن وضع شركته الحاليّ، يقول العلوي مراني، "نحن نعمل اليوم مع معظم وكالات تنظيم الفعاليات المغربية، فضلاً عن المنظمات والمؤسَّسات الحكومية مثل "البنك المغربي للتجارة الخارجية" BMCE و"المكتب الشريف للفوسفاط" OCP.
الوصول إلى هذه المرحلة يتطلّب قدراً كبيراً من الصبر، بحيث يقول رائد الأعمال الشاب إنّ "هذا الأمر احتاج كثيراً من التعلّم والعمل على التوعية [لإقناع الشركات]." وهو اختار منذ البداية العملَ على تلبية الاحتياجات الأساسية التي قد تكون لدى الشركات، ثمّ بعد بدء التعامل معهم عمل على إقناعهم بخدماتٍ أكثر ابتكاراً وطموحاً.
وبهذه الطريقة وصل إلى التعامل مع وزارة الداخلية، حيث كما يقول، إنّ "مفتاح هذه العملية كان موقعاً إلكترونياً يعملون عليه. فخفّضنا السعر إلى الحدّ الأدنى للحصول على هذه الصفقة، ثمّ أقنعناهم بتنفيذ أدواتٍ مثل تطبيقٍ للفعاليات على الهاتف المحمول ومنصّةٍ لشبكة التواصل والتسويق الإلكتروني."
منصّة شبكة التواصل الخاصّة بالمشاركين.
التحدي المتمثّل في العمل مع الشركات الكبرى
العمل مع الشركات الكبرى والمنظّمات الحكومية هو خيارٌ جريء، خاصّةً في المغرب حيث التسلسل الهرميّ والروتين يعيقان هذه الشركات والمؤسَّسات في معظم الأحيان.
"إنّه أمرٌ صعبٌ فعلاُ: عليك أن تعرض فكرة المنتَج للناس بمختلف مستوياتهم ضمن التسلسل الهرميّ، لأن لا أحد يريد أن يتحمّل المسؤولية، أضِف إلى أنّ الدفع يأتي متأخراً دائماً." يقولها العلوي مراني، معترفاً أنّ هذه التحدّيات ليس صعباً التغلّب عليها، فكلّ ما عليك القيام به هو أخذها بعين الاعتبار عند وضع النموذج المالي. وعلى أيّ حالٍ، يؤكّد مؤسِّس "آزور سيستيمز" أنّ الشركات في المغرب غالباً ما تعمل مع الحكومة، لذلك لا تختلف مسألة الدفع كثيراً.
التوسّع والتوجّه نحو العالمية
تقدّم الشركة الناشئة حاليّاً نوعَين من الخدمات: الأولى تقديم "البرمجيّات كخدمة" SaaS يمكن أن تتوسّع بسهولة، والثانية لتلبية احتياجاتٍ مخصّصة يجب أن تختفي تدريجياً مع توسّع الشركة.
بالنسبة لـ"آزور سيستيمز"، فالتوسّع يعني التوجّه نحو العالمية. وفي وقتٍ سابق من العام الماضي، أبقت هذه الشركة رقم هاتفها وعنوانها البريديّ في دبي، كما أنّ فريق العمل فيها يذهب إلى هناك من وقتٍ لآخر لحضور الفعاليات. ويشرح رائد الأعمال المؤسِّس، أنّ "دخول السوق هناك يحتاج إلى فريق يعمل من تلك المنطقة لإقامة شراكاتٍ فيها، وهذا ما يكلّف مزيداً من المال."
"آزور سيستيمز" خلال فعاليةٍ في أبو ظبي
للعمل على تحضير شركته للتوسّع الدوليّ، شارك العلوي مراني في منتدى الأعمال الخاصّ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT Entreprise Forum، "المسار نحو وادي السيليكون" Silicon Valley track، الذي أرسل 18 شركةٍ ناشئةٍ سريعة النموّ إلى خليج سان فرانسيسكو لمقابلة المستثمرين والمرشدين لمدّة أسبوعٍ كامل. ولكنّ رائد الأعمال المغربيّ لم يعثر على مستثمرٍ، لكنّه في المقابل حصل على فرصةٍ للتفكير في استراتيجية نموّه. ويؤكّد بدوره، أنّ مستثمِراً من وادي السيليكون لن يستثمر في شركةٍ ليست من وادي السيليكون."
العثور على المرشدين المناسبين في الوقت المناسب
كان فعالية الإرشاد الأولى التي شارك العلوي مراني، هي عرض الواقع عن ريادة الأعمال "تشالينجيرز" Challengers reality show عام 2006، لكنّه بحسب رأيه كانت مضيعةً للوقت لأنّها ليست ما ينتظره المرء من فعالية إرشادٍ ومسابقةٍ للشركات الناشئة. كما يعتقد أنّها، "كانت مليئةً بالعروض ولكن بنتائج ضئيلة." وفي هذا الإطار، يقول إنّ "الشركة الناشئة في المغرب تحتاج دوماً إلى رؤوس الأموال، والبحث عن التمويل يأخذ قسماً كبيراً من وقتها،" الأمر الذي لا يترك مجالاً للمشاركة في المسابقات والفعاليات.
الشاب المغربيّ الذي أطلق شركة "آزور سيستيمز" وركّز على المنتَج والسوق بدلاً من الترويج في مجتمع الشركات الناشئة، يقول: "لم أرِد الظهور في برنامجٍ تلفزيونيٍّ ولا حتّى مقابلة أعضاء البيئة الحاضنة قبل أن تحوز شركتنا على أوّل المستخدمين لديها."
بما أنّه بات الآن يمتلك فريقاً قويّاً، يمكنه أن يخصّص بعض الوقت لمقابلة المرشدين والمشاركة في المسابقات. فانضمّ رائد الأعمال الذي لم يكن يجد وقتاً، إلى عملية الاختيار المرموقة من "إنديفور" Endeavor. ويعود ليقول، "إنّه "كلّما تخالطتُ مع روّاد الأعمال ومع رؤساء الشركات الكبرى، أرى حدودنا أكثر، فأتراجع خطوةً إلى الوراء وأعيد ضبط استراتيّجيتنا [في الغالب على جمع الأموال، والقابلية للتوسّع]."
هذه الشركة الناشئة طالما اعتمدت على نموذج التمويل الذاتيّ، حتّى حازت بعد ذلك على تمويلٍ من المركز المغربيّ للابتكار CMI. كما أنّها في الوقت الحاليّ تتباحث مع مستثمرٍ في المغرب، لتبدأ بعملية توسّعها.