الشركات الناشئة تملأ الفجوات المصرفية في مصر
في الصورة، محمد سامح فؤاد، مدير المبيعات المصرفية في المنطقة العربية وباكستان لدى شركة "سان جارد" SunGard للنظم المالية. عبير خضر، مديرة أمن المعلومات في البنك الأهلي المصري. بسمة دوّاس، مديرة مؤتمر مركز الجودة والإنتاجية الدولي IQPC.
يحاول القطاع المصرفي المصري المكتظّ الإلتحاق بعمليات الدفع عبر الإنترنت والتقنيات المصرفية، ولكن لا يزال هناك مجال كبير للابتكار والتغيير الجذري.
أخبرنا المدير العام لشركة البرمجيات المصرفية "تيمينوس" Temenos، جان بول ميرجي، الأسبوع الماضي، بأنّ المصارف المصرية لا تزال تقيس نجاحها من خلال عدد الفروع التي تفتتحها، في وقتٍ تقوم المؤسّسات في أوروبا وأيّ مكانٍ آخر بالتوجّه نحو الإنترنت بشكل بحت.
"ما نلاحظه اليوم أنّه في وقتٍ يرغب الكثيرون في تعدّد التوجيهات [توفير الوصول إلى المصرف من خلال الاتصال بالإنترنت أو بدونه]، يستمرّ نهج توزيع الفروع دون فائدة"، يقول ميرجي على هامش قمة التقنيات المصرفية في مصر الإثنين الفائت.
بدوره، يقول ممثّلٌ عن شركة البرمجيات الفرنسية "سوبرا" Sopra، إنّ المصارف المصرية كانت سعيدةً حقّاً لتلبيتها احتياجات الزبائن الذين يملكون سلفاً حساباتٍ مصرفية، ولم تكن مستعدّةً لتوسيع خدماتها كي تشمل الذين لا يتعاملون مع المصارف أو الذين لم تصلهم المصارف بعد.
من جهة أخرى، قال عددٌ من المدراء التنفيذيين والمتحدّثين بأسماء المصارف المحلية إنّه إذا أرادت المصارف المصرية الحفاظ على حصّتها في السوق وسط هذا القطاع المزدحم، عليها القيام بعدّة خطوات. فيجب أن تبدأ بالاستثمار في خدماتها المصرفية الأساسية والبنية التحتية الحديثة لتقنيات المعلومات، إضافةً إلى العمل على منح المصريين قدرة الولوج إلى حساباتهم والقيام بدفع الفواتير على الإنترنت.
وما يهمّ من خلال التركيز على تأمين الخدمات الأساسية على شبكة الإنترنت للمصريين الذين يملكون حساباتٍ مصرفية، هو خلق مساحةٍ للشركات المبتكِرة. وهكذا كانت الشركة الناشئة "فوري" Fawry التي تقدّم خدمات الدفع الإلكتروني، واحدةً من الأعمال الأولى التي استفادت من ندرة التقنيات المالية في مصر. ومن خلال أحدث عروضها التي أطلقتها مؤخراً، يمكن للمستخدمين في جميع أنحاء البلاد دفع فواتير الكهرباء الصادرة عن كلّ شركات الطاقة.
"دوباي" DoPay هي شركةٌ ناشئةٌ أخرى قامت باكتشاف هذه الثغرة، وتقيم شراكةً مع "باركلايز" مصر Barclays Egypt في سبيل تأمين حساباتٍ مصرفيةً لـ90% ممّن لا يملكونها من الشعب المصري الذي يعدّ 93 مليون نسمة. وتقوم "دوباي" DoPay حالياً بتزويد الشركات بالبرمجيات اللازمة لإدارة أنظمة جدول الرواتب، كما أنّها تنتظر موافقة السلطات المختصّة لإطلاق نظام البطاقات للموظّفين.
لم يشأ المؤسّس "فرانس فان إيرسل" Frans van Eersel التعليق، قبل الحصول على موافقة السلطات على منتجهم الجديد. ولكنّه قال سابقاً إنّ "دوباي" DoPay تعقد شراكةً مع "باركلايز" مصر Barclays Egypt، لتساعدها من خلال رخصتها المصرفية في تأمين البطاقات، التي يمكن للشركات من خلالها أيضاً أن تقوم بدفع رواتب موظّفيها. ويمكن بالتالي لحَمَلة هذه البطاقات أن يستعملوها في أجهزة الصرّاف الآلي ATM وحتى استخدامها للشراء عبر الإنترنت.
من جهتها، كانت الشركات الناشطة إقليمياً قد بدأت اكتشاف هذا المجال الجديد بالفعل. ومنها شركة الدفع الأولى عبر الهاتف في المنطقة "تي باي" TPay، التي تسمح للمستخدمين بالدفع بواسطة رصيد هاتفهم مقابل الخدمات التي يحصلون عليها من الإنترنت، مثل الألعاب والحجوزات. وتوجد أيضاً شركة "باي فورت" PayFort الإماراتية، التي تقدّم حالياً بوابة الدفع الإلكترونية الخاصّة بها في مصر. وهذه الأخيرة لا تحتاج لأن يكون لدى مستخدميها حساباً مصرفياً كما هو الأمر لدى "باي بال" PayPal.
وبما أنّ المجال مفتوح للجميع، يرى مدير المبيعات في شركة "ميسيس" Misys للبرمجيات المالية، كريم الجرسي، أنّه توجد ثغرات في السوق لجهة تحويلات عمليات الدفع المباشرة peer to peer. ويقول، "أعتقد بأنّ هناك جزءاً واحداً لا يزال مفقوداً، وهو العمليات المصرفية التي تساعد البائعين الصغار في إتمام معاملاتهم."
وفيما تقدّم "فودافون كاش" Vodafone Cash خدمةً مماثلة، فهي تتطلّب من المستخدمين أن يكونوا مشتركين ولديهم التطبيق المتّصل بالحساب المصرفي على هواتفهم، قبل السماح بعمليات التحويل. ولكنّ الجرسي يؤمن أنّ الشركات التي تسمح من خلال تطبيقها بعمليات الدفع الصغيرة لأي حساب، يمكن أن تحلّ مشاكل أصحاب الأعمال الصغيرة، كما هي حال أصدقائه الذين يديرون أعمال يبيع الثياب والمواد الغذائية على "فايسبوك" Facebook، ويتعاملون بالدفع النقدي فقط.
العقبة الرئيسية التي تقف في وجه تطوير الخدمات والمنتجات المالية الرقمية، هي النظام المصرفي القوي في مصر. وفي هذا الصدد، أصدر البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي توجيهاته بخصوص الخدمات المصرفية عبر الإنترنت. وهي تنصّ على مراقبة الأنشطة على الإنترنت، وعلى إجراءات مشدّدة على عمليات المصادقة والولوج، وأيضاً على تسجيل النشاطات وإدارة العمليات. ويجدر بالمصارف تنفيذ كلّ هذه الإجراءات في سنةٍ واحدةٍ فقط.
لم يُصدِر البنك المركزي المصري أيّة رخصةٍ مصرفيةٍ جديدة منذ عام 1979، وهو ما لم يؤثّر البتّة على السوق المصرفية في مصر. ما يعني أنّ الداخلين حديثاّ إلى هذه السوق مثل "دوباي" DoPay و"فودافون" Vodafone، يجب أن يبحثوا عن شريكٍ محتملٍ يملك رخصةً لكي يمكنهم الاعتماد عليه.
ويقول الجرسي الذي اعتاد العمل مع تقنيات البورصة، إنّ الحذر الذي يتّبعه البنك المركزي المصري هو سيفٌ ذو حدّين: فمن جهةٍ استطاع أن يحمي النظام المصرفي في البلاد خلال الأزمة المالية عام 2008، ولكنّه من جهةٍ أخرى يعمل على إعاقة الابتكار. "إنّه أساساً في الجانب الآمن والدفاعيّ جداً،" بحسب الجرسي.