لمَ تحتاج المنطقة إلى تطبيقات عن الرعاية الصحية
نشر هذا المقال أساسًا في صحيفة "هافينغتون بوست" في 22 آب/ أغسطس 2013
يجب أن تستفيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من العدد الكبير من مستخدمي المحمول والنشاط الريادي لتحسين أنظمة الرعاية الصحية فيها.
عالمياً، أصبح قطاع الرعاية الصحية وقطاع المحمول متداخلين لأسباب أهمهما رواد الأعمال. ولأن الهواتف المحمولة هي أساس عملهم، يشارك رواد الأعمال في إطلاق أدوات وتطبيقات طبية على المحمول (الصحة على المحمول m-health) التي بإمكانها أن تقلّص الوقت اللازم للحصول على نتائج الفحوص الطبية، وتتحقّق من معدلات دقات القلب عبر الهاتف. ويُتوقع أن ينمو هذا القطاع إلى حوالي 26 مليار دولار بحلول عام 2017. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استثمارات الرأسمال المخاطر في تقنيات الصحة الرقمية ـ التي هي بمعظمها على المحمول - بلغت ما يقارب 500 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2013.
ساهمت ثلاثة عوامل في نمو تقنيات الصحة على المحمول: أولاً، المطالبة بعمليات أسرع والنفاذ إلى المعلومات، ثانياً، استخدام متزايد للمحمول عالمياً، وثالثاً إتاحة الفرصة لرواد الأعمال الآخرين لخلق حلول جديدة لمشاكل متكررة.
على الرغم من الحاجة المتنامية لإيجاد حلول تدعم قطاع الرعاية الصحية، إلاّ أن الجهود ليس كافية بعد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وسبق أن تم تسليط الضوء على هذا الغياب شبه التام وحتى في الشهر الماضي، حين أعلن بنك التنمية الإفريقي عن أسماء الفائزين في مسابقته للصحة عبر المحمول ولم يكن أحد بينهم من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
ما من شكّ إذًا أنّ الحاجة والفرصة المتاحة للابتكار في قطاع الرعاية الصحية ضروريتان في المنطقة. في الواقع، خلصت دراسة أجرتها "بوز أند كومباني" (&Strategy Company) عام 2012 للتوجّهات على الإنترنت في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، إلى أنّ الرعاية الصحية هو أكثر قطاع يحتاج إلى أن تُحسَّن تقنيات المعلومات والاتصالات الخاصة به. ولدى المنطقة حوالي 18 طبيب مؤهّل بين كل 10 آلاف شخص مقارنة بـ27 في إنكلترا والولايات المتحدة. وثمة أيضاً نقص كبير أيضاً في الدعم الطبي الإضافي، حيث لدى المنطقة 28.4 ممرضة وقابلة قانونية لكل 10 آلاف شخص وهو أدنى بحوالي 71% من الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تزيد الحكومات في المنطقة الإنفاق على الرعاية الصحية، إلاّ أن الوضع يتطلب حلولاً سريعة ومن الضروري أن تبرز الصحة على المحمول بشكل جلي في هذه المعادلة.
ثمة اتجاهين واعدين يتطوران ومن الممكن أن يساعدا في إطلاق المزيد من أنشطة الصحة على المحمول في المنطقة.
أولاً، يتطوّر مجال ريادة الأعمال بسرعة وتؤدي شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دوراً مركزياً. ومجتمع الشركات الناشئة المتنامي هو رائد في الأفكار الجديدة ورواده مرشحون مثاليون لتطوير حلول للرعاية الصحية الإلكترونية.
وثانياً، نما استخدام المحمول بشكل كبير في أنحاء المنطقة. ففي الفصل الأول من عام 2013، بلغت نسبة استخدام المحمول في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا 109%. وفي الفترة ذاتها، كان نصف الهواتف المحمولة التي بيعت في المنطقة هي من الهواتف الذكية. ولدى السعودية والإمارات أعلى معدلات استخدام المحمول في العالم.
هذان الاتجاهان يعتبران مكوِّنين أساسيين لتعزيز مجال الصحة على المحمول إقليمياً. وفي الواقع، هناك دليل بأنهما اتحدا لبدء إحداث ثورة في قطاع الرعاية الصحية في المنطقة. وحوالي 60% من زوار موقع "الطبّي" الذي يقدم معلومات طبية على الإنترنت بالعربية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، دخلوا الموقع عبر المحمول عام 2013 وهذه نسبة أعلى من سابقتها (30%) التي سُجِّلت نهاية عام 2012. وخلال الأشهر الستة الماضية تلقت الشركة ما معدله 750 ألف زيارة في الشهر عن طريق المحمول. وبالإضافة إلى ذلك، وجد استطلاع أجرته الشركة أن 73% من مستخدميها يعتبرون الإنترنت المصدر الرئيسي للمعلومات الطبية، بينما 13% فقط قالوا إنهم يستشيرون أطباء للحصول على هذه المعلومات.
تشير هذه الأرقام إلى أن زوار "الطبّي" لن يزوروا الموقع فقط للحصول على المعلومات بل قد يفعلون ذلك لأنهم لا يعتمدون على استشارات لأطباء من خلال زيارات شخصية. وفي الواقع، منذ أن بدأت الشركة بالسّماح للزوار بطرح أسئلة على الأطباء على الموقع، طُرِح 19 ألف سؤال، الأمر الذي يثبت مجدداً رغبة واهتماماً منهم بمشاركة المعلومات الطبية على الإنترنت.
فضلاً عن ذلك، ومنذ أن أطلق "الطبّي" تطبيقه على المحمول تم تنزيله أكثر من 360 ألف مرة أي حوالي 14800 شهرياً. والتطبيق الآخر للمحمول من هذه الشركة هو Symptom Checker(أي مشخَّص العوارض) الذي يسمح للمستخدمين بأن يفهموا أوضاعهم الطبية والمرضية بشكل أفضل عبر الهواتف المحمولة، وتم تنزيله بما معدله 12400 مرة في الشهر.
ومن الأدلة المبكرة أيضاً هو تطبيق اختبار السكري Diabetes Test app من شركة "ستارت آبز" Startappz التي تسمح للمستخدمين بالتحقق من مؤشرات السكري. وحتى الآن تم تنزيل التطبيق أكثر من مائة ألف مرة في 120 بلد مختلف. وثمة أمثلة أخرى أيضاً مثل "د. بريدج" Dr. Bridge في مصر الذي صمم تطبيقاً يسهّل التفاعل بين الطبيب والمريض عبر الرسائل الهاتفية. وثمة شركة ناشئة مصرية أخرى هي "دكتورنا" Doctoruna التي تقدم دليلاً للأطباء وأطباء الأسنان بناءًا على الموقع وتغطية التأمين الصحية.
لهذه المشاريع الريادية فوائد كثيرة، لكن هناك حاجة إلى مزيد من هذه الشركات الناشئة في المنطقة. وعلى المرضى والأطباء وغيرهم من اللاعبين في قطاع الرعاية الصحية أن يقوموا بالمثل. ويجب اتخاذ خطوتين على المدى البعيد لتحسين البيئة الحاضنة التي تعمل فيها هذه الشركات واللاعبين الآخرين، وهما:
1 ـ ضرورة وضع تنظيمات لمراقبة نوعية المعلومات وحماية حقوق المرضى والأطباء ومنح الرياديين توجيهات لاتباعها. ولا تزال التنظيمات في مجال الصحة على المحمول تتطور عالمياً. وعلى سبيل المثال، بدأت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة مؤخراً أول تحقيق لها حول تطبيق للرعاية الصحية لا يحترم التشريعات. وبمجرد أن تدخل مثل هذه التنظيمات حيز التنفيذ في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، سيتحمّس المزيد من رواد الأعمال لدخول هذا القطاع وسيشعر المزيد من المرضى والأطباء بالراحة والطمأنينة عند استخدام هذه التقنيات.
2 ـ الحاجة إلى مشاركة أفضل الممارسات المتأتية من الخارج. وثمة أمثلة كثيرة على كيفية قيام رواد أعمال بتطوير حلول للصحة على المحمول وكيف دعمت مسرّعات النمو والمستثمرون وحتى المؤسسات هذا القطاع عالمياً. ومشاركة المعارف مع هؤلاء اللاعبين يمكن أن يساعد رواد الأعمال في المنطقة على تحديد كيفية صياغة أفضل الحلول للمحمول والتي تحتاجها المنطقة. وصحيح أن رواد الأعمال سيحتاجون أيضاً إلى تطوير تقنية يتم تصديرها إلى باقي العالم، لكن مفهوم استخدام نماذج خارجية وتعديلها للمنطقة سيكون مفيدًا أيضًا.
هاتان الخطوتان لا تضمنان النجاح السريع ولكنهما ضروريتان لتطوير قطاع للصحة على المحمول في المنطقة، يكون متماسكا ومُبتكرًا. وحتى التحسينات الصغيرة للبيئة الحاضنة المحيطة من شأنها أن تفتح الباب أمام شركات جديدة وفي الوقت نفسه تشجيع المرضى والأطباء على ركوب الموجة.