نظرة إلى شركة لبنانية للعصير العضوي: ما المميّز فيها؟
قد تخطئ أحياناً بين لبنان وجنوب كاليفورنيا من حيث أشجار النخيل المتمايلة والأرصفة المرقطة المشمسة والنسااء الواثقات من أنفسهنّ الذين يتناولون الغداء، فضلاً عن زحمة السير.
ومع انتشار الناشطين الأنيقين واستوديوهات اليوغا وحانات مشروب الـ "موهيتو" في كل زاوية في الأشرفية، تراهن ليلى فقيه نشابة وهناء علي رضا مؤسِّستا "كي جوس كلينس" (Qi Juice Cleanse) بأن ينجح العصير العضوي، وهو ظاهرة جديدة تحظى بشعبية كبيرة في منطقة جنوب كاليفورنيا الأرستوقراطية (من حيث تتحدر والدة علي رضا) وفي أجزاء أخرى من البلاد والعالم، في إثارة اهتمام المجتمع المخملي البيروتي.
فيما كنت جالسة في مطبخما النظيف في منطقة السيوفي، لم تبدُ نشابة وعلي رضا مهوستين بالنظافة والميكروبات كما قد يربط البعض منّا هاتين الصفتين بمن يتبعون هذه الحميات الغذائية القاسية. فهما صديقتان منذ أكثر من 15 عاماً لذلك علاقتهما سهلة ومتكاملة، واستراتيجيتهما، التي تجعلهما صديقتان داعمتان للنساء، (معظم زبائنهما من النساء) اللواتي يشترين منتجاتهما، تتجلى بوضوح في الرسائل الإلكترونية اليومية التي يبعثانها إلى زبائنهما والمليئة بالأفكار "المفيدة والمرحة والمثيرة للاندفاع والإلهام" والتي تختمانها بدعوة للاتصال بهما في أي وقت "لمجرد الحديث".
وشاربو العصير(Juicers) كما يُعرفون في لغة الشركة الناشئة، سيحتاجون إلى هذا النوع من الدعم الشخصي. ويتألف البرنامج الغذائي الذي يمتد على ثلاثة أيام، من ست زجاجات بسعة 450 غرام يومياً فيها أنواع مختلفة من العصير المختار بعناية والمعصور بارداً (يحتوي على الخس والجزر وجزر الشمندر والزنجبيل والكرفس والخيار وغيرها) والذي يتم تناوله على فترات زمنية متباعدة مع الكثير من الماء وربما بعض الشاي الأخضر غير المحلّى.. فقط لا غير.
طبقتُ برنامج إزالة السموم من الجسم بالعصير هذا كجزء من بحثي لكتابة هذا المقال، وكما سيشهد زملائي التعساء الذين أسأت معاملتهم خلال تلك الفترة، لا تساهم هذه الحمية بشيء في تحسين مزاج المرء بل هي مسؤولية جدية للمرأة العاملة، ولكن هذا هو المقصود.
ترفض نشابة وعلي رضا فكرة أن برنامجهما لإزالة السموم هو حمية تنحيف غذائية، إلاّ أنهما تعترفان بأن الكثير من النساء يعتبرانه كذلك. ولكنه يفترض به أيضاً أن يجذب الكثير من الناس من "جيلنا الذين لديهم الكثير من الانشغالات". فهما تريدانه أن يكون مصدر "تمكين" و"التزام ذهني" يعطي المشاركين إحساساً بالقدرة على التحكم بالفوضى التي يعيشون فيها، إن كانت تتمثل بالعمل أو بالأطفال أو فقط بحياتهم اليومية.
ولكن فكرة الشركة الناشئة لم تتبادر إلى ذهن علي رضا صدفة، بل من زيارتها لوالدتها في مقاطعة أورنج في كاليفورنيا، وعرضتها على نشابة بعد ولادة ابنها الثالث حين كان وزنها زائد وأصبحت مرهقة وشديدة التوتر بسبب بقائها في البيت وعدم ذهابها إلى العمل.
كان برنامج إزالة السموم والشركة نقطتي تركيز لنشابة في تحديد أهدافها بعد ولادة أطفالها. إلاّ أن إطلاق الشركة لم يكن سهلاً. فبالإضافة إلى العقبات التي يمكن أن تواجهها أي شركة ناشئة في أي مكان (وصفات العصير وشهادات التصديق على عضوية العصير وغيرها)، فإن التحديدات المعينة لفتح شركة في لبنان شكّلت نضالاً كبيراً للرياديتين. وبالفعل كانت أكبر عقبة واجهتاها حتى الآن هي البيروقراطية اللبنانية.
وتأسف نشابة لغياب "مسار معروف تتبعه الشركات الناشئة في لبنان" وتتذكر بقلق مع علي رضا أسابيع المهام التي كان عليهما القيام بها والوثائق التي كان عليهما ملؤها والزيارات المتكررة والتي لا جدوى منها للوزارات من أجل إطلاق الشركة وبدء تشغيلها. وتعتبران أن هذه المطاردة البيروقراطية هو التحدي الأبرز لإرساء ثقافة شركات ناشئة مثمرة في لبنان.
غير أن مجتمع الشركات الناشئة الحديث في لبنان وفّر لهما بعض المساعدة. ففي المراحل الأولى حصلتا على قرض بدون فائدة من برنامج "كفالات" لمساعدتهما على بناء المطبخ وشراء المعدات والتجهيزات. كما أن برنامج "بادر" للإرشاد التعليمي والمالي الذي أسسته مجموعة من الخبراء في مجال الأعمال من القطاعين المصرفي والتجاري، اتصل بـ"كي جوس" بعد افتتاحها في آذار/مارس لمساعدتهما في تطوير خطة مالية على المدى الطويل.
ونظراً إلى جودة المنتج العضوي الذي تقدمه الشركة (وكلفة هذا البرنامج: إزالة السموم لثلاثة أيام تكلّف 195 دولار)، قررت نشابة وعلي رضا بأن عليهما التسويق بعناية للمنتج، مع التركيز بشكل خاص على حصريته.
ومنذ إطلاق "كي" في آذار/ مارس 2013 ، استضافت الشركة فعاليات في نوادي رياضية باهظة الثمن ومراكز يوغا في الحمرا والأشرفية وتخطط للمشاركة في Wellness Project وهو معرض للصحة الذهنية والجسدية ينظّم في الجامعة الأميركية في بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وبالإضافة إلى ذلك لم تجر الشركة أية حملات إعلانية أو تسويقية (أبعد من التسويق على الشبكات الاجتماعية) ولا تخطط لذلك. ومع ذلك باعت "كي جوس" حتى الآن 250 رزمة إزالة السموم خلال ثلاثة أشهر فقط بفضل التسويق الشفهي.
أما بالنسبة للخطط المستقبلية لـ"كي جوس"، فإن التوسّع إقليميًّا ليس مستبعداً ولكنهما تقولان إنه "من المبكر جداً التفكير في ذلك". وفي الوقت الراهن تركزان على تطوير علاقاتهما الشخصية مع زبائنهما والحفاظ على الزبائن المتكررين.
وتتذكر علي رضا الفترة الأولى التي أتت فيها إلى لبنان حين بحثت عن منتج عضوي واستوديوهات يوغا. وتقول اليوم إن هذه أمور أصبحت منتشرة أينما كان. وتأمل هي ونشابة أن يكون للعصير المصير نفسه.