ستة مواضيع عالقة من قمة عرب نت الأولى في دبي
"كيف كانت قمة عرب نت الجديدة؟". سؤال طرحه عليّ الناس منذ عودتي من دبي الأسبوع الماضي.
الإجابة السريعة على ذلك: كانت أكثر سلاسة، وشاركت فيها شخصيات من الوزن الثقيل في القطاع والمزيد من اللاعبين الدوليين وعدد أقل من الشركات الناشئة. كما أنها كانت مثل سابقاتها من حيث الشكل مع هيكلية النقاش ذاتها، على مساحة غرفتين، وشاشة التغريادت المباشرة نفسها، ومشاركة الكثير من الوجوه ذاتها. وبكلمة واحدة، كانت أكثر جدية.
قدم المؤتمر الذي دام ثلاثة أيام، للمشاركين خليطاً منوّعاً من المحتوى، وربما الكثير منه. ولكن، كما قال ألكسندر ماكناب، كانت آخر جلسة نقاش في اليوم الأخير، مكتظة بالكامل وهو أمر غير اعتيادي في أي مؤتمر.
أمران أساسيان يمكنكم القراءة عنهما أو مشاهدتهما:
ـ جولة ناراين جاشانمال الممتازة حول جوهر التسوّق والهوية البشرية و1984 ودمج التكنولوجيا مع البشرية وما الذي يجعل التجارة الإلكترونية أكثر إنسانية. (شاهدوا عرض الشرائح هنا، والنقاط التي جرى الحديث عنها هنا).
ـ عرض بنيديكت إيفان حول كيف تسيطر الهواتف المحمولة على العالم.
الجوانب الضعيفة: محتوى جلسة النقاش حول النساء. لم تكن غلطة ماكناب ولكن لنأمل أن يكون في "عرب نت" المقبلة المزيد من النساء وأن تكون القمة أوسع نطاقاً (إلى عمر كريستيديس: يسعدني أن أساعد في إدارة الجلسات). ومن المستحيل بالتأكيد تلخيص الفعالية بكاملها ولكن هناك ستّ مسائل تم التطرق إليها:
1 ـ هل يتجه المستثمرون نحو استثمارات أقل ولكن أكبر؟
في اليوم الأول، قمت بإدارة جلسة حول وضع رأس المال المخاطر، والغريب في الأمر أنّ بعض المشاركين لم يكونوا حتى صناديق رأس مال مخاطر مثل "هونيبي تك فنتشرز" (Honeybee Tech Ventures) التي تموّل شركات ناشئة داخلها و"شركة المبادرات الوطنية" (N2V) التي توقفت عن الاستثمار وتركز الآن على الشركات التي استثمرت فيها.
وعلمت لاحقاً أن قرار "شركة المبادرات الوطنية" بوقف الاستثمار فاجأ الكثيرين. فالشركة القابضة تحاول بشكل واضح التركيز على زيادة قيمتها تحضيراً لطرح أسهمها للاكتتاب العام، ومع ذلك، قد يكون هذا انتقال كبير لكيان ركّز مرة على دعم شركات ناشئة كانت في مرحلة الفكرة، عبر إدارة مختبرات ومسرعة نموّ للشركات الناشئة اسمها "ستارت آبس" Startappz التي تركز على المحمول.
تشهد شركات أخرى عمليات تحول هي أيضاً. ويعترف داني فرحة من "بيكو" (BECO) بذلك. ويقول "إذا سألتنا قبل عام ما هو نموذجنا للاستثمار لقلنا إنه لم يكن لدينا من نموذج أساساً"، بينما اليوم بعد الاستثمار في "دوبلايز" (Duplays) و"ترافيلير في آي بي" (Traveler VIP) و"بروبرتيز" (Properties.ae)، تركز الشركة على جولات الاستثمارات الأولى الأعلى من حيث القيمة. والتركيز على مراحل لاحقة بعض الشيء مع اعتماد مقاربة تفاعلية، قد يكون أحد الوسائل القليلة التي تمكّن الشركات الناشئة من النجاح، وقد وافق سلام سعادة من "واي بلاس فنتشرز" (Y+ Ventures) على هذا في دردشة لاحقاً.
تسير "أس تي سي فنتشرز" (STC Ventures) على الخطى ذاتها مع أكثر من مليون دولار من الاستثمارات مؤخراً، كما أن "ميدل إيست فنتشر بارتنرز" التي لا تزال تركز على شركات ناشئة في مرحلة مبكرة تتجه نحو استثمارات أكبر حيث استثمرت بمليون دولار في سيدر بوكس. وجولات الاستثمار هذه ليست كالتي تجدها في وادي السيليكون، ولكن هل الاستثمارات الأعلى قيمة أصبحت موضة في المنطقة العربية؟ وهل المنحدر بعد جولة الاستثمار التأسيسي يصبح أكثر انحداراً للشركات الناشئة؟
في المقابل، لا يزال يركّز صندوق "ومضة كابيتل" مثلاً على الاستثمار في المراحل المبكرة (تصنيف هذا الأمر على أنه مخجل أم لا، يعتمد على رأيكم في الاستثمار بالمرحلة المبكرة).
2 ـ هل يلقى التمويل الجماعي مقابل الأسهم نجاحًا في المنطقة العربية؟
صدر إعلان قبل يومين بأن سوق المهارات الافتراضية "نبّش" بلغت هدفها خلال 12 يوماً على منصة التمويل الجماعي مقابل أسهم "أوريكا". هل تنتاب الكثيرين بيننا شكوك في النجاح الفوري لهذا النموذج؟ نعم. هل تم التفاوض حول معظم الاستثمارات مسبقاً؟ اعترفت أليكس طعمه ولولو خازن من "نبّش" أن الكثير من المستثمرين وافقوا مسبقاً على الاستثمار ولكن أصرا على أن الكثير منها أيضًا كان مفاجأة. ما زلت أود أن أرى ما الذي يحدث حين نغيّر الوجهة ويطلق أحدهم حملة عضوية تطالب بتمويل جماعي مقابل أسهم من الجمهور هذه المرة.
قد لا يزال هناك فرصة لهذا التوجه. فكريستوفر تيريل، وهو عضو مجلس إدارة في Australian Small Scale Offering Board، التي تدير خدمات تمويل جماعي في أستراليا منذ سبع سنوات، يقول إن الشركات الناشئة التي تحصل على تمويل جماعي مقابل أسهم لديها معدل نجاح أعلى من التي تموّل من قبل الأصدقاء والعائلة. و86% من المشاريع التي ساعدتها الشركة الأسترالية خلال سبع سنوات لا تزال تعمل.
ووافق دارين ويستلايك من "كراود كيوب" (Crowdcube)، أول منصة في المملكة المتحدة للتمويل الجماعي مقابل أسهم، قائلاً "بالتأكيد لم تفلس أي واحدة من الشركات الـ55 التي موّلناها". ويعود هذا إلى العملية المتماسكة التي تفرضها "كراود كيوب" على الشركات والمراحل الثلاثة التي عليها أن تمر بها من أجل الحصول على التمويل. ويضيف "تخضع الشركات لاختبارات من قبلنا ومن قبل الجمهور، ومن ثم عليها أن تقنع الناس بالاستثمار فيها. عليك ان تكون من النخبة".
3 ـ هل يمكن لشركات التجارة الإلكترونية أن تتجاوز مرحلة "المراهقة"؟
في جلسة نقاش حول "التجارة الإلكترونية الكبيرة"، كشف أحمد الخطيب من "ماركة في آي بي" ورونالدو مشحور من "سوق دوت كوم" وشريف نصار من موقع التجارة الإلكترونية المصري "نِفسك" تفاصيل نضالهم مع التوسّع.
إذا قامت "ماركة في آي بي" بنفسها بـ 60% من المسائل اللوجستية، فهل يعني أنها تبني شركة لوجيستيات؟ وسأل عمر كريستيديس، مؤسس عرب نت، "هل هذا نموذج مستدام بالنسبة إليك؟".
لا يهم في الحقيقة إن كان نموذجاً مستداماً أم لا فهذه الطريقة الوحيدة التي وجدتها "ماركة في آي بي" لإبقاء زبائنها سعداء. وقال الخطيب "لم نر طريقة أخرى لتقديم الراحة للزبون". وإلاّ، كما أعتقد إنه قال، فإن عائداتها ستنخفض إلى النصف.
لا تزال قدرة شركات التجارة الإلكترونية في المنطقة على حلّ مسألة الأمور اللوجستية السبيل الوحيد الذي تتوقعه هذه الشركات من أجل تشجيع الشركات الكبرى على الاستحواذ عليها، ويشير الخطيب إلى أن "أمازون لم تأت إلى المنطقة لأنها لم تفهم الأمور اللوجستية هنا. ولكن حين نحلّ هذه المشكلة (اللوجستيات) فسنراها تتوجه إلى المنطقة وتشتري ثلاث إلى أربع شركات".
قد يحصل ذلك ربما. أما التحدي الثاني الذي يواجه كل من "ماركة في آي بي" و"سوق دوت كوم" فهو على الأرجح الحفاظ على التماسك الداخلي وعلى ثقافة صحية. ولدى "ماركة في آي بي" اليوم حوالي 330 موظفاً بينهم 8 مهندسين بينما "سوق" توسعت من 300 إلى 800 موظف في الأشهر الثمانية الماضية بعد أن بقي فريقها صغيراً طيلة خمسة أعوام.
ومثل أي شركة في طور التوسّع، ستعملان بجد الآن لكي تحافظا على فعاليتهما. ودارت بعض الشائعات عن ثقافة "ماركة في آي بي" الداخلية غير أن الشركة تعمل بجهد من أجل إرساء القيم المؤسساتية وربط الأداء بالقيمة (انتظروا المزيد عن هذا قريباً). ويسارع "سوق" أيضاً إلى وضع هيكليات من أجل إبقاء فريقه منسجماً مع مبادئه المركزية. لذلك فإن إلغاء مركزية الإدارة وإقامة قسم للموارد البشرية سيكونان أمراً ضرورياً.
وحين يتعلق الأمر بالتسويق، يعترف الخطيب بأن "ماركة في آي بي" خففت من إعلاناتها على الإنترنت التي كانت واسعة الانتشار. واليوم، تقدم "إعلانات جوجل" Google AdWords لموقع العروض المحدودة المدة أفضل البيانات عن معدلات تحويل الزبائن إلى مستخدمين. أما مشحور من "سوق" فأشار إلى أنّ الفيديو في السعودية هو"أفضل أداة لتحويل المتسوقين خارج الإنترنت إلى متسوقين على الإنترنت".
وطرح كريستيديس سؤالاً أعتقد أنه يستحق التكرار وهو "ما الذي حصل لمبادرة دعم التجارة الإلكترونية التي انطلقت العام الماضي؟"
4 ـ هل سنرى في وقت قريب مصارف في المنطقة العربية تدعو إلى الإبتكار؟
في اليوم الثاني، استهلّ ألكسندر ماكناب، المسلّي دائماً، جلسة نقاش حول المصارف بقوله "لنتفق على أن المصارف في العالم العربي هي من دون فائدة!".
وانضم بيدرو كاردوسو، مسؤول العلاقات مع الزبائن في بنك الإمارات دبي الوطني ليجيب بالنيابة عن القطاع المصرفي، بينما تحدث غراهام توماس من "راديكال" Radical وكيران أوسوليفان من "هيلث والاس" Health Wallace بسعادة عن المنتجات المبتكرة التي قاما ببنائها لمصارف في الخارج.
ولكن المحزن أن كاردوسو واصل التعهد بابتكارات مقبلة غير أنه لم يوضح بالضبط ما هي تلك الابتكارات. وقال إن "المصارف تحتاج حقاً إلى أن تواكب التطوّر والإدارة تدرك ذلك. وستفاجأون ببعض الأمور القادمة"، مشيراً إلى أن بنك الإمارات دبي الوطني طرح صرافاً آلياً تفاعلياً حيث يمكنك أن تدخل هويتك لتضع وديعة أو تفتح حساباً أو تضع عدة شيكات وتحصل على إيصال واحد. وقال "هذا مثال على الابتكار في المنطقة".
لربما فاتني شيء ما، ولكن إن كان الابتكار هو إيداع عدة شيكات والحصول على إيصال واحد، فثمة مشكلة هنا.
غير أن ماكناب على مدونته أظهر بعض التقدير لكاردوسو حيث كتب "خرجت من هذه الجلسة وأنا أشعر بأن أشخاصاً مثل بيدرو يناضلون ضد الأنظمة الموروثة والإدارة التي تقوم على أفكار موروثة، في حين أن المصارف في أجزاء أخرى من العالم أكثر تقشفاً ولكن أكثر قدرة على المنافسة وتقدم بعض الخدمات الرقمية الذكية".
ولا بد من القول إن الانضمام إلى جلسات النقاش في عرب نت، على الأقل تعتبر بداية جيدة للمصارف.
5 ـ هل تعرف شركات الاتصالات أمورًا عنك أكثر من الشبكات الاجتماعية؟
في الجلسة الخاصة بالاستراتيجيات الرقمية لشركات تزويد الاتصالات، وافقت شركات الاتصالات بأنها أرادت أن تقيم شراكة مع وكالات رقمية لتأمين منتجات مبتكرة، بينما سوّق اسماعيل مقدسي من "إنتيغرال" Intigral بشكل سطحي للمنتجات الرقمية للوكالات.
هطلت التغريدات بغزارة على شاشة التغريادات في القاعة، حين تحدث سامر غيثة من "دو" بشكل ارتجالي قائلاً "نحن نعرف عن زبائنا أكثر مما يعرف جوجل وفايسبوك عن زبائنهما. وإن استطعنا إيجاد الشريك المناسب القادر على أخذ تلك المعلومات وجعل حياتهم أفضل، فسيكون لدينا حينها مزيج رائع". وهنا بدأت التغريدات تركّز على برنامج التجسس "بريزم" PRISM، مطلقة نقاشاً لم يقصد سامر أن يثيره.
بدوره لام الريادي التسلسلي بي كاي غولاتي، شركات الاتصالات على عدم الابتكار بشكل سريع في الإمارات، وقال إن "مصر شهدت إطلاق محفظة على المحمول والناس في أفغانستان وبينين وتوغو بإمكانهم أن يدفعوا فواتير الكهرباء على الإنترنت"، صارخاً من آخر الصالة "لماذا أنا لا أستطيع القيام بذلك؟".
الجواب بكلمة واحدة: التنظيمات. واعترف خليفة الفورة من "اتصالات" قائلاً "التزمنا بقواعد المصرف المركزي. وهذا سيحصل حين يعطينا المصرف الضوء الأخضر".
واستمر الحديث عن التعارض في الثقافات مع سؤال طرحه عبد الله حامد على المشاركين في الجلسة من شركات الاتصالات حول مشروع "جوجل لون" Google Loon. لمعرفة المزيد عن ذلك اضغطوا هنا.
6 ـ ما تعريف المحتوى العالي الجودة والمدفوع؟
في اليوم الثالث، فوّت على نفسي جلسة محتدمة حول "مستقبل الفيديو". وعلى ما يبدو، واصل ديفيد بوتوراك المدير التنفيذي لـ"أو أس أن" OSN الإصرار على أن المحتوى المدفوع يقتصر على التلفزيون وحده، وأنه لن ينتقل إلى المواقع المجانية مثل "يوتيوب". ولكن اختلف معه في الرأي عبد الرحمن طرابزوني من "جوجل" والكثير غيره من الحاضرين.
وقال طرابزوني في دردشة بعد الجلسة أنّ المحتوى العالي الجودة والمدفوع ليس بقدر أهمية تجربة المستخدم بالنسبة له، وتابع، "ما يهمنا هو تقديم شيء يستطيع الزبون البحث عنه وتحديده ويجب أن يكون موجوداً حين يريده".
وهذا العام سيعمل "جوجل" على تغيير محتوى يوتيوب وجعل هذه القناة أكثر اجتماعية، وسيحسّن نظام التوصيات لديه من أجل أن يصبح يوتيوب الصفحة الأساسية التي تظهر للمستخدم عندما يتصفح الفيديوهات.
بشكل عام، أعتقد أن عرب نت قامت بعمل جيد في تسليط الضوء على بعض السجالات المرحة. وأنتم ما أكثر ما أعجبكم؟